بين الأزمات الاقتصادية وغياب الحلول.. هل يخفض الأردن معدلات الفقر؟

الرابط المختصر

في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة نتيجة الأزمات المتتالية في المنطقة، يحتفل الأردن اليوم باليوم الدولي للقضاء على الفقر، وسط توقعات بارتفاع معدلات الفقر وتزايد العقبات التي قد تعرقل جهود مكافحته.

خلال السنوات الأخيرة، ساهمت الأزمات العديدة، بدءا من جائحة كورونا، مرورا بموجات التضخم في 2021، وتداعيات الصراعات الإقليمية  والحرب الروسية الأوكرانية، وصولا إلى العدوان المستمر للاحتلال في قطاع غزة ، في تفاقم الأوضاع الاقتصادية في المملكة.

التقديرات الأخيرة تشير إلى أن نحو  35% من السكان، أي ما يعادل 3.98 مليون شخص، يعيشون تحت خط الفقر، وهو ارتفاع غير مسبوق يستدعي مراجعة جادة للاستراتيجيات الحكومية، وفقا لتقرير "أطلس أهداف التنمية المستدامة 2023" للبنك الدولي.

 

مؤشرات مقلقة

 

مدير مركز الثرية للدراسات وأستاذ علم الاجتماع، الدكتور محمد الجرابيع، يصف هذه المؤشرات بأنها مقلقة وتشير إلى مخاطر حقيقية، إذ يرى أن الفقر ليس مجرد قضية اقتصادية أو اجتماعية، بل هو قضية سياسية أيضا، تؤثر بشكل مباشر على الأمن والسلم المجتمعي والاستقرار السياسي، بل وتمتد إلى قدرة الدولة على إدارة مؤسساتها بكفاءة.

ويوضح الجرابيع أن الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة ألقت بظلالها على الأردن، مما أدى إلى تفاقم معدلات الفقر، في ظل العديد من الاختلالات التي جعلت معالجة هذه المشكلة أمرا بالغ الصعوبة، مؤكدا أن تقديرات معدلات الفقر الحقيقية قد تكون أعلى مما تعكسه البيانات الرسمية، مشيرا إلى أن الأردن كان يعاني حتى في فترات الاستقرار النسبي من صعوبة في إيجاد حلول فعالة لهذه المشكلة، كيف الحال في ظل الظروف الراهنة التي تتجاوز السيطرة  وتؤثر على أداء الحكومات.

ويؤكد على ضرورة إعداد دراسات حديثة وعلمية قوية، إذ لم يعد الفقر مجرد معادلة اقتصادية، بل تغيرت بنية الأسرة الأردنية وأولوياتها، بالتزامن مع التحولات الاقتصادية والانفتاح العالمي، مضيفا أن التطورات المتسارعة أدت إلى اندثار بعض المهن التي كانت تشكل مصدر دخل لكثير من الناس، فيما ظهرت مهن جديدة، لكن الحروب والصراعات أعادت الأمور إلى نقطة الصفر، وأصبح على الحكومات التركيز على الحفاظ على الوضع القائم وتجنب تفاقم الأوضاع أكثر.

 

دخل الفرد تحت خط الفقر

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش أن الدعم الذي تقدمه الحكومة لنحو 220 ألف أسرة يهدف إلى التخفيف من الأعباء، إلا أن دخل الفرد في هذه الأسر ما زال دون خط الفقر، البالغ 68 دينارا شهريا للفرد الواحد،  مشدد عايش على أهمية إعادة النظر في إدارة ملف الفقر وتطوير أساليب جديدة للتعامل مع الفئات الفقيرة.

ويضيف عايش أن هناك عوامل متعددة تزيد من انعدام الأمن الغذائي لهذه الأسر، من أبرزها تدني الدخل، وارتفاع حجم الأسرة، وغلاء الأسعار، ومعدلات التضخم، إلى جانب بيئة معيشية لا تتيح توفير المنتجات بأسعار مناسبة أو بكميات كافية.

 

في عام 2021، أعلنت الحكومة أن ارتفاع نسبة الفقر إلى 24%، ما يعني أن ثلث الأردنيين تقريبا قريبون من خط الفقر، سواء كانوا أدنى منه أو أعلى بقليل،  ويشير خط الفقر للأسرة المعيارية المكونة من 4.8 أفراد قدر في عام 2021 بحوالي 500 دينار شهريا 

أما في عام 2023، فقد أشار تقرير البنك الدولي أن خط الفقر الوطني للفرد الواحد في الأردن يبلغ 7.9 دولارات يوميا، أي ما يعادل 5.6 دينار حوالي 168 دينارا شهريا، وبالنظر إلى أن متوسط حجم الأسرة الأردنية هو 4.8 فرد، فإن خط الفقر للأسرة المعيارية أصبح 806 دنانير شهريا.

 

مليونا دينار لتحديث نسب الفقر

رغم تفاقم  الأزمات على مدار السنوات الماضية، لا تزال المملكة  تفتقر إلى بيانات جديدة عن الفقر ، منذ آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة نفذته دائرة الإحصاءات العامة في 2017 – 2018 ، والذي أظهر أن ما يقارب من 16% من الأردنيين، أي من 1.069 مليون شخص كانوا يعيشون تحت خط الفقر حينها، ومنذ ذلك الحين، لم يتم تحديث مؤشرات الفقر لفترة طويلة.

في تصريحات للمدير العام لدائرة الإحصاءات العامة حيدر فريحات، يؤكد أن الدائرة ستعمل على تنفيذ مسح دخل ونفقات الأسرة للإعلان عن بيانات عدة منها مؤشر الفقر "في أقرب فرصة ممكنة"، مؤكدا أن إطلاق المسح الجديد يتطلب العمل الميداني لمدة سنة كاملة وينفق عليه مليونا دينار.

ويشير إلى أن "مسح ودخل نفقات الأسرة تنفذه الدائرة بشكل دوري وينتج عنه الكثير من سلوكيات الدخل البشري، ومنها الفقر بناء على سلة الإنفاق للمواطنين".

حلول للحد من الفقر

ورغم التحديات، يشير تقرير للمركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"  إلى أن هناك فرصا حقيقية لتحسين الأوضاع من خلال تحفيز الاستثمار في القطاعات التي تخلق فرص عمل جديدة، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما دعا إلى ضرورة توسيع شبكة الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر هشاشة، مثل العمالة غير الرسمية، التي تشكل حوالي 50% من القوى العاملة في الأردن، حيث يفتقر هؤلاء العمال إلى الحماية القانونية والاجتماعية، ويعملون في ظروف غير مستقرة.

وأبرز التقرير أهمية الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، حيث يعد التعليم أحد الأدوات الفعالة لكسر دائرة الفقر وتمكين الأفراد من الحصول على وظائف مستقرة ودخل مستدام، ولفت إلى أن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص يمكن أن يكون جزءا أساسيا من الحل، من خلال توفير فرص عمل جديدة وتطوير مهارات الأفراد.

ويدعو التقرير الحكومة إلى التحرك بشكل عاجل لمراجعة السياسات القائمة، وتحديث البيانات المتعلقة بالفقر وظروف العمل، على اعتبار أن غياب المعلومات المحدثة يشكل عائقا أمام اتخاذ قرارات مبنية على حقائق دقيقة، وأكد التقرير على ضرورة العمل المشترك بين جميع الأطراف المعنية لضمان توفير بيئة عمل لائقة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين جميع الأردنيين من العيش بكرامة.