خبراء يحذرون من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الألبسة وفرص العمل ويقدمون حلولا للحكومة

الرابط المختصر

في خطوة أثارت موجة واسعة من الجدل في الأوساط الاقتصادية، فرضت الإدارة الأميركية رسوما جمركية شاملة على الواردات القادمة إلى السوق الأميركية، حيث وصلت في بعض القطاعات، ومنها السلع الأردنية، إلى 20%.

القرار الأميركي، الذي يصفه الرئيس دونالد ترامب بـ"يوم التحرير الاقتصادي"، جاء دون تمييز بين الحلفاء والخصوم، واعتبره خبراء إعلانا غير مباشر لحرب تجارية عالمية تهدد بنسف قواعد النظام التجاري الدولي المستقر منذ عقود.

وفي الأردن، أثار القرار قلقا داخل الأوساط الصناعية والاقتصادية، خاصة مع تحذيرات من تأثيراته المباشرة على صادرات حيوية، أبرزها قطاع الألبسة، الذي يمثل العمود الفقري للعلاقات التجارية بين عمان وواشنطن، بإجمالي صادرات تجاوز 1.5 مليار دينار خلال العام الماضي.

أمام هذه التطورات، تزايدت الدعوات إلى مراجعة السياسات التجارية الأردنية، وتنويع الأسواق التصديرية، في محاولة للحد من تداعيات القرار الأميركي والحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني.


 

رد الحكومة 
 

وزير الصناعة والتجارة والتموين، يعرب القضاة، يؤكد في تصريحات صحفية أن القرار الأمريكي يأتي ضمن سياسة جمركية جديدة تطال معظم الدول المصدّرة إلى السوق الأمريكية، وليس الأردن وحده، مشيرا إلى أن الحكومة الأردنية بدأت بدراسة تداعيات القرار على القطاعات المتضررة، خاصة قطاع الألبسة، لبحث سبل التخفيف من آثاره وتعزيز تنافسية الصادرات الأردنية في الأسواق العالمية.

ويشير  القضاة إلى أن العلاقات التجارية بين الأردن والولايات المتحدة شهدت تطورا كبيرا على مدار 25 عاما من اتفاقية التجارة الحرة، والتي أسهمت بشكل واضح في رفع قيمة الصادرات الأردنية وتنويعها، مؤكدا حرص الحكومة على الحفاظ على هذه الشراكة الاستراتيجية من خلال الحوار مع الجانب الأمريكي والسعي للوصول إلى حلول متوازنة تخدم مصالح الطرفين.


 

الرسوم الأميركية وتداعياتها
 

في الوقت الذي يترقب فيه القطاعان الصناعي والتجاري في الأردن تداعيات القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية شاملة على واردات السلع القادمة إلى السوق الأمريكية، تبين بيانات دائرة الإحصاءات العامة، أنه بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن والولايات المتحدة نحو 4.5 مليار دولار، منها 2.887 مليار دولار صادرات أردنية مقابل واردات أمريكية بقيمة 1.6 مليار دولار، ليسجل الأردن فائضاً تجارياً غير مسبوق بنحو 1.285 مليار دولار، وبنسبة 65% لصالحه.

وتشكل الصادرات الأردنية إلى السوق الأمريكية نحو ربع إجمالي الصادرات الوطنية، مدفوعة باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين التي دخلت حيز التنفيذ الكامل عام 2010، وأسهمت في زيادة حجم التبادل التجاري بنسبة 800%، وفق البيانات الرسمية.

يرى وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور، في حديثه لـ "عمان نت"،  أن القرار الأمريكي يأتي في سياق أوسع يشمل العديد من دول العالم، خاصة تلك التي تميل موازينها التجارية لصالحها أمام الولايات المتحدة، موضحا أن هذه الخطوة تتناقض مع مبادئ تحرير التجارة العالمية، التي دعت إليها مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ تأسيسها عام 1945، إضافة إلى منظمة التجارة العالمية التي طالما ضغطت على الدول لخفض الرسوم الجمركية وتعزيز انسياب السلع والخدمات.

