العربية في مناهج البرنامج الدولي في الأردن.. تهميش وتحديات

الرابط المختصر

تُعد اللغة العربيّة من اللغات الأساسية في المناهج التعليميّة في الأردن، وما استحدث من المدارس الخاصة التي تعتمد المناهج الدراسية للبرنامج الدولي، مثل: البريطانية (IGCSE)، والأميركية (SAT) ، والبكالوريا الدولية (IB)، وتدرّس هذه المدارس مناهج تعتمد على لغات أخرى، مثل الإنجليزيّة والفرنسيّة، مع حفاظها تدريس اللغة العربيّة؛ بوصفها جزءاً من المنهج الوطنيّ المعتمد من وزارة التربيّة والتعليم.

ولأن شرعية اللغة الشيوع والاستعمال، وبمقتضى قانون حماية اللغة العربية لسنة 2015، المادة 14 من الدستور، فإن على مؤسسات الدولة كافة أن تلتزم بالعمل على سيادة اللغة العربيّة وتعزيز دورها في المجالات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ومؤسسات المجتمع المدني، وفي الأنشطة العلميّة والثقافيّة.

وكذلك بموجب قانون مجمع اللّغة العربيّة الأردنيّ لسنة 2015، المادة 4، الحفاظ على سلامة اللغة العربية والعمل بها لتواكب متطلبات مجتمع المعرفة، استوجب النظر لهذه المسألة، إذ يعد التعليم أحد المحاور الرئيسة في تكوين الفرد من الجماعة، وبكون اللغة أطلس الوجود، وخزائن المفاهيم، تستحق وقفة للتدبر والمراجعة، إذ إن اللغة العربيّة في تلك المدارس تعاني قصورًا واضحًا من الاهتمام والتهميش في تقليص منهاج اللغة العربيّة، بيد أن اللغة الإنجليزيّة تهيمن على ساحة التعليم في تلك المناهج الدوليّة.

يُثير هذا الوضع العديد من التساؤلات، إذ يظل تدريس اللغة العربيّة قضية حيوية ترتبط بالهوية الوطنيّة، والثقافة الأردنيّة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى تُعطى اللغة العربيّة المكانة التي تستحقها في المدارس التي تتبع مناهج دولية؟ كيف يمكن تعزيز تعليم اللغة العربية في المدارس الخاصة بمستوى يناسب مكانتها بكونها لغة وطنية؟ ما هي التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في المدارس الخاصة في الأردن؟ وهل يُلبّي مستوى تعليم اللغة العربيّة في هذه المدارس تطلعات الأهالي والطلاب؟

يأتي هذا التحقيق، كاشفًا واقع تعليم اللغة العربيّة في المدارس الأجنبيّة بالأردن من خلال استكشاف التحديات، وآراء أولياء الطلبة، والمعلمين، والمختصين، ومدى توازن هذه المدارس بين تقديم مناهج دولية رائدة والحفاظ على تراث وهوية اللغة الأم.

 

تعلم العربية ثانوي!

ضمن مقابلة مع آلاء الدريني، وهي معلمة لغة عربيّة في مدرسة أجنبيّة، قال: إن أحد أكبر تحديات تعليم اللغة العربية، هو أن الطلاب معتادون على استخدام الإنجليزيّة في معظم موادهم الدراسية، سيما أنهم يتحدثون بها في حياتهم اليوميّة، مما يجعل تعلم العربيّة ثانويًا؛ لذلك، نحتاج تبسيط الدروس وجعلها أكثر تفاعلية؛ حتى تتناسب مع مستوى الطلاب.

وقد يواجهون أيضًا، صعوبات في تطوير مستوى جيد من الفهم والكتابة بالعربيّة. لذا يتطلب تعليم اللغة العربيّة نهجًا خاصًا، خصوصًا في بيئة تعتمد على اللغة الإنجليزية أو اللغات الأخرى، وهذه التحديات تؤثر في قدرة الطلاب على إتقان اللغة الأم.

أما رأي الطلاب في مدرسة أجنبيّة، فكانت الإجابات متشابهة في أهمية اللغة الإنجليزيّة، ومن تلك الإجابات، قالت الطالبة رند محمد "أشعر أن اللغة العربيّة ليست بنفس الأهمية مقارنة بالإنجليزية، وغالبًا ما تقتصر حصص العربيّة على القواعد والكتابة، لكني أعتقد أنني بحاجة إلى المزيد من الممارسة"، ويضيف الطالب هيثم محمود رأي يساند الرأي الأول: "تعلّم العربيّة بالنسبة لي أصعب مقارنة بالإنجليزيّة؛ غالبًا لأننا نستخدم الإنجليزيّة في معظم الوقت داخل المدرسة وحتى خارجها، لكني أحاول تحسين مستواي من خلال بعض الأنشطة المدرسيّة".

