النباشون الصغار.. عندما يصبح الحلم خردة

الرابط المختصر

يدوي صوت (بكم ديانا) المتهالك بعد آذان الفجر بقليل في الحي الفقير على أطراف العاصمة عمّان ليعلن بدء يوم عمل شاق للأشقاء خالد 13 عامًا ومحمد 11عامًا ورنا 10 أعوام لنبش الحاويات بحثًا عما تجود به الحاويات من خردوات معادن وبلاستيك.

تقول الأم الوضع المأساوي للعائلة تفاقم بعد وفاة والدهم في حادث دهس أثناء عمله في جمع الخردوات قبل خمس سنوات، مما تركهم بلا معيل وتراكمت عليهم الديون. هذا الوضع دفع الأم إلى إخراج أطفالها من المدرسة وإجبارهم على الانخراط في سوق العمل، حيث أصبح نبش الحاويات مصدر رزقهم الوحيد.

استغلال وخطورة عالية

تدني المردود المالي للعمل وقلة إقبال البالغين عليه يدفع سماسرة نبش وبيع النفايات لاستغلال فقر الأسر وتشغيل الأطفال في هذه المهنة على الرغم من المخاطر العالية المحيطة بها، وغياب الرقابة الحكومية لعدم وجود تشريع واضح يحدد مسؤولية منع عمالة الأطفال في نبش النفايات وتضارب المسؤوليات بين وزارتي العمل والتنمية الاجتماعية.

يعاني الأطفال الثلاثة من تكرار إصابتهم بالالتهابات التنفسية والمعوية، وأجسادهم الهشة التي تبدو أصغر من أعمارهم تشير إلى سوء الظروف المعيشية للأسرة وعدم القدرة على توفير الرعاية الصحية الملائمة لهم، وهو ما أكدته الأم، فالدخل الذي يحصلون عليه لا يتجاوز 10 دنانير عند عمل الأطفال الثلاثة طوال النهار.

 

تقاذف للمسؤوليات

تصنف وزارة العمل نبش النفايات ضمن أسوأ وأخطر أنواع عمالة الأطفال، وقد أكد الناطق الإعلامي باسمها، محمد الزيود، أن نبش النفايات والعتالة مهن خاضعة لقانون الأحداث/وزارة التنمية الاجتماعية، ولا تتبع قانون العمل لأنه معني بالمنشآت فقط، وهؤلاء الأطفال يعملون لحسابهم الخاص.

وأوضح الزيود أنه لعدم وجود صاحب عمل له تبعية وإشراف أو أجر محدد، لا تستطيع الوزارة التفتيش على هذه القطاعات، ويخرجها ذلك من اختصاصها، حيث يقتصر اختصاصها على الأطفال العاملين في المنشآت المشمولة بأحكام قانون العمل الأردني.

وزارة التنمية الاجتماعية، بدورها، تؤكد أن متابعة ملف عمل الأطفال ضمن اختصاصات وزارة العمل، كونها المعنية بالرقابة على سوق العمل والعاملين، وأنه لا يوجد أي تشريع ينص على مسؤوليتها عن الأطفال العاملين في نبش النفايات.

وفي الوقت الذي نفت فيه الوزارة مسؤوليتها عن هذه الفئة، أكدت أن نظام حماية الأحداث رقم (36) لعام 2024، والذي تم إقراره تماشياً مع قانون الأحداث النافذ رقم (32) لعام 2014، وتحديداً المادة (33) والمادة (47)، منحها الصلاحيات بالتعامل مع الطفل العامل، ضمن إطار قضائي يكفل حقوق الطفل ومصلحته الفضلى، من خلال التنسيق مع المؤسسات المختلفة للتعامل مع حالة الطفل العامل ضمن منهجية إدارة الحالة.

وبينت الوزارة أن خمس فئات من الأطفال العاملين تخضع للنظام، وتضمنت الحدث العامل خلافاً للتشريعات، والمتسول، والمستجدي ولو تستر على ذلك بأي وسيلة من الوسائل، والبائع المتجول أو العابث بالنفايات، وإذا كان في حالة من حالات استغلال الحدث في العمل بالسخرة أو العمل قسراً أو الاسترقاق أو الاستعباد أو التسول المنظم أو في الدعارة أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي أو أسوأ أشكال عمل الأحداث التي ينطبق عليها قانون منع الاتجار بالبشر النافذ.

 

لا توجد أرقام 

عدم توفر إحصائيات حديثة حول عمل الأطفال في المهن الخطرة تواكب المستجدات وتربطها بارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم وتراجع مستوى دخل الأسر يصعب تحديد أعداد الأطفال العاملين في القطاع. حيث أفادت نتائج آخر مسح لعمل الطفل عام 2016، من قبل دائرة الإحصاءات العامة، بأنّ عدد الأطفال بعمر (5–17) عاماً في المملكة، يبلغ نحو 403 آلاف طفل، يعمل منهم 69 ألفاً، بلغت نسبة الأطفال الذكور 24.3 %، والإناث 0.45 % فقط. ويبلغ عدد الأطفال العاملين في أعمال خطرة -بحسب نتائج المسح- قرابة 45 ألف طفل.


المادة (12) قانون حقوق الطفل رقم 17 لسنة 2022

أ- للطفل الحق في مستوى معيشي ملائم وفي الحماية من الفقر، وتتولى وزارة التنمية الاجتماعية بالتنسيق مع الجهات المختصة وضع السياسات والبرامج اللازمة لتأمين حق جميع الأطفال في الرعاية الاجتماعية الأساسية، وتمكين الأسرة من أداء دورها الأساسي في تربية الطفل وتعليمه وإحاطته بالرعاية اللازمة من أجل ضمان نموه الطبيعي على الوجه الأكمل.

رئيس المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"، حمادة أبو نجمة، يتوقع ارتفاع عدد الأطفال العاملين في المملكة لأكثر من 100 ألف طفل نظرًا لارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وأكد أن ضعف المسوحات الدورية يشكل تحديًا رئيسيًا لمكافحة عمالة الأطفال، مشيرًا إلى أن آخر مسح رسمي كان عام 2016. وأضاف أن العديد من الأطفال يواجهون ظروف عمل قاسية، إذ يعمل 45 % منهم ساعات تتجاوز الحد القانوني، بينما يتعرض 48 % لمواد خطرة، ويعاني 19 % من سوء المعاملة.

وأوصى أبو نجمة بتطوير سياسات الحماية الاجتماعية والاقتصادية، ودعم الأسر الفقيرة، وتحسين الوصول إلى التعليم، وضمان حماية الأطفال من أسوأ أشكال العمل، خاصة في القطاعات الخطرة.

في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة وتضارب المسؤوليات بين الجهات الحكومية، يبقى مستقبل هؤلاء الأطفال وغيرهم مجهولاً، حيث يواجهون ظروف عمل قاسية تهدد صحتهم الجسدية والنفسية، وتحرمهم من حقهم في التعليم والحياة الكريمة.