معان: أجور منخفضة وحلول قاصرة

 اعتصام المتعطلين من معان في محيط الديوان الملكي، تصوير يزن ملحم، حبر، شباط 2019
الرابط المختصر

بالتزامن مع مسيرة المتعطلين عن العمل من أبناء العقبة، خرجت مسيرات راجلة من محافظات أخرى، ولم يكد المتعطلون عن العمل من الكرك، ومحافظات الشمال، والطفيلة يصلون إلى عمّان، حتى قرر متعطلون من أبناء محافظة معان الخروج في مسيرة إلى الديوان الملكي للمطالبة بتوفير وظائف وفرص عمل لائقة لهم.

كان سامي* أحد هؤلاء المتعطلين، وأصبح -لاحقا- عضوا في اللجنة الممثلة عن المتعطلين من أبناء معان، ويقول إنه قرر المشاركة في هذه المسيرة بعد فشل محاولاته المتكررة للحصول على عمل في معان يوفر له راتبًا يكفي احتياجات عائلته، وتأمينًا صحيًا وضمانًا اجتماعيًا.

يعيل سامي ثلاثة أفراد، وقد تخرج عام 2011 من كلية إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة الحسين، ثم بدأ البحث عن عمل في الشركات الخاصة، وأثناء ذلك كان يعمل بنظام المياومة، من الطبخ في المناسبات، إلى البيع في المحال التجارية. ويقول إن مجموع الأجور من هذه الأعمال لم تزدْ عن 300 دينار شهريا في أحسن الأحوال، مضيفا: "أنا مقدم ع الديوان (الخدمة المدنية) من 2011 والدور لسّة نفسه". 

في عام 2013 حصل سامي على قرضٍ من صندوق التنمية والتشغيل، مكّنه من فتح مطعم داخل المدينة، لكنه تعثر وأغلقه مطلع عام 2016. "عندي عيلة (..) والبيت محتاج مصروف، إيجار، كهربا، مي، كل متطلبات الحياة، بالمقابل ما في اشي يغطيها (..) فالحاجة هي الدافع لمشاركتي بالمسيرة"، يقول سامي.

يوم 22 شباط 2019، انطلق سامي وما يزيد عن مائة من المتعطلين من أبناء معان صوب الديوان الملكي، وبعد يومين من السير على الأقدام وصلوا إلى الديوان، والتقى عدد منهم بمدير خدمة الجمهور وسلموا له مطالبهم. وفي طقس متقلب وشديد البرودة مع هطول أمطار غزيرة، اعتصموا بالقرب من الديوان مدة 18 يوما، استمر خلالها توافد المتعطلين من أبناء المحافظة، وعودة بعضهم، ليكون مجموع المشاركين في الاعتصام، بغض النظر عن مدة المشاركة، 870 معتصمًا، بحسب سامي وأعضاء آخرين في اللجنة الممثلة.

التقى المتعطلون خلال اعتصامهم عددًا من المسؤولين من بينهم: رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ورئيس الوزراء السابق عمر الرزاز، ووزير الأشغال العامة والإسكان السابق فلاح العموش، ورئيس ديوان الخدمة حينها نضال البطاينة، بحسب ماجد الشراري، رئيس بلدية معان سابقا، والذي رافق المعتصمين في مسيرتهم للوساطة في إيجاد حل لهم.

ويقول الشراري إن جميع العروض التي قُدمت للمعتصمين كانت شفوية مفادها الطلب من المعتصمين العودة لمحافظتهم مع تقديم وعود لمتابعة قضيتهم، ويضيف: "الحكومة والديوان رفضوا يعطوا (تعهد) خطي وقالوا لا يجوز إعطاء تعهد خطي للتوظيف، إذا أعطينا رح تسبّبلنا مشاكل مع المحافظات الثانية"، وهو ما رفضه المعتصمون، يقول سامي: "لما كانوا يلتقوا فينا ما كانوا يلتقوا عشان يوجدوا حل للمشكلة كانوا بدهم إيانا بس نروّح، هذا الهدف".

