جدران الفصل بين العرب واليهود بإسرائيل، البيئة ضحية أخرى
عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد
منذ تشرين الثاني عام 2002، لم يعد بمقدور سكان الحي الجنوبي في بلدة جسر الزرقاء العربية في اسرائيل تمتيع عيونهم بمشهد البحر من نوافذ وشرفات منازلهم كما اعتادوا منذ وعوا على هذا الوجود.
فقد سد جيرانهم اليهود في قيساريا ذلك الفضاء الازرق المنفتح على رحابة الافق بجدار ترابي ضخم يرتفع خمسة امتار ويمتد لنحو كيلومتر ونصف الكيلومتر.
وغداة اقامتها للجدار، وصفته شركة تطوير قيسارية بانه "مانع للصوت"، وان الغرض منه هو الحد من الضجيج القادم من جسر الزرقاء، والمتمثل على قولها في "اصوات الاذان والحفلات التي تتخللها الموسيقى واطلاق النار والالعاب النارية".
وزادت ان الجدار يشكل كذلك رادعا للصوص الذين يتسللون من جسر الزرقاء الى قيساريا!
ولكن اهالي جسر الزرقاء، التي تشكل اخر بلدة عربية متبقية في اسرائيل على ساحل البحر المتوسط، يؤكدون ان دوافع الجدار الذي لم يستشاروا بامره او يخطروا به قبل اقامته هي "عنصرية" بامتياز.
وتختزل البلدتان قمة التناقض في اسرائيل حيث تعتبر قيسارية من اغنى بلدات الدولة العبرية في حين ان جسر الزرقاء هي من افقرها.
ومن المعروف عن قيسارية، وهي بلدة عربية جرى تهويدها بالكامل بعد نكبة عام 1948، انها يقطنها اثرى اثرياء اسرائيل واكثر عائلاتها نفوذا، ومن بينها عائلة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
جدار بشع
يقول بهاء جربان ان الجدار الذي يجاور منزله في جسر الزرقاء يمثل "كارثة إنسانية بيئية وطبقية دوافعها عنصرية".
ويضيف انه "جدار بشع يحجب الشمس وهواء البحر كما لو كانا مخصصين فقط لقلة من أصحاب رؤوس الأموال اليهود".
ويتابع جربان ان "جدران العنصرية تتهاوى في كل مكان إلاّ في إسرائيل حيث تُبنى الجدران ومعها تبنى الكراهية والعنصرية، وبعد جدار الفصل العنصري بين الضفة والداخل ها هو جدار اخر يبنى لأهل جسر الزرقاء".
والى جانب مغازيه العنصرية فان الجدار كما يقول جربان "يشكل مسا صارخا بالبيئة الطبيعية التي اعتدناها، وبات يؤثر في نفسياتنا لانه يفصلنا عن الامتداد الطبيعي للأرض والهواء والبحر، والتي تواجدت معنا قبل تهويد قيسارية".
ويختم الرجل بمرارة "هذا الجدار سرق الحلم وآمال الأطفال، وزاد في خنق البلدة".
وبلدة جسر الزرقاء التي يقطنها نحو 11 الف فلسطيني وتقع على بعد 30 كلم جنوب حيفا، محاصرة اليوم بمستوطنات قضمت معظم اراضيها، ولم تبق لها من فضاء مفتوح سوى البحر.
ويقول أحد الأطفال في الحي "كنت دائماً أتأمل المنزل الكبير في قيسارية وكنت أرى السيارة الفخمة، وأطفالا يصعدون إليها كل صباح، وكنت أقول لأمي عندما أكبر سأبني منزلاً مثل هذا واشتري سيارة مثل هذه، وأزرع أشجاراً حول المنزل".
ويضيف "الجدار حجب عني المنزل والسيارة والحديقة، فلم أعد اراها وأصلاً لم أعد أنظر نحو الجدار لأن النفايات تراكمت بجواره".
تلوث بصري
وكما يؤكد مختصون، فان هذا الجدار يمثل تلوثا بيئيا بصريا لا يقل خطورة عن ملوثات البيئة الاخرى من حيث اثاره على الانسان وصحته النفسية والجسدية.
والتلوث البصري اصطلاح يطلق على العوامل البصرية غير الجذابة التي هي من صنع الانسان، سواء كانت متعلقة بالرؤية او المشهد الطبيعي او اي شئ لا يشعر الانسان بارتياح لدى النظر اليه.
وهو مسألة جمالية تشير الى الاثار التي يخلفها اضعاف قدرة الشخص على التمتع بمشهد او منطر طبيعي.
ويستخدم هذا المصطلح بشكل واسع ليشمل الرؤية والقيود على قدرة مشاهدة الاجسام البعيدة والفوضى البصرية.
