أطفال سوريون يتحدون المسافات لنيل حقهم بالتعليم

 

بنظرات بريئة وملامح مرهقة تروى حكاية العديد من الأطفال السوريين اللاجئين الذين يعيشون في المخيمات العشوائية الموزعة في المناطق الزراعية داخل الأردن. الذين يمضون في رحلتهم اليومية في السير على الأقدام لمسافات تتجاوز 3 كيلو متر يومياً. مجسداً واقعهم المرير حقيقة صعوبة وصولهم للمرافق الدراسية، التي تبعد عن أماكن تواجدهم بما يزيد عن 30 كيلو متر.

دفع واقعهم في صعوبة إمكانية الوصول حرمانهم من حق في التعليم، مما يظهر هشاشة الواقع التعليمي للأطفال السوريين المقيمين في المخيمات العشوائية والتي بلغ عددها قرابة 152 حسب مؤسسة متين أحد شركاء منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف".

رغبة يوقفها التحديات

أحمد الختلان لاجئ سوري يسكن وسط مزرعة زراعية شرقي سوق المواشي الواقع بين محافظتي الرمثا واربد، ولديه ستة أبناء، يقول "بخاف على الولاد يطلعهم الكلاب بطريقهم للمدرسة"، جراء قطعهم يوميا ثلاثة كيلو متر سيراً على الأقدام للوصول للطريق العام للصعود مع الحافلة التي تقوم بنقل الطلاب للمدرسة، ذلك يدفعنا إلى التفكير كثيراً بالأمور، وخاصة في ظل عدم وجود استفادة تعليمية ملحوظة على مستوى اثنين من أبنائي.

ويتابع لم أتمكن من استمرارية في فكرة ذهاب ابنتي الكبرى للمدرسة لبلوغها عمر 12 عاما، وبات الخوف عليها متزايد لماضيها تلك المسافة يوميا وحيدة وسط المزارع والأراضي الفارغة، في وقت أتمت دراسة المرحلة الابتدائية من الفصل الأول حتى الخامس، ولكن اليوم تجلس لتعيل في البيت لعدم تقبلي حقيقة خروجها في الصباح الباكر للسير وحيدة في الطرقات.

مطر الحامد لاجئ سوري وأب لثلاثة أبناء أعمارهم ما بين 7 إلى 12 أعوام، ولطالما طمح أن يلحق ابناءه في الفصول الدراسية، ولكن اصطدم في معيقين، أولهما صعوبة الوصول للمدرسة والتي تبعد عن منزله ما يزيد عن 6 كيلو متر، وحاول ساعيا في ضمان وصولهم للمرافق المدرسية ليقف أمام معضلة اخرى بعدم توفر مقاعد دراسية مما أدى إلى رفضهم لمرات متكررة.

مجسدا واقع صعوبة إمكانية الوصول حقيقة صعب تجاوزها، مظهرة نتائج مقابلة 24 عائلة سورية تمت مقابلتهم في محافظتي المفرق والرمثا، والتي لخصت حقيقة واقع أطفالهم اللذين لم يتمكنوا من الالتحاق في الفصول الدراسية ومنهم لم يتمكنوا من الانتظام في الالتحاق لصعوبة الوصول للمرافق المدرسية، والتي تبعد في محافظة المفرق عن تجمعاتهم السكنية قرابة 30 كيلو متر.

وتؤكد ممثلة اليونيسف في الأردن، تانيا شابويزات، يشكل الافتقار إلى وسائل النقل المدرسي أحد المعوقات الرئيسية أمام الأطفال والتي تعمل عليها اليونيسف. وقد ساهمت عمالة الأطفال والصعوبات الاقتصادية والافتقار إلى الوصول الرقمي أثناء إغلاق المدارس خلال الجائحة في تسرب الأطفال في المخيمات العشوائية من المدارس.

وجد تقرير لليونيسف أن نصف الأطفال في المخيمات العشوائية ممن هم في سن المدرسة يلتحقون بالتعليم الرسمي. ومع ذلك، انخفض هذا الرقم إلى أقل من واحد من كل خمسة في الفئة العمرية 16-17 سنة.

معلمون يتحدون الصعاب

طراد الصالح معلم سوري الجنسية، يقول أنهيت دراسة تخصص الصيدلة من الجامعة الأردنية، لأمضي في مجال التدريس منذ سبعة أعوام، داخل المراكز التعليمية الخاصة في المخيمات السورية، حيث أقوم بتدريس الأطفال ضمن برنامج الدروس المساندة التي تهدف إلى تعزيز التعليم لدى الأطفال، في وقت يعاني الأطفال من صعوبات عديدة محتله إمكانية الوصول أولى العقبات التي طرق التغلب عليها معقدة لبعد المسافات بين مساكن الأطفال ومقرات المدارس.

ويتابع أن الأطفال المتواجدين في نطاق سكني يبلغ عددهم 150 طفل منهم 125 طفل استطاعوا الالتحاق بالمدارس، ولكن بذات الوقت يتواجد أطفال في مربعتا سكنية أخرى لم يتجاوز معدل الالتحاق منهم ما يزيد عن 30% من معدلهم، خاصة الأهالي المتواجدون في محيط منطقة ام رمانه حيث تقع أقرب مدرسة في مادبا بما لا يقل عن مسافة 30 كيلو متر.

