أهالي الطلبة السكريين عالقين بحلم 2018م
"أكثر ما يحزنني يقضي أيامه يتطلع من شباك البيت متى يرجع للمدرسة.." تصف أم محمد حال طفلها ذو الست سنوات وهي تتأمل صفحة وجهه البريئة، بعد أن اكتشفت اصابته في السنة الأولى لالتحاقه بالمدرسة، تقول:" لما يكون بالبيت ما بخاف لأنه تحت عيني، وبيومه المدرسي هاتفي ما بينزل من يدي" نهاية هذا الصيف قررت إدخاله مدرسة خاصة، تعلل ذلك بواجبها كأم لتحقق له حياة طبيعة، وبالرغم أن لا عيادة طبيب في هذه المدرسة، ولكن خيارها قرب المسافة وقلة الاكتظاظ.
أم أنس حالة أخرى تمثل أمهات تواصلت معهن للحديث عن ظروف الطلبة السكريين في المدارس الحكومية، تقول"امتدت معاناتي 14 سنة لمتابعة بنتي، من لما نقلتها من مدرستها الخاصة لحكومي" تعيدها ذاكرتها لردة فعل إدارة المدرسة يوم تسجيلها بالقول:" لما نقلتها لحكومي كانت بالصف الخامس، حكتلي الإدارة يا بتداومي معها يا بتظلي تطلطلي، وماكانوا يسمحوا أعطيها تلفون" ذلك الأمر اضطرها لتعليم ابنتها كيف تستخدم ابرة الانسولين، وتكتب ملاحظات على ورقة ما الذي ستأكله إذا شعرت بانخفاضه وكيف تتصرف.
يكشف التقرير ارتفاع نسب الطلبة المصابين بمرض السكري في المدارس الحكومية في الأردن ومعاناة ذويهم؛ لعدم سماح وزارة الصحة باعطاء ابرة الانسولين في المدرسة دون توفر طبيب، كما يطرح حلول بين الممكن والمستحيل.
زيادة السكريين
تجلس *بيان ابنة أم أنس في سنتها الاخيرة على مقاعد الدراسة اليوم، ولقد بلغت الحالات الطبية المكتشفة خلال الفحص الشامل 9990 حالة للعام 2022-2023م ، من بينهم 510 سكريين، سجلت 252 حالة في المرحلة الابتدائية و388 في الثانوية. يوضح الرسم البياني زيادة عدد السكريين خلال الخمس سنوات الماضية.
فيما بلغت نسبة التغير في أعداد الطلبة المصابين بالسكري لعامي 2022-2023م (48% ) ليحل بالمرتبة الثالثة من حيث ارتفاع الأمراض المزمنة في القطاع الحكومي، ويوضح الرسم البياني أدنا نسبة الاصابة للعام الدراسي الماضي.
تواصلت معدة التقرير مع وزارة الصحة والتربية والتعليم في محاولة الوصول لتصنيف جغرافي لتوزيع الطلبة السكريين لدى وزارة التربية والتعليم، وعدد الطلبة المحالين من المدرسة للمراكز الصحية، والمدارس الخاصة المتواجد فيها طبيب عام، ولم يرد جواب على أي منها.
إجراءات توتر الأهالي
شاركت ام محمد في استطلاع لعدد من ذوي الطلبة، أكدوا أن اجراءات إدارة المدارس غير كافية، فلا يكاد ينقضي يومان دون أن يستدعى الأهل، تقول :"لو لمست عناية لاطمئن قلبي كاني بدوام رسمي" ووفق مسؤولة صحة مدرسية تتلخص مهمتها باجراء فحص وتدوين الحالة، وإحالة الطاب/ة الطارئة للمركز الصحي، وغالبا تقوم باستدعاء ولي الأمر.
بدورها تؤكد الدكتورة رندة التوتنجي مديرة الاعلام في وزارة الصحة أن الوزارة أوفت بمسؤوليتها، إذ دربت مسؤولي الصحة المدرسية " المعلمين" في بعض المدارس على دليل السكري النوع الأول، وكيفية التعامل مع حالات انخفاض أو ارتفاع السكري، ووفق التوتنجي عينت الوزارة ممرضين في معظم مديريات التربية والتعليم لمتابعة أمور الطلبة الطارئة، والاشراف والتدريب ونشر الوعي، والتنسيق المستمرمع المراكز الصحية.
الملاحظ أن التشريع الأردني يلزم رعاية صحية لطلبة المدارس بشكل عام، كما ورد في قانون وزارة الصحة رقم"4" المادة "و" وبذلك يغطي برنامج الرعاية الصحية المدرسية جوانب أساسية كالفحص السنوي الدوري، والتطعيم، وشمولية التأمين الصحي للطلبة في المراكز الصحية، ولكن دون متابعة يومية للأمراض المزمنة الطارئ في حرم المدرسة.
