الفسيخ في العيد .. بين العادات العائلية وتحذيرات الخبراء من أضراره الصحية

الرابط المختصر

لا يكتمل العيد دون رائحة الفسيخ القوية وطعمه المميز، فهو جزء من فرحة العيد التي اعتدت عليها منذ طفولتي، عندما كنت أرى والدتي وجدتي تحضرانه لوجبة الإفطار في أول أيام العيد، كما تصف أم خالد 45 عاما، "لا أشعر أن العيد قد بدأ دون الفسيخ، ننتظره طوال رمضان ليكون أول ما نأكله بعد الصيام".

أما أحمد، 30 عاما، فيرى أن الإفطار في العيد لا يكتمل إلا بالفسيخ "بعد شهر من الأطعمة الخفيفة والمحددة، أحتاج إلى شيء مختلف تماما، والفسيخ هو الخيار المثالي، قد يستغرب البعض، لكنه تقليد نعتز به في عائلتنا."

بينما تفضل ليلى، 32 عاما، الإفطار الخفيف وتقول "بصراحة، لا أستطيع تحمل رائحة الفسيخ، فما بالك بتناوله صباح العيد، أفضل الكعك والشاي بالحليب، فهذه وجبة تمنحني شعورا بالبهجة بدلا من طعام ثقيل قد يسبب مشاكل في المعدة."

من جهة أخرى، يعترض سامر، 40 عاما، على تناول الفسيخ في هذا اليوم الخاص، ويعلق "لا أفهم كيف يبدأ البعض يوم العيد بطبق الفسيخ بعد شهر من الصيام، بالنسبة لي، أفضل شيئا أخف مثل الجبن والفول، أو حتى الحلويات."

 

الفسيخ عادة غذائية مثيرة للجدل

في بعض الأسر الأردنية، يعد الفسيخ وجبة أساسية في أول أيام العيد، إذ يعتقدون أنه يساعد على فتح الشهية ويعيد توازن المعدة بعد شهر من الصيام، في المقابل، يرى آخرون أنه قد يسبب اضطرابات معوية وشعورا بالعطش الشديد، مما يجعلهم يفضلون الإفطار على أطعمة خفيفة.

الفسيخ هو نوع من الأسماك المملحة والمخمرة، ويحضر عادة من سمك البوري، يشتهر بتناوله بعض الأسر الأردنية خلال عيد الفطر، والمصريون في يوم شم النسيم، كما يعتبر من الأكلات التقليدية في قطاع غزة.

بعد صيام شهر رمضان، يعتاد الجسم على نمط غذائي معين، مما يجعل تغيير هذا النمط فجأة مع العيد يسبب اضطرابات معوية لدى البعض، ومع ذلك، يبقى الفسيخ جزءا من العادات والتقاليد التي تختلف من عائلة لأخرى، بين محب يراه رمزا للعيد، ورافض يعتبره مغامرة غير محسوبة.

 

تحذير من تناول "الفسيخ"

لا يوجد تصريحات رسمية من وزارة الصحة بخصوص تناول الفسيخ، ومع ذلك، ينصح خبراء التغذية بتوخي الحذر عند تناول الأطعمة المملحة والمخمرة، والتأكد من مصدرها وطريقة تحضيرها، خاصة خلال فترة الأعياد.​

توضح أخصائية التغذية العلاجية نور الراميني في حديثها لـ "عمان نت" أنه في أول أيام العيد، ترى أن بعض الأشخاص يبدأون يومهم بتناول الفسيخ أو المعاليق، وهي وجبات دسمة قد تؤثر على الجهاز الهضمي، خاصة بعد فترة من تناول الأطعمة الخفيفة خلال رمضان.

وتشير الراميني إلى أن المعدة تكون معتادة على بدء اليوم بأطعمة خفيفة مثل الشوربة والسلطة والتمر والماء، مما يساعد في تهيئتها لاستقبال الطعام،  لذلك، فإن البدء بوجبات ثقيلة قد يؤدي إلى اضطرابات في الجهاز الهضمي، مثل تهيج القولون والحموضة، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في المعدة.

نظرا لأن الفسيخ هو سمك بوري مجفف ومملح لعدة أيام ومخمر، فإنه غير مطبوخ، ترى خبيرة التغذية علا القباني أن الخوف الوحيد يكمن في وجود بعض أنواع البكتيريا نتيجة طريقة تحضيره، موضحة أنه من المهم تجميده لدرجة حرارة عالية لضمان قتل أي بكتيريا، أو تعريضه لحرارة مرتفعة أيضا لضمان التخلص من البكتيريا.