في اليوم الرابع من وصول متعطلي معان إلى الديوان عقد مجلس الوزراء جلسة طارئة وأصدر بيانًا حول اعتصام المتعطلين عن العمل قال فيه إنه "يتابع باهتمام تطورات اعتصام المتعطلين عن العمل أمام الديوان الملكي في ظل ظروف جوية صعبة، والحوارات التي جرت بين الوزراء المعنيين والمسؤولين والحكام الإداريين وعدد من القائمين على الاعتصام".

ودعا البيان المعتصمين إلى الاستجابة للغة الحوار و"قبول توفير فرص عمل مفتوحة، وليست مشروطة بمؤسسات وشركات معينة، (..) فهنالك مطالب محقة ومشروعة نعمل على تلبيتها بصورة فورية، وبعضها يتطلب وقتاً، وبعضها يتضمن اشتراطات غير مقبولة ليس في الإمكان تلبيتها"، وطالبهم بإنهاء الاعتصام والعودة إلى محافظاتهم، على أن تكون القنوات مفتوحة أمامهم للمساعدة الكاملة في حل مشكلة البطالة من قبل الحكومة، بالتنسيق مع المؤسسات المختلفة في الدولة ومع القطاع الخاص.

الأمر ذاته أكد عليه وزير العمل حينها، سمير مراد، في لقاءٍ تلفزيوني يوم 4 آذار 2019، عندما قال إن إيجاد فرص عمل للشباب أولوية لدى الحكومة، ودعا المعتصمين للعودة إلى محافظاتهم، طالبًا منهم التوجه إلى مكاتب ومديريات العمل للحصول على المساعدة.

وبعد 21 يوما من خروج المتعطلين من معان، أنهوا اعتصامهم بعد توقيع اتفاقية بين لجنة ممثلة عن المتعطلين وثلاثة وجهاءٍ من محافظة معان، تدخلوا كوسطاء، وهم عمر ياسين صلاح، نبيل عبد الله أبو رخية، وبلال خليل أبو هلالة، تعهدوا بتوفير 750 فرصة عمل في القطاع العام والخاص والقطاعات العسكرية، على أن تكفل الوظائف المطروحة العيش الكريم، وتشمل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.

وتعهد الوسطاء، بحسب الاتفاقية، بدفع مبلغ 200 دينار شهريًا لكل فرد من الأشخاص المسجلين في الكشف المعد من قبل اللجنة، لحين توفير فرص عمل لهم، على ألا تزيد أعدادهم عن 750 شخصا، ويتوقف دفع المخصصات الشهرية للفرد في حال الحصول على الوظيفة أو في حال رفض وظيفة متاحة له، كما يفقد حقه في المخصصات المالية كل من يتقاضى راتبا تقاعديا أو ضمانا اجتماعيا أو راتبا وظيفيا، أو له مصدر دخل قائم مسجل باسمه.

وبحسب عمر صلاح، أحد الوسطاء، فإن قرارهم بتوقيع الاتفاقية جاء بعد حصولهم على ضمانات بتوفير عدد من فرص العمل والوظائف، في السلك العسكري والأمني والمؤسسات الحكومية المختلفة، من قبل رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ورئيس القوات المسلحة السابق محمود الفريحات، ووزير الإسكان والأشغال العامة حينها فلاح العموش؛ ممثلًا عن الحكومة، وكلّ من فهد العموش وأحمد حسني -مساعد مدير المخابرات العامة لشؤون المناطق حينها- ممثلان عن دائرة المخابرات العامة.

