العقبة: إيقاف الاتفاق وعقودٌ محددة المدة للمشتغلين

من مسيرة المتعطلين من أبناء العقبة، تصوير يزن ملحم، حبر، شباط 2019

في السابع من كانون الأول عام 2018 بدأ 10 متعطلين عن العمل من أبناء العقبة اعتصامًا مفتوحًا على دوار الشريف حسين في المدينة، ثم انضم إليهم العشرات، مطالبين بتوفير فرص عمل لهم.

"سبب خروجنا لإنّا جوعانين، جعنا وانظلمنا بمدينتنا، الظلم هو الواسطة، اللي معاه واسطة بتعيّن، اللي ما معه لأ"، يقول محمد محطة (41 عامًا)، أحد المعتصمين العشرة الأوائل، ورئيس اللجنة الممثلة للمتعطلين عن العمل في العقبة لاحقا. ويوضّح أن مطلب المعتصمين منذ البداية هو المساواة والعدالة في توزيع فرص العمل بين أبناء المدينة، وتوفير وظائف تضمن لهم حقوقهم وتتحلى بالأمان الوظيفي.

أما عبد الرحمن* (31 عاما)، أحد المعتصمين، فيقول إن ما دفعه ورفاقه للاعتصام هو يأسهم من الحصول على فرص عمل في الشركات الكبرى في المحافظة أسوة بالعديد من أقرانهم.

أنهى عبدالرحمن التعليم الأساسي، للصف العاشر، والتحق بسوق العمل مبكرا ليعيل نفسه ووالدته، وقد عمل 10 سنوات كعامل تحميل وتنزيل في إحدى شركات التشغيل العاملة في ميناء الحاويات، ومع انتهاء عقد الشركة عام 2016 فقدَ وظيفته التي لم توفر له تأمينًا صحيا أو ضمانًا اجتماعيا، ليعمل بعدها بنظام المياومة في مشاتل الزراعة ومحلات تركيب الزجاج، بأجورٍ لا يصل مجموعها 180 دينارًا في الشهر، وبالكاد توفر له حاجاته الأساسية على حد قوله، وحاول خلال عامين الحصول على وظيفة في شركة ميناء حاويات العقبة، لكن دون جدوى، "مسكت حالي ورحت مع الشباب على الدوار وقلت غير هيك بوخذش حقي"، يقول عبد الرحمن.

استمرّ الاعتصام داخل المدينة قرابة شهرين، تخللهما بضع لقاءات مع مسؤولين في المحافظة وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، لكن معظم العروض اقتصرت على توفير فرص تدريب من أجل التشغيل، أو فرص عمل في القطاع الخاص؛ مثل محطات المحروقات، والفنادق، والمطاعم، التي تفتقر للاستقرار الوظيفي والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، وهو ما رفضه غالبية المتعطلين عدّة مرّات.

وفي صباح يوم 14 من شباط 2019، قرر المعتصمون التوجه إلى القصور الملكية في العقبة لإقامة اعتصام هناك، إلا أن قوات الأمن طلبت منهم إنهاء اعتصامهم، ما دفع حوالي 40 منهم للمسير إلى الديوان الملكي في عمّان بهدف تسليط الضوء على قضيتهم، "لما شفنا كلها وعود وما في نتيجة قررنا نطلع على عمّان"، يقول محطة،  وخلال سيرهم انضم إليهم متعطلون آخرون من أبناء المحافظة.

أثناء المسير، التقى المتعطلون وفدًا من وزارة العمل مكوناً من مساعد الأمين العام للشؤون الفنية وعدد من مدراء التشغيل بهدف محاورتهم والتوصل إلى حل معهم وإقناعهم بالعودة، وتقديم ضمانات بتشغيلهم في شركات خاصة في العقبة، إلا أن المتعطلين قابلوا المقترح بالرفض، إذ كان مطلبهم هو التعيين بالدوائر الحكومية والشركات الكبرى في المحافظة مثل شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ، والبوتاس الأردنية، ومناجم الفوسفات، وسلطة منطقة العقبة، والموانئ الصناعية، وميناء الغاز، ومصفاة البترول، وشركة الخطوط البحرية، مع ضمان شروط العمل اللائق في الوظائف من حيث الأمان الوظيفي والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وأصرّوا على المضيّ نحو الديوان الملكي، "ما استفدنا منهم اشي، طلبوا منا نرجع، فقلتلهم ما بنرجع، بدك أرجع أعطيني كتاب تعييني"، يقول محطة.

