قوصين الفلسطينية: قرية صامدة بوجه الاحتلال العسكري والبيئي

تقرير: روزين عودة

تعاني قرية " قوصين" الفلسطينية كغيرها من الأراضي المحتلة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي ومخلفاته على الأصعدة كافة، وتتميز عن غيرها بمعاناة أخرى أثقلت كاهل سكانها وأرهقتهم، هي معاناة ناتجة عمّا بات يسمى بـ " الاحتلال البيئي" الناتج عن الاحتلال وأطراف أخرى لا تأبه بالمواطنين وسلامتهم. وتتربع القرية المنكوبة على جبل يقع إلى الغرب من مدينة نابلس بالضفة الغربية، وهي ذات مناخ معتدل هادئ، جعل منها محطًا لأنظار من يبحثون عن هناء العيش الهادئ في معزل عن الضجيج المدني، ويعيش فيها قرابة ألفي نسمة، يعمل معظمهم بالزراعة والقسم الآخر في مؤسسات السلطة الفلسطينية. تختلف القرية عن باقي محيطها من حيث المعاناة مع الاحتلال، فهي تعاني مثلها نتيجة الفقر والبطالة التي تحيط بساكنها، وغيرها من المشاكل التي تؤثر سلبًا على ذلك النسيج كباقي مدن الضفة الغربية، ولكنها بالذات تعاني شكلا آخر من أشكال المعاناة. ويتمثل الاحتلال البيئي القاتل، بحسب سكان القرية، في المنطقة الغربية لقوصين، وهي مشاكل بدأت