وبين أبو حمور أن فرض الرسوم الجديدة من قبل الإدارة الأمريكية قد يعكس حاجة الولايات المتحدة لزيادة إيراداتها الجمركية كأحد مصادر تمويل العجز الكبير في موازنتها العامة، إلى جانب مواجهة تصاعد أعباء الدين العام، مضيفاً أن هذه السياسة وإن بدت للوهلة الأولى وسيلة لحماية الاقتصاد الأمريكي، إلا أنها قد تؤثر سلبا على حركة التجارة الدولية وتُفاقم من حالة عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.

وفي السياق ذاته، يعتبر المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي، أن قرار الإدارة الأميركية بفرض رسوم جمركية جديدة بنسب متفاوتة على معظم دول العالم، و20% تحديدا على الأردن، يمثل ضربة قوية وموجعة للصادرات الأردنية، خاصة وأنه لا يراعي خصوصية العلاقة التاريخية ولا التحالف الاستراتيجي بين عمّان وواشنطن، ولا حتى الاتفاقيات التجارية والشراكات الموقعة بين البلدين، وفي مقدمتها اتفاقية التجارة الحرة.


 

القطاعات الأكثر تأثرا بالقرار
 

يعد قطاع الألبسة من أبرز القطاعات التي ستتأثر بشكل مباشر من الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، حيث يشكل هذا القطاع أكثر من 80% من إجمالي الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة. 

وتستحوذ مناطق صناعية مثل مدينة الحسن الصناعية على النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات، مما يضع العديد من فرص العمل، خصوصا للنساء، في خطرـ وفقا للخبير الاقتصاد أبو حمور، فإن هذه الرسوم قد تؤدي إلى تقليص فرص العمل في هذا القطاع، وهو ما سينعكس سلبا على الاقتصاد الأردني بشكل عام.

ويضيف أنه قبل توقيع الاتفاقية، لم تكن الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة تتجاوز 15 مليون دولار سنويا، بينما بعد توقيعها ارتفعت بشكل ملحوظ لتصل حاليا إلى نحو 2.4 مليار دولار، مع وجود توقعات بأن تصل إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2033 وفقا لرؤية التحديث الاقتصادي، مبينا أن هذه الصادرات تمثل ما يقارب 25% من إجمالي الصادرات الأردنية، فيما يشكل قطاع الألبسة الحصة الأكبر منها، بنسبة تفوق 80% من إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة، كما تشمل الصادرات الأردنية قطاعات أخرى مثل الحلي، التمور، الصناعات الدوائية، وخدمات التكنولوجيا، إلا أن التأثير الأكبر لأي قرارات جديدة سيكون بطبيعة الحال على قطاع الألبسة.

وهناك بعدين رئيسيين لخطورة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على هذا القطاع، الأول يقول أبو حمور مرتبط بالمناطق الصناعية المؤهلة، وخاصة في مدينة الحسن الصناعية بمحافظة إربد، والتي تعتبر مركزا رئيسيا لهذه الاستثمارات.

أما البعد الثاني، والأكثر حساسية، بحسب أبو حمور فهو أن صناعة الألبسة تعتمد بشكل أساسي على العمالة الكثيفة، وليس على رأس المال أو المعدات، وهي صناعة توفر فرص عمل كبيرة، خصوصا للنساء، حيث تشكل العاملات بين 60% إلى 70% من إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع، محذرا من أن فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على الصادرات الأردنية إلى السوق الأميركية سيؤثر بشكل مباشر على هذا القطاع الحيوي، بما يحمله ذلك من انعكاسات اقتصادية واجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بفرص العمل، وتمكين النساء في سوق العمل الأردني.

وهذا ما يحذر منه أيضا، الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، بقوله أن هذا القرار يهدد مستقبل الصادرات الأردنية إلى السوق الأميركية، ويضرب بشكل مباشر أحد أبرز محركات النمو الصناعي في البلاد.