والتلوث البصري هو تدنيس للبيئة ينجم عن النشاطات البشرية
ويؤدي التلوث البصري إلى مشكلات نفسية وجسدية، تبدأ من القلق، والتوتر، والضغط النفسي، لتمتد إلى جسد الإنسان وتصيبه بأمراض القلب والقولون والسكري.
ويوضح اطباء الالية التي يؤثر التلوث البصري من خلالها على الانسان، قائلين ان البيئة البصرية تتكون في الدماغ من خلال دخول الصور والمشاهد المؤثرة إيجابياً أو سلبياً عبر العينين إلى الدماغ، حيث تتكدس وتخزن.
وعندما تصل إلى الدماغ، تؤدي الصور البشعة والمؤذية إلى تغييرات كيمائية وبالتالي إلى آثار جسيمة نفسية وجسدية، بخاصة أنها تصبح مخزنة في ذاكرته الواعية واللاواعية.
وتبدأ آثار التلوث بالمشـكلات النفسية مثل التوتر والضيق والعصبية الزائدة والسلوك المضطرب وتزداد سوءاً لتصبح أمراضاً جسـدية مثل ارتفاع الضـغط والقلب والسـكري وأوجاع المفاصل والقولون وصعوبة في التنفس.
وفي احيان كثيرة، يتم اللجوء الى أدوية تساعد على التقليل من حالة التوتر والقلق والأرق ممن يعيشون في بيئة ملوثة بصريا.
عقلية الجدران
وبحسب ما اكدته المؤسسة العربية لحقوق الانسان التي تعنى بحقوق الاقلية الفلسطينية في اسرائيل:، فان الهدف من هذه الجدار هو "الفصل بين البلدتين".
واوضحت المؤسسة في تقرير حول الجدار الذي غرست على جوانبه أشجار ليكتسب منظرًا "طبيعيًا، وتم تمهيد درب للسير فوقه، انه اقيم بدون ترخيص قانوني، ودون التنسيق مع مجلس جسر الزرقاء المحلي وبدون علم سكانها.
وفند التقرير الادعاءات التي ساقتها شركة تطوير قيسارية من حيث اسباب بناء الجدار، معتبرا انها من الصعب قبولها لاسباب اهمها ان "الجدار ما هو إلا سور ترابي، ومهما ارتفع فإنه لا يمكن أن يمنع الضجيج، إذا وجد أصلا، من جسر الزرقاء".
واضاف ان الجدار "لا يمكن أن يمنع سكان جسر الزرقاء من الدخول الى قيساريا إذ هناك إمكانية للتسلق عليه بسهولة ..وهناك مناطق..لم يتم بناء السور عليها، وتشكل منفذًا مفتوحًا بين البلدتين".
وقال التقرير ان سكان جسر الزرقاء يصفون الجدار بانه عنصري ويشعرون أن الهدف منه هو "تضييق الخناق عليهم حتى يرحلوا الى مكان آخر".
واكد ان الجدار يشكل "حجر عثرة جديًا أمام التخطيط المديني للقرية.. كما أنه يمس بشكل قاس بالمحيط الخلاب، يسد منظر البحر والطبيعة ويؤدي الى الاكتئاب والإحباط لدى سكان الحي الجنوبي في القرية".
واشار التقرير الى جدارين اخرين مماثلين في اسرائيل، معتبرة انهما يجسدان مع جدار جسر الزرقاء نزعة متصاعدة للفصل العنصري في الدولة العبرية.
واحد هذين الجدارين مبني بين حيي الجواريش العربي وغاني دان اليهودي في مدينة الرملة، وهو من الاسمنت المسلح ويرتفع اربعة امتار ويمتد على طول كيلومترين.
اما الثاني، والذي تم قطع شوط في بنائه، فهو يفصل بين حي بيارة شنير العربي وموشاف نير تسفي اليهودي في اللد.
واعمال بناء هذا الجدار الاسمنتي الذي يرتفع اربعة امتارـ موقوفة حاليا بموجب قرار منع مؤقت استصدر من المحكمة بعد التماس إداري قدمه عدد من سكان حي بيارة شنير.
وكما تؤكد المؤسسة العربية لحقوق الانسان فان هذه الجدران تشكل انعكاسًا لنظرة الأغلبية اليهودية للأقلية الفلسطينية، والتي تعتبر انه "ما دامت الأقلية الفلسطينية تشكل خطرًا ديمغرافيًا على الصبغة اليهودية-الصهيونية للدولة، فإنه ينبغي الانفصال والابتعاد عنها ومنع أي إتصال أو صلة معها".
إستمع الآن