أما بالنسبة لأولئك الذين يتناولون الفسيخ مشويا أو مقليا، تؤكد القباني أن هذه الطريقة تجعله أكثر صحية من حيث التخلص من البكتيريا، ولكن من جهة أخرى، فهو يحتوي على نسبة عالية من الدهون والملوحة التي قد تؤدي إلى احتباس السوائل في الجسم، كما أن ملوحته تشبه إلى حد ما المشهيات أو المخللات التي تهيئ المعدة لاستقبال الطعام.

يحتوي الفسيخ على قيمة غذائية عالية، حيث يحتوي كل 100 جرام منه على 250 سعرة حرارية، مما يجعله وجبة متكاملة، كما يحتوي على 55 جراما من البروتين، وهو مصدر ممتاز للبروتين، ومع ذلك، يجب تناوله باعتدال وبطريقة تحضير صحية، بحسب القباني.

 

نصائح لوجبة إفطار صحية

يعتبر شهر رمضان فترة راحة للجسم من الأكل المستمر، حيث يسعى الكثيرون إلى تقليل كميات الطعام المستهلكة، مما يمنح الجسم فرصة للتخلص من السموم المتراكمة على مدار العام، وأن رمضان يعد فرصة مهمة للتقليل من الكافيين والسكريات، مما يساعد على تحسين الصحة العامة.

ومع انتهاء الشهر، يعود معظم الأشخاص إلى عاداتهم الغذائية السابقة، لكن الراميني تأمل أن يتمكن البعض من التخلي عن العادات غير الصحية التي اعتادوا عليها قبل رمضان، مشيرة إلى أن الجسم يمر بتغيرات كبيرة خلال الصيام، أبرزها انخفاض مستويات الإنسولين التي يفرزها البنكرياس بسبب الامتناع عن الطعام لساعات طويلة، مما يساعد مرضى السكري والأشخاص الذين يعانون من مقاومة الإنسولين.

ومع ذلك، تحذر الراميني من العودة المفاجئة للعادات الغذائية غير الصحية بعد رمضان، مثل بدء الإفطار بالخبز الأبيض أو الحلويات مع القهوة، إذ يؤدي ذلك إلى رفع مستويات الإنسولين بشكل كبير، مما قد يسبب زيادة في الوزن ومشاكل صحية أخرى.

توصي خبيرة التغذية الراميني ببدء وجبة الإفطار بطريقة صحية ومتوازنة،  كاختيار الخبز الأسمر أو خبز النخالة، أو حتى بسكويت الشوفان للأشخاص الذين يفضلون تناول شيء حلو في الصباح،  مشددة على أهمية تناول النشويات ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض، لأنها لا ترفع مستوى السكر في الدم بشكل مفاجئ، مما يقلل من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، خصوصا لدى من لم يعتادوا على تناول كميات كبيرة من السكريات دفعة واحدة.

وتنصح الراميني أيضا بالابتعاد عن المبيضات الاصطناعية التي تضاف إلى القهوة، إذ تحتوي على دهون مهدرجة ولا تضم أي مشتقات ألبان، بل تصنع من زيوت النخيل، مما يساهم في زيادة تراكم الدهون، خاصة في منطقة البطن، واستبدالها بالحليب قليل الدسم للاستفادة من البروتين والكالسيوم الموجودين فيه، كما تشجع على تقليل استهلاك السكريات، حيث إن التذوق في الجسم لم يتكيف بعد مع كميات كبيرة من السكر على معدة فارغة.

وبدلا من ذلك، تقترح بدء اليوم بكوب من الماء الدافئ على معدة فارغة، لما له من دور في تهيئة الجسم لاستقبال الطعام على مدار اليوم، كما يساعد في ترطيب المعدة وزيادة كمية الماء المستهلكة خلال اليوم، خاصة وأن بعض الأشخاص لا يميزون بين الشعور بالعطش والجوع.

أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يستهلكون أربعة إلى خمسة فناجين من القهوة يوميا يعتبرون مدمنين عليها، والتوقف المفاجئ عن تناولها قد يسبب أعراضا مثل الصداع والغثيان. لذلك، تنصح بالاستمرار في تخفيف استهلاك الكافيين بعد رمضان، وعدم تجاوز ثلاثة فناجين يوميا خلال فترة العيد، تجنبا لأي آثار جانبية ناتجة عن الإفراط في شرب القهوة.