بالتوجه لوزارة التربية والسؤال عما إذا كان ثمة نية تعيين طبيب عام في المدارس الحكومية كمقترح وضعه وزير الصحة السابق محمود الشياب على طاولة التعليم 2018م ، قال الدكتور احمد المساعفة مدير التعليم ما ورد على لسان وزارة الصحة ، مؤكدا أن التنسيق مستمر والمراكز الصحية قريبة للمدارس، ولم يعلق على نية الوزارة للمضي في ذلك الاتجاه.
وأد الحلم
كادت معاناة الأهالي أن تنتهي في ذلك العام ، فلقد أعلن وزير الصحة عن ضرورة الايعاز بتعيين طبيب عام في المدارس الحكومية والخاصة التي يبلغ عدد طلبها خمسائة طالب وطالبة، استنادا لمخرجات لجنة الصحة المدرسية والاستراتيجية الوطنية لعام 2018-2023م، ولكنه لم ير النور، فظلت العقدة "من المسؤول"؟، إذ تحدث وزير التربية التعليم آنذاك الدكتور عزمي محافظة عبر قنوات اخبارية أن لا ميزانية والأمر منوط بوزارة الصحة، والاولى تراه متعلق بالأخيرة، ليختفي صخب الحديث فجأة، ويظل أهالي السكريين عالقين بذلك الحلم حتى يومنا هذا.
ينطبق مقترح الشياب على نحو ربع مدارس وزارة التربية، إذ بلغت مدارسها للعام 2022-2023م ( 4062) ، الرسم البياني أدناه يوضح فئات أعداد الطلبة إلى عدد المدارس.
حلول أهلية
أمام الواقع المر، خففت أم محمد من توترها اليومي بنقل ابنها لمدرسة خاصة، بينما ذهبت أم أنس لعكس ذلك، فلم تعد قادرة على تحمل الأقساط، لتتعرف على جمعية " فتافيت السكر" أنشأت الجمعية 2023م ، المفارقة أن مؤسسة الجمعية والدة لطفلة سكرية، أخذت على عاتقها من تجربتها أن تمسك بيد الأهالي، فأصبحت الجمعية ثمرة مبادرة بدأتها المهندسة لينا صبيح بعد رفض احدى المدارس قبول ابنتها لاصابتها بالسكري عام 2015م.
تقول صبيح: " "بدأنا رحلة نتعلم ونعلم، نبحث عن أشخاص بنفس معاناتنا، لأنه ما كنا نعرف عن المرض، مافي وعي كافي" لمست أن السكريين لا ينالوا حقوقهم بشكل كامل، فنسجت خيوط تعاون مع وزارة التربية للوصول إلى المدارس وعمل ورش توعية تفصيلية بحقوق أطفال السكري، من ضمن نشاطات الجمعية تم توزيع أجهزة سكري على المدارس، وأنشات مجموعة واتساب لمتابعة قرابة 400 أسرة من مختلف محافظات الأردن للمتابعة والمساعدة .
تقترح صبيح حلا بمنح الطلبة السكريين أثناء الدوام المدرسي، تقول " في حال توفير جهاز "CGM" سيحسن جودة حياة طفل السكري، ببساطة يخفف من التوتر في قبول الطفل في المدرسة؛ لان الجهاز يطلق انذار، بدون وخز". ولكن كلفة الجهاز العالية تمنع الأهالي من شراءه.
رأي طبي
ولتوضيح ظروف طفل السكري في المدرسة ، تقول استشارية الغدد الصماء وسكري الأطفال ورئيسة جمعية إرادة للأطفال الدكتورة سيما كلالدة:" طفل السكري يقضي ساعات في المدرسة، فهو بحاجة لوجبة إلى وجبتين فيها، فمن الطبيعي أن يجرى له فحص للسكر، وأحيانا يحتاج لأبرة انسولين"، ووفق الكلالدة تعليمات وزارة الصحة توافق ان يتم فحص سكري للطالب، لكنها لا تعطي صلاحية لاعطاء الانسولين إلا للممرض أو الطبيب.
تركز الكلالدة على أهمية التوعية الصحية كأحد الحلول، فبرأيها جهاز CGM وتعيين طبيب أمران صعبان التحقق، وترى ضرورة تشجيع النشاط الرياضي في المدرسة، وإدراج استراتيجية لاطلاق برنامج وطني يشمل جميع مدارس المملكة، ولقد نفذت الجمعية تدريبات وورش عمل لمقدمي الرعاية الصحية" مسؤول الصحة المدرسة" بالتعاون مع الجمعية الملكية للتوعية الصحية ووزارتي الصحة والتعليم.
إستمع الآن
لا جدوى للحلول بعيني أم محمد أمام مخاوفها سوى تعيين طبيب عام في المدارس تقول:" تعرفي لا قدر الله الخوف أن يصاب بانتكاسة مفاجأة كحموضة الدم أو غيبوبة..".