ورغم أنّ الوسطاء تعهدوا في الاتفاقية بتوفير 750 فرصة عمل، إلا أنّ كشف أسماء المتعطلين عن العمل شمل أكثر من ألف اسم، 870 منهم شاركوا في معظم أيام الاعتصام، وأضاف الوسطاء إليه أسماء مشاركين عادوا بعد أيام قليلة من بدء الاعتصام استجابة لوعود من مدير الدفاع المدني حينها مصطفى البزايعة بمتابعة ملفهم مع الجهات المعنية وزيارةٍ ليوسف العيسوي لمدينتهم لحل مشكلة المتعطلين.

يقول سامي إن الوسطاء ألزموا أنفسهم بتوفر 750 فرصة عمل كحد أدنى؛ 50% منها لأبناء قصبة معان، و50% لأبناء البادية الجنوبية. ويوضح مصطفى*، عضو آخر في اللجنة ممثلا عن أبناء البادية الجنوبية، أن الأولوية في ترتيب الأسماء في الكشوفات، وبالتالي في الحصول على عمل، قائمة على المدة التي شارك بها كل متعطل بالاعتصام، ومن ليس لديهم راتب تقاعدي أو فرصة عمل أخرى. إلا أن هذه الآلية تسببت بخلاف بين المتعطلين ترتب عليه توقيع اتفاقية جديدة خاصة بأبناء البادية الجنوبية، بين الوسطاء واللجنة الممثلة عن متعطلي أبناء البادية، لتوضيح آلية تقسيم "حصص" فرص العمل بين أبناء المناطق.

يقدّر سامي مجموع فرص العمل التي تم توفيرها، حتى كانون الأول 2019، بـ680 فرصة عمل، أما صلاح فيقول إن فرص العمل التي تم توفيرها للمتعطلين من أبناء قصبة معان بلغت 420 فرصة عمل، في حين يقدّر العدد الكلي بأكثر من 550 فرصة عمل لأبناء البادية والقصبة متجمعين، توزعت بين وظائف عامة في الأجهزة الأمنية والسلك العسكري، ووظائف ضمن الفئة الثالثة في وزارات الزراعة والتربية والتعليم والصحة، ووظائف أخرى ضمن مشاريع تنفذها شركات خاصة لصالح وزارتي الأشغال العامة والسياحة، وبلدية معان.

ويُرجِع صلاح عدم حصول البعض على فرصة عمل إلى أنّ "بعضهم عندهم ضمان اجتماعي، في ناس عندهم أملاك سيارات عمومي وعندهم مدخل رزق، وفي ناس ما حصلوا على موافقة أمنية"، على حد قوله.

خلافٌ آخر تولّد حول المخصصات المالية التي تعهد الوسطاء بتوفيرها بعد شهر للمتعطلين ممن لم يحصلوا على عمل، يقول الشراري إن الوسطاء تعهدوا بتوفير فرص العمل والمخصصات المالية لـ 750 متعطل حسب الشروط الواردة بالاتفاقية، ومناصفة بين أبناء البادية وأبناء القصبة، لكن أبناء البادية تنازلوا عن المخصصات المالية، فرأى الوسطاء أن عدد المستحقين تقلّص إلى 375 متعطلًا من أبناء القصبة دون تحديد أسمائهم، ما أثار خلافًا حول هوية الأشخاص المستحقين لهذه المخصصات.

وفيما تنازل العديد من المتعطلين عن المخصصات المالية مؤكدين أنّ هدفهم هو الحصول على عمل، اعتصم آخرون أمام محلاتٍ وشركاتٍ للوسطاء في معان للمطالبة بالمخصصات المالية بعد مضيّ قرابة شهر على توقيع الاتفاقية دون صرف المخصصات أو توفير عمل لهم. حصل بعدها حوالي 30 معتصمًا على مخصصاتهم لمرة واحدة فقط، بحسب فايز*، أحد المشاركين بالاعتصام والحاصلين على المخصصات، قائلا:" أنا من البداية ما كنت راضي عن الاتفاق، لإنه البنود مبهمة، وبس طلعنا لعمّان ما كنا مفكرين ناس يعطونا فلوس ويصرفوا علينا بمعان (..) بس قبلنا لإنه هذا كان آخر أمل للشباب، لا ظل معهم أكل ولا معهم أواعي ولا معهم قروش".