ومن جهته يوضح المعلم ياسر عبد الحميد سوري الجنسية ويعمل معلما في المخيمات العشوائية في الرمثا، "نواجه مشكلات كثيرة ولا نستطيع التغلب عليها، من صعوبة وصول الأطفال للمرافق المدرسية التي تشكل عائق حقيقي أمام الأطفال في تحقيق طموحهم بالحصول على حقهم بالتعليم"، وليبقى المعيق الاخر يتمثل في حقيقة تكدس أعداد كبيرة من الأطفال داخل الفصل الدراسي الواحد ليصل على 50 طالب في الفصل، وذلك يجعل العملية التعليمية أكثر تعقيدا وصعوبة.

عدم الوصول يزيد معدلات التسرب

في عام 2017، قدرت اليونيسف أن 68 في المئة من المتسربين من التعليم سبق لهم التسجيل في المدارس. مراجعة حقيقة التسرب إلى عدة دوافع كان أهمها غلاء كلفة التعليم وطول المسافة إلى المدرسة، والحاجة إلى القيام بالأعمال المنزلية. ومع تقدم الأطفال اللاجئين في السن، تميل نسبة حضورهم المدرسي إلى الانخفاض. ويعود ذلك جزئياً إلى حسبانهم أن لا فائدة تُرتجى من التعليم في وقت هم في حاجة ماسة لدعم عائلاتهم اقتصادياً.

وتقول شابويزات، ندعم التحاق الأطفال المتسربين من المدارس في المدارس الحكومية من خلال إحالتهم إلى التعليم المعتمد (البرامج الرسمية وغير الرسمية على حد سواء) ودعمهم للبقاء في المدرسة.

وتستفيد الأسر في المخيمات العشوائية أيضا من المساعدات النقدية الإنسانية التي تركز على الطفل للمساعدة في تقليص فجوة الفقر وإبقاء الأطفال في التعليم وبعيدا عن عمالة الأطفال. كما يتم دعم النساء في المخيمات العشوائية للمشاركة في مبادرات الخاصة بتوفير فرص كسب العيش لتوليد الدخل، مما يمكنهن من دعم تعليم أطفالهن.

وشهدت المملكة الأردنية الهاشمية استقبال النازحين السوريين في خضم الأوضاع السورية لتستمر رحلة الهجرة للأردن لتستقر أعداد اللاجئين الذين تستضيفهم 702,506 لاجئ و4,870 طالب لجوء. من إجمالي مجموع السكان المسجلين، كان هناك 82% من اللاجئين (575,108 لاجئين) ممن يعيشون في المناطق الحضرية. ومن بين الـ 127,373 لاجئاً سورياً مسجلاً في المخيمات، كان 78,679 منهم مسجلين في مخيم الزعتري، و42,174 في مخيم الأزرق، و6,520 في المخيم الإماراتي الأردني. وبحسب اليونيسف يعيش حوالي 19,000 سوري في الأردن (أكثر من نصفهم من الأطفال) فيما يشار إليه عادة باسم المخيمات العشوائية.

الأطفال الفئة الأكثر هشاشة

تشير شابويزات يعد الأطفال الذين يعيشون في المخيمات العشوائية في الأردن، بمن فيهم الأطفال اللاجئون السوريون، من بين بعض الفئات الأكثر هشاشة في البلاد، ويواجهون تحديات في الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والحماية والصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة. وتتفاقم التحديات في توفير الخدمات لهذه الأسر التي تعيش في مواقع نائية بسبب حقيقة أن العديد من هذه العائلات متنقل - يتنقلون من موقع إلى آخر للحصول على العمل الموسمي.

يواجه الأطفال الملتحقون في التعليم الرسمي الذين يعيشون في المخيمات العشوائية معوقات متعددة بما في ذلك القيود المالية، وعمالة الأطفال، والتنقل من موقع إلى آخر من أجل العمل، ونقص وسائل النقل. تدعم اليونيسف النقل المدرسي لما يصل إلى 2000 طفل يعيشون في أماكن نائية كل عام دراسي، وشهدت زيادة كبيرة في الحضور المدرسي بمجرد إزالة هذا العائق - حيث التحق 67 في المئة من الأطفال ممن يعيشون في "مجتمعات يصعب الوصول إليها" إلى المدرسة بتوفير وسائل النقل، مقارنة بواحد فقط من كل أربعة أطفال في المناطق التي لا يوجد فيها أية وسائل نقل.

جهود مشتركة

توضح هلا الهشملون المديرة التنفيذية لمؤسسة متين للتأهيل والتدريب أن وزارة التربية والتعليم قامت بسلسلة من التسهيلات الإجرائية أمام الطلاب السوريين من حيث قدرتهم الالتحاق للفصول الدراسية دون إجراءات معقدة وتم تسهيل العملية في حال انتقال سكن أحد الأطفال في منتصف العام الدراسي إلى مدرسة جديدة يستطيع الاكمال ونقل ملفه التعليمي دون أدنى معيقات.

تعد الأسر التي تعيش في المخيمات العشوائية من أكثر الفئات هشاشة وضعفا، وتعتمد هذه الأسر على العمل الصعب الذي لا يمكن التنبؤ به والمساعدة الإنسانية للاستمرار. وضعت الحكومة الأردنية استراتيجية حماية اجتماعية قوية للحد من الفقر وبناء شبكة أمان اجتماعي لجميع الأطفال والأسر في الأردن. وتعمل اليونيسف عن كثب مع الحكومة والشركاء لضمان أن يشمل نظام الحماية الاجتماعية الأطفال والشباب الأكثر هشاشة، للتمكن من الصمود في وجه الصدمات الحالية والمستقبلية.

 

أضف تعليقك