دوام مرن في القطاع العام... خطوة إصلاحية تواجهها مطالب بالرقابة الجادة‎

الرابط المختصر

رحب عدد من موظفي القطاع العام بالتعليمات الجديدة التي أقرتها الحكومة لتنظيم الدوام الرسمي والعمل المرن لعام 2025، بهدف تطوير الإدارة العامة وتحديث بيئة العمل مع الحفاظ على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وسط مطالبات بضرورة تشديد الرقابة والمتابعة لضمان تطبيقها بفاعلية، ومنع أي تجاوزات أو تراخ قد يعيق تحقيق أهدافها.

وتتضمن التعليمات الجديدة تنظيم آليات الحضور والانصراف، وضبط العمل خارج أوقات الدوام الرسمي، إلى جانب اعتماد أنماط متنوعة من العمل المرن، مثل العمل عن بعد، والعمل بالتناوب، وساعات العمل المرنة،  كما شملت التعليمات اهتماما خاصا بتهيئة بيئة عمل مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديد نسب معينة للمستفيدين من هذه التسهيلات، مع وضع معايير واضحة لقياس الأداء وضبط إجراءات العمل.

في الوقت الذي بدأت فيه الجهات الحكومية بالتحضير لتنفيذ هذه التعليمات، عبر عدد من موظفي القطاع العام عن تفاؤلهم بهذه الخطوة، معتبرين أنها ستساهم في تحسين بيئة العمل، وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للمواطنين من خلال إطالة ساعات الدوام الرسمي بنظام مرن يراعي ظروف الموظف والمراجع معا.

ويقول أحد الموظفين إن التعليمات الجديدة ستتيح مرونة أكبر في تقديم الخدمات، موضحا أن الدوام لن يقتصر على ساعات محددة من الثامنة والنصف صباحا حتى الثالثة والنصف عصرا، بل سيتاح بدء العمل من السابعة والنصف صباحا وحتى الرابعة والنصف عصرا، مع إمكانية توزيع ساعات العمل بين الموظفين بالتنسيق مع الإدارات، بحيث ينتهي دوام من يبدأ باكرا في وقت أبكر، والعكس صحيح، معتقدا أن هذا النظام سيساعد الموظف على التوفيق بين التزاماته الشخصية والعملية، خاصة لمن يسكنون بعيدا عن أماكن عملهم.

كما يرى موظف آخر أن هذا القرار يصب في مصلحة الجميع، سواء الحكومة أو المواطنين، مشيرا إلى أن تمديد ساعات تقديم الخدمة سيساهم في تخفيف الضغط على الموظفين والمراجعين معا، وسيساعد في تخفيف أزمة السير التي كانت تتفاقم بسبب خروج الجميع في نفس الوقت من أماكن عملهم، مضيفا أن اختيار الموظف لموعد بدء دوامه وفق ظروفه الشخصية، سينعكس إيجابا على مستوى الخدمة المقدمة، فضلا عن تسريع إنجاز المعاملات الإلكترونية.

وبحسب رئيس مركز بيت العمال المحامي حمادة أبو نجمة، في حديثه لـ "عمان نت" فإن هذه التعليمات تأتي في توقيت مهم، ضمن توجهات الحكومة لتطوير بيئة العمل وتحفيز الموظفين على تقديم أداء أفضل، موضحا أن الهدف الرئيسي من هذه التعديلات هو تحقيق التوازن بين متطلبات العمل واحتياجات الموظفين، مع ضمان استمرار تقديم الخدمات بكفاءة أعلى وعلى مدار ساعات أطول.

ويضيف أبو نجمة أن هذا التحول سيتبعه سلسلة من التطورات التي سيشهدها القطاع الحكومي، سواء من حيث استخدام أدوات جديدة في العمل أو تبني وسائل وأساليب حديثة لأداء المهام، بعيدا عن الطرق التقليدية المعتادة التي تقوم على الحضور الفعلي في مقر المؤسسة أو العمل من داخل المكاتب.


 

التعليمات الجديدة في مقارنة مع الجائحة
 

تتميز التعليمات الجديدة عن التعليمات السابقة التي تم تطبيقها خلال جائحة كورونا في عام 2020 بأنها أكثر تطورا وشمولية، ففي حين كانت تعليمات العمل المرن في ذلك الوقت إجراء طارئا استجابة للظروف الاستثنائية، فإن التعليمات الحالية تتضمن آليات دقيقة لضبط المتابعة والتدقيق، مع تحديد مسؤوليات واضحة داخل المؤسسات الحكومية.

وفقا للتعليمات الصادرة في الجريدة الرسمية، يوضح أبو نجمة بأنها تتميز بدقة أكبر في الصياغة، مع اهتمام واضح بآليات التدقيق والمتابعة، سواء فيما يتعلق بشروط وضوابط تطبيق العمل المرن بأشكاله الثلاثة التي نصت عليها التعليمات، أو بآلية الإشراف عليه من خلال تسلسل وظيفي واضح يحدد المسؤوليات لكل جهة داخل المؤسسات والدوائر الحكومية، كما تم تخصيص وحدة موارد بشرية لمتابعة تطبيق هذه التعليمات وضمان الالتزام بها.

تنظم التعليمات ثلاثة أنماط من العمل المرن، وهي ساعات العمل المرنة والتي تتيح هذه الآلية للموظف بدء الدوام مبكرا بساعة أو تأخيره بساعة، وكذلك الانصراف قبل الموعد المعتاد بساعة أو بعده بساعة، مع الحفاظ على عدد ساعات العمل اليومية ثابتا، هذا الترتيب يسمح لبعض المؤسسات الحكومية، خاصة الخدمية منها، بتمديد ساعات تقديم خدماتها للمواطنين من سبع إلى تسع ساعات يوميا، من خلال توزيع الموظفين على مجموعات تبدأ وتنتهي دوامها في أوقات مختلفة.

والعمل عن بعد يعتبر هذا الشكل الأكثر حساسية، ويتطلب ضبطا دقيقا لضمان إنجاز المهام،  تحدد التعليمات نسبة الموظفين المشمولين بالعمل عن بعد بحيث لا تتجاوز 20% من إجمالي عدد الموظفين على مستوى الوحدة التنظيمية أو الدائرة، مع إمكانية زيادة هذه النسبة بقرار من مجلس الوزراء بناء على مصلحة العمل، ويتولى الرئيس المباشر متابعة أداء الموظف ورفع تقارير دورية حول إنجازه.

أما العمل بالتناوب، يسمح للوزير، بناء على تنسيب الأمين العام، بشمول عدد من الموظفين بالعمل بالتناوب في الحالات التي تتطلب ذلك،  ويعتبر دوام الموظف المكلف بالعمل بالتناوب دواما كاملا، ويتم تحديد المهام والمخرجات المطلوبة منه للأيام المحددة للعمل.

وبحسب التعليمات تلزم الموظف بالحضور والانصراف في المواعيد المحددة للدوام الرسمي، وعدم ترك مكان العمل أثناء الدوام إلا بإذن رسمي، والتفرغ لتأدية مهام وظيفته خلال ساعات الدوام، و تتولى الوحدة المعنية بالموارد البشرية والتطوير المؤسسي في الدائرة إعداد بطاقة دوام تعريفية لكل موظف، ومراقبة الدوام باستخدام الوسائل الإلكترونية أو السجلات عند الضرورة، كما تقوم بإعداد كشوفات بأسماء الموظفين غير الملتزمين بالدوام ورفعها إلى الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

تلتزم الدائرة بتوفير الترتيبات التيسيرية للأشخاص ذوي الإعاقة لتمكينهم من ممارسة العمل، كما تنص التعليمات على اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق الموظف الذي يتكرر تأخره عن الدوام وفقا للصلاحيات المنصوص عليها في النظام.


 

التحديات وآليات الرقابة


رغم تفاؤل الموظفين بهذه التعليمات، يرى أبو نجمة أن هناك حاجة لآليات رقابية صارمة لضمان التطبيق الفعال لهذه الأنظمة، فقد أظهرت التجربة السابقة في بعض المؤسسات الحكومية مع العمل عن بعد وجود تجاوزات في تطبيق هذه الآلية دون تحقيق إنتاجية حقيقية، مؤكدا على ضرورة أن تشمل الرقابة جهات حكومية مختصة لضمان التنفيذ الجاد.

ويشير إلى أن التعليمات تنص على أن العمل بالأنظمة الجديدة يبدأ فور نشرها في الجريدة الرسمية، وهو ما اعتبره خطوة متسرعة كان من الأفضل أن تسبقها فترة انتقالية مناسبة لإتاحة الفرصة للمؤسسات للاستعداد وضمان التطبيق الفعال.

التعليمات تحدثت بشكل عام بحسب أبو نجمة عن أهمية وضع تقارير دورية لمتابعة سير العمل عن بعد، واشترطت عدة شروط أساسية للموافقة على أداء الموظف لعمله عن بعد، من أبرزها أن لا تكون طبيعة الوظيفة تتطلب تقديم خدمات مباشرة للمواطنين، أن لا يحتاج أداء العمل إلى معدات أو أجهزة موجودة حصريا داخل موقع العمل، وأن لا يتعامل الموظف مع بيانات أو معلومات سرية من شأنها تهديد خصوصية أو أمن المعلومات.

رغم وجود هذه الشروط، يرى أبو نجمة أن آليات المتابعة والرقابة التي تضمنتها التعليمات ما زالت فضفاضة وغير كافية لضمان التطبيق الفعلي والجاد للعمل عن بعد، موضحا أن الرقابة لا يجب أن تقتصر على الدائرة أو المؤسسة فقط، بل يجب أن تخضع بدورها لرقابة أعلى من جهات حكومية رقابية متخصصة.

هذا وبحسب الحكومة فإنها من خلال هذه التعليمات تسعى إلى تحديث وتطوير بيئة العمل في القطاع العام، بما يضمن تحقيق توازن بين متطلبات العمل واحتياجات الموظفين، مع الحفاظ على تقديم خدمات حكومية بكفاءة عالية.