يقول صلاح إنهم كوسطاء أدّوا التزامهم، والتقوا مع لجنة المتعطلين بحضور محافظ معان، وقدموا مبلغ 75 ألف دينار لتوزيعه على 375 متعطلا، لكن الخلاف الذي وقع بين المتعطلين عرقل الأمر، بحسبه.

حصل سامي في تموز 2019 على عمل ضمن مشروع إنشاء مستشفى معان العسكري، بعقد محدد المدة بسنة واحدة، يعمل بالسكرتارية براتب 277 دينارًا مع اشتراك بالضمان الاجتماعي، بدون تأمين صحي، ويرى أن عمله هذا دون المأمول من خروجهم في المسيرة، إذ لا يغطي الراتب احتياجاته الأساسية، ما يضطره للعمل في المقاولات بعد انتهاء دوامه، "العمل هذا مثل كأنه ما حققنا اشي"، يقول سامي.

بحسب الشراري، فإنّ جميع فرص العمل تتراوح أجورها بين الحد لأدنى للأجور (220 دينارا) و300 دينار، وبحسب أعضاء من اللجنة فإنّ فرص العمل، باستثناء الوظائف الحكومية والعسكرية والأمنية، لم تحقق شروط توفير التأمين الصحي والأمان الوظيفي الذي طالب به المعتصمون.

يُذكر أن رئيس الوزراء السابق، عمر الرزاز، في 20 شباط 2019، وبالتزامن مع مسيراتٍ من محافظات مختلفة على الطريق الصحراوي، قال: "بنعرف إنه الحد الأدنى للأجور لا يكاد يكفي الواحد مواصلاته، ويمكن أجرة تلفونه (..) ودخان إذا بدخن (..) احنا لا ندّعي بإنه الواحد بقدر يفتح بيت بـ 240 و220 ليرة"، داعيًا الشباب للقبول بأيّ فرصة عمل من أجل اكتساب الخبرة.

يرجّح حمادة أبو نجمة، رئيس مركز بيت العمال للدراسات، أنّ توقيع الاتفاقية مع المعتصمين كانت لتهدئة "الخواطر" تحت ضغط الشارع والاعتصامات، معتبرًا إياها "مجرد وعود للسعي لتوفير فرص عمل"، وأن الالتزام الوحيد الثابت في الاتفاقية هو دفع مبلغ 200 دينار للمتعطلين لحين توفير فرصة عمل لهم، لكن الاتفاقية لم تحدد المدة التي سيلتزم بها الوسطاء بدفع هذه المبالغ، "أحيانًا المبالغة بتأكد إنه الوضع مش طبيعي"، يقول أبو نجمة.

ويتساءل أبو نجمة، عن عدم وجود الأطراف الرسمية المعنية بالتشغيل والتوظيف ضمن الاتفاقية، إذ لا بد -برأيه- أن يوقّع أحد منهم، مع وجود خطة وجدول واضح للعمل بناءً عليه، والسعي في إيجاد شركات خاصة تكون طرفًا في الاتفاقية ولديها الاستعداد للالتزام بتعيين عددٍ من المتعطلين إذا توفرت فيهم شروط الكفاءة. أما الوعود، الشفوية منها والخطية، فهي بنظره حلول قاصرة لا يؤمل منها أن تعالج المشكلة جذريا، "دور الحكومة يجب أن يكون فعال أكثر، وسياسات الدولة يجب ألا تكون مبنية على ردود الفعل بل على صناعة القرار مسبقًا، وبناء سياساتها على توقعات حقيقية مدروسة"، يقول أبو نجمة.

للإطلاع على اتفاقية معان

للإطلاع على اتفاقية البادية الجنوبية 

_______________________________________________________________

* أسماء مستعارة بناء على طلب أصحابها.