وعلّق ولي أمر طالب محمود الشيخ بقوله"تعليم اللغة العربيّة في المدارس الأجنبيّة يحتاج إلى تحسين. مستوى ابني في اللغة العربيّة أقل مما كنت أتوقع، وأفكر في تسجيله في دروس خاصة لتعويض هذا النقص"، في حين يرى بعض أولياء الأمور أن اللغة العربية لا تحظى بالاهتمام الكافي، يرى آخرون أن المدارس الأجنبية تقدم مستوى مقبولًا. 

 

أفكار تساعد في تحسين تعلّم العربية

هناك العديد من الأفكار التي يمكن أن تساعد في تحسين مستوى تعليم اللغة العربيّة في المدارس الخاصة التي تعتمد منهاجاً دولياً، وأن الأمر ليس مركونًا على جانب الطريق، وإنما الأمل متحقق في تلّمس المشكلة، واتخاذ الخطوة الحثيثة، لتحقيقها. إذ يرى مختص في تطوير المناهج التعليميّة الأستاذ مراد الحداد أنه يجب تطوير مناهج تركز على التفاعل والتواصل باللّغة العربيّة، وربطها بحياة الطلاب اليوميّة، كما يمكن اتخاذ التكنولوجيا وسيلة لتطبيقات تعليمية فعّالة، تشجع الطلاب على ممارسة اللغة بطرق ممتعة.

وأوضح الخبير التربويّ الدكتور عايد أبو سرحان بأننا نحتاج إلى تفعيل دور الأنشطة اللاصفية التي تربط اللغة بالثقافة يمكن أن تؤدي دورًا كبيرًا في تعزيز فهم الطلاب للغة، والاهتمام بتوفير المصادر السمعيّة والمرئية، تساعد في تعلم اللغة على نحو ممتع وحيوي.

من جهتها، تقول أستاذة علم اللغة الدكتورة إيمان الكيلاني إنه "حسب المخرجات التي رأيتها من طلاب المدارس الخاصة واضح ضعفهم الشديد في اللغة العربية، لأن فلسفة تلك المدارس غالباً تتخذ من اللغة الأجنبية كالإنجليزية أساسا للتعليم، وفي خضم سعي الأهل لتمكين أبنائهم من تعلم لغة أجنبية على أساس أنها تفتح لهم باب المستقبل، فإن أولادهم للأسف يفقدون اللغة الأم، فتصبح لغتهم العربية مكسرة وعامية، تفكيرهم فيها ضحل، وجدير بالذكر أنه إذا كان تعلم أي لغة ما يفتح بابا من أبواب الدنيا، فإن العربية تفتح بابي الدنيا والآخرة معًا، واللغة الأم هي الهوية التي لا يجوز أن يضحى بها لصالح أي لغة أجنبية".

وتابعت "أقترح أن تُعطى العربية الفصيحة حقها في الاستعمال الصفي بتدريس العلوم وشرحها، وأن يزرع في ذهن الطلاب أن اللغة الأجنبية ليست بديلاً للعربية بل هي إضافة إليها، وإن العربية هي الأساس وإن اللغة الأجنبية، إضافة ثقافية لا تغني عنها بحال، وفي العموم يجب إعادة النظر في كل مناهج اللغة العربية لتمكن الطالب نحوا وصرفا وأدبا وبلاغةفي مرحلة التعليم المتوسط بما يمكنه من التطبيق في المرحلة الثانوية، ويجب أن يتخذ من النشاطات الثقافية والفنية وسيلة لتمكين العربية الفصيحة في أذهان الطلاب قلوبهم، كما يجب أن تقدم إليهم ضمن سياقات جذابة تبرز جوانب الجمال والإبداع فيها".

بدوره، لفت أستاذ اللسانيات التطبيقية الدكتور وليد العناتي إلى أنه يمكن للطلبة البدء بدراسة مقاربة العامية نحو الفصحى، والبدء بتعليم المفردات المتطابقة/ المتشابهة مع العامية؛ بما يسهل تعلم المفردات، واختيار موضوعات مما يعايش حياة الطلبة اليومية، والتركيز على الثنائية المتوازنة وتعريض الطلاب لقدر كافٍ من العربيّة.

تخلص نتائج التحقيق إلى أنه لا بد من بذل جهود حثيث من الأطراف كافة؛ لتحسين مستوى تدريس اللغة العربيّة ولمّ شمل الأجيال المقبلة بلغتهم الأم بنفس المستوى الذي يتقنون به اللغات الأجنبيّة، وإعداد المعلمين الذين عليهم الاضطلاع بهذه المسؤولية الجسيمة، ووضع خطط ممنهجة لذلك، بما يتناسب مع مصلحة طلابها ومصلحة لغتنا العربيّة.