في 20 شباط 2019، وبينما كان يسير متعطلو العقبة على الطريق الصحراوي، ومع خروج مسيرات لمتعطلين من محافظات أخرى، كان رئيس الوزراء السابق، عمر الرزاز، يلتقي مجموعة من الشباب في رئاسة الوزراء، ويؤكد لهم أن الحكومة تتابع مسيرات المتعطلين، مشيراً إلى أنّ التوظيف في القطاع العام أصبح محدودًا جدًا، قائلًا: "لن يتمكن القطاع العام من توفير فرص عمل لكل شبابنا الأردنيين (..) ديوان الخدمة المدنية لم يعد الطريق الأمثل والأكثر احتمالية إنه الواحد يلقى وظيفة أو فرصة عمل من خلاله".

وأوضح أن الحكومة أطلقت برنامج "خدمة وطن" بهدف تدريب وتأهيل شباب وشابات الوطن مهنيا حسب متطلبات سوق العمل، وأضاف: "كما وعدنا، وما زلنا على وعدِنا بتوفير 30 ألف فرصة عمل، بس مش بالحكومة، إنما بقطاعات (مختلفة)".

بعد أسبوع من المسير، وصل المتعطلون إلى الديوان الملكي، وقد بلغ عددهم حوالي 370 شخصًا، "الله يعلم شو أكلنا برد ومطر وشو تمرمطنا وشو صرفنا مصاري بالاعتصامات عشان نقدر نكمل"، يقول عبد الرحمن واصفًا مشقّة المسير وأسابيع الاعتصام على الدوار في العقبة.

بعد وصولهم، قابل رئيس الديوان الملكي، يوسف العيسوي، مجموعة تمثل المعتصمين ليسمع مطالبهم، ثم خرج على جموع المتعطلين ووعدهم بتعيين كل من يرغب ممن هو دون الثلاثين من عمره في الأجهزة الأمنية (الدرك، والأمن العام، والجيش العربي، الدفاع المدني)، وعلى الآخرين أن يختاروا الشركة التي يودون العمل بها داخل محافظة العقبة لتتم إجراءات التعيين، على أن يتحقق ذلك خلال أسبوعين.

وبعد ثلاثة أيام من عودتهم إلى العقبة، قدمت اللجنة الممثلة للمتعطلين كشفًا إلى مكتب خدمة الجمهور في الديوان الملكي، بحسب محطّة، يحتوي على أسماء المتعطلين المشاركين في المسيرة وبياناتهم والمؤسسات التي يودون العمل بها، وبعد عدة أيام أُبلغوا من قبل النائب -حينها- محمد الرياطي أنّ الكشف أُرسِل من الديوان إلى رئيس سلطة العقبة المعيّن حديثاً نايف بخيت، ليتابع بدوره هذا الملف.

التقى أعضاء اللجنة بالبخيت، واتفقوا أن يكون توفير فرص العمل على دفعات وبناء على كشوفات يتم تسليمها لرئيس السلطة، كل أسبوعين دفعة جديدة تشمل 30 اسماً لحين الانتهاء من جميع الأسماء الواردة في الكشف، ويوضح عبد الرحمن، عضو اللجنة، أنّهم سلموا الكشف الأول وفيه 30 اسماً، إلا أنّه تم توفير فرص عمل لـ20 منهم في منتصف شهر نيسان 2019، أي بعد مرور ما يقارب شهر ونصف من عودة المعتصمين، وذلك في شركة العقبة للنقل والخدمات اللوجستية، وهي شركة خاصة مملوكة لسلطة العقبة، وتقدم خدمات النقل والتشغيل والصيانة والأمن والنظافة وإدارة بعض مرافق النقل العام داخل المحافظة.

وفي مايو 2019،  تم توفير فرص عمل لـ32 متعطلا من المشاركين في المسيرة، بالإضافة إلى آخرين من غير المشاركين، كعمال في الشركة ذاتها، وأوضح رئيس السلطة للجنة المتعطلين أنّ لغير المشاركين بالمسيرة من أبناء العقبة الحق أيضا في الحصول على فرص عمل، بحسب عبدالرحمن، الذي حضر اللقاء مع البخيت حينها.

تشابهت طبيعة الوظائف التي حصل عليها المشتغلون في الدفعتين، وكذلك رواتبهم البالغة 250 دينارًا، مع اشتراك في الضمان الاجتماعي، دون تأمين صحي، وبعدد ساعات عمل تصل إلى 48 ساعة عمل أسبوعيا، ويومي إجازة مدفوعة الأجر بالإضافة إلى يومي إجازة مرضية شهريا، وحصلت الدفعة الأولى على عقود مدتها ثلاثة أشهر قابلة للتجديد تلقائيًا، أما الدفعة الثانية فمدة العقد شهر واحد قابل للتجديد تلقائيا.

كان عبد الرحمن أحد الحاصلين على عمل في شركة العقبة للنقل بوظيفة "عامل" براتب قدره 250 دينارا، لكنه يعتبر فرصة العمل هذه مخيّبة لآماله بسبب انعدام الاستقرار الوظيفي فيها، وإمكانية الاستغناء عن خدماته في أي لحظة نظرًا لأن مدة العقد محددة وقصيرة، إلا أنه قبِل بها أملًا منه في تحسن ظروف العمل لاحقا، "الراتب كثير قليل، المواصلات وكلشي بعيد، ما معي تأمين (..) لو كنت بعرف إنه هذا اللي رح يصير كان ما مرمطت حياتي"، يقول عبد الرحمن.

توقف التشغيل بعد الدفعتين السابقتين، فلم يُستكمل لبقية الأسماء في القوائم المتبقية حسب ما اتفق عليه، وكان تبرير رئيس السلطة للتوقف، بحسب أعضاء في اللجنة، هو تكرار الاعتصامات العشوائية والوقفات الاحتجاجية أمام مبنى السلطة من قبل المتعطلين المشاركين في المسيرة للإسراع في توفير فرص العمل. لكن 50 متعطلاً آخر منهم حصلوا على فرص في القطاع الخاص عن طريق السلطة، دون الالتزام بالكشوفات المقدمة لها، ليكون مجموع الحاصلين على فرص عمل ممن خرجوا بالمسيرة 102 فقط، ولم تحقق شروط العمل اللائق التي طالب بها المعتصمون، بحسب محطة.

دفع هذا الحال عددا من المتعطلين للبدء باعتصام جديد أمام سلطة العقبة في 16 آذار من العام الجاري، بحسب عبد الرحمن، وذلك للمطالبة بتنفيذ ما وُعدوا به أمام الديوان الملكي قبل أكثر من عام، إلا أن الإعلان عن تفعيل قانون الدفاع بدءًا من 17 من الشهر ذاته دفعهم لتعليق الاعتصام حتى إشعار آخر.

في ردّها المكتوب على طلبٍ للمعلومات تقدمت به معدة التقرير، قالت سلطة العقبة إن الإجابة على الأسئلة حول ملف المتعطلين عن العمل من أبناء العقبة يجب أن توجه لرئيس مجلس مؤسسة الموانئ الأردنية (شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ) دون بيان أسباب ذلك. في حين طلب رئيس السلطة، نايف البخيت، في مكالمة هاتفية معه إعادة إرسال الطلب له مرة أخرى للرد عليه، لكنه لم يرد.

يعزو الباحث الاقتصادي، فهمي الكتوت، لجوء المتعطلين عن العمل للاحتجاج من خلال المسيرات والاعتصامات، لانتظارهم سنوات طويلة للحصول على وظيفة حكومية، ولعدم توفر فرص عمل لهم في القطاع الخاص، ويضيف: "فرغ صبرهم وبدأوا يبحثون عن سبل للضغط على الجهات الرسمية، فتوجهوا للديوان الملكي لإيصال صوتهم".

يعتقد حمادة أبو نجمة، رئيس مركز بيت العمال للدراسات، أن لجوء المتعطلين عن العمل للاحتجاج من خلال المسيرات، نتج عن الإحباط والشعور بعدم العدالة في توزيع الوظائف وفرص العمل، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة  التي وصلت عام 2019 إلى 19%، كما أن نسبة المتعطلين لفترة طويلة الأمد أصبحت تشكل شريحة كبيرة ما يؤشر على عدم فعالية آليات التشغيل وإيجاد فرص العمل. وبحسب دائرة الإحصاءات العامة فإنّ نسبة الأردنيين المتعطلين عن العمل الماكثين في صفوف البطالة لمدة 12 شهرًا أو أكثر هي 57.3% من مجموع المتعطلين الأردنيين.

"يشعر المواطن أنه متعطل عن العمل ليس فقط الآن ولكن متعطل منذ فترة طويلة وسيبقى متعطلًا لأن إمكانيات الحصول على فرصة عمل ضعيفة"، يقول أبو نجمة، مرجعًا أسباب ارتفاع نسب البطالة إلى تعثر الإجراءات الخاصة بتطوير آليات تحفيز الاستثمار وزيادة النمو الاقتصادي، ووجود خلل في التوزيع الجغرافي للاستثمارات، وعدم التنوع في فرص العمل  الناتجة من المشاريع الموزعة في المحافظات.

 

_______________________________________________________________

* أسماء مستعارة بناء على طلب أصحابها.

 

أضف تعليقك