ويشير الشوبكي، إلى أن هذه الرسوم الجديدة ستنعكس بشكل مباشر على الصناعات الأردنية، لاسيما تلك التي تتركز في المناطق الصناعية المؤهلة، وعلى رأسها قطاع صناعة الملابس، بالإضافة إلى تأثيرها المرتقب على قطاعات الأسمدة، المجوهرات، المنتجات الصيدلانية، وخدمات تكنولوجيا المعلومات.


 

حلول لتخفيف الأثر

في مواجهة هذا التحدي، يقترح أبو حمور عدة حلول لتقليل الأثر السلبية للرسوم الجمركية الأميركية على الصادرات الأردنية، أبرزها الاستفادة من الاتفاقيات التجارية التي وقعها الأردن مع عدة أطراف دولية وإقليمية مثل اتفاقية التجارة الحرة مع الدول العربية والاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، كما يوصي بالتحرك لإعادة التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية التجارة الحرة.

وفي حال عدم نجاح هذه الجهود، يرى أبو حمور أنه من الممكن للحكومة  أن تدرس خيار المعاملة بالمثل، عبر فرض رسوم جمركية على المنتجات الأميركية الداخلة إلى الأردن، أو إعادة النظر في مستوى هذه الرسوم بما يتناسب مع المستجدات، كأن يتم تخفيضها إلى 10% بدلاً من 20%، أو اتخاذ إجراءات مشابهة تحفظ المصالح الاقتصادية الأردنية.

على صعيد آخر، يرى الدرعاوي أن الحكومة الأردنية يجب أن تعتمد استراتيجية لتقليص الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الولايات المتحدة، وذلك لضمان استمرار تنافسية الصادرات الأردنية في السوق الأميركي.

ويعتبر الدرعاوي أن هذه الخطوة ضرورية، حيث أن الرسوم الجمركية الأمريكية البالغة 20% تفوق المعدلات المفروضة على الدول المنافسة، مما يؤدي إلى تراجع تنافسية الصادرات الأردنية،وفي حال استمرار هذه النسبة المرتفعة، ستواجه الصادرات الأردنية خطر الانسحاب من الأسواق العالمية، خاصة في ظل انخفاض الرسوم الجمركية لدى الدول الأخرى.

الصادرات الأردنية المتضررة من القرار الأمريكي تتركز في مجالات حيوية مثل المعدات، السيارات، التبغ، والفواكه، وإذا لم تتخذ الحكومة الأردنية خطوة لتقليص الرسوم الجمركية إلى الحد الأدنى، فإن هذه القطاعات ستواجه صعوبة في الحفاظ على وجودها في السوق الأمريكي، مما سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي بحسب الدرعاوي.

من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي محمد البشير أن فرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية يتطلب موازنة هذه الرسوم من خلال اتخاذ خطوات أخرى تدعم الصادرات الأردنية، مثل تخفيض بعض التكاليف المتعلقة بالخدمات اللوجستية، خاصة إذا كانت بعض الصناعات الأردنية لا تخضع لضريبة المبيعات، كما يجب دعم هذه الصناعات بأسعار الطاقة المناسبة، إلى جانب دفع البنوك لتخفيض الفوائد على التسهيلات المصرفية المقدمة لهذه الشركات. 

بهذه الطريقة، يمكن تعويض الخزينة عن أي فقدان محتمل في الإيرادات نتيجة تخفيضات الضرائب، من خلال زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الولايات المتحدة، خاصة وأن هذه السلع تم تخفيض رسومها بموجب الاتفاقية التجارية بين الأردن والولايات المتحدة، وفقا للبشير.

هذا ويذكر أن الرئيس الأمريكي الخامس والعشرين قد اتخذ إجراءات مماثلة في السابق، حيث تبنى سياسة حمائية من خلال فرض رسوم جمركية على واردات المنتجات الأجنبية إلى الولايات المتحدة، بهدف حماية الصناعة الأمريكية.

ولكن، رغم هذه الإجراءات، لم تتمكن هذه السياسات من الحفاظ على النجاح على المدى الطويل، بعد فترة قصيرة من تطبيقها، بدأت العلاقات التجارية بين الدول تتحسن مع مرور الوقت، مما سمح بالتجارة العالمية بالنمو والازدهار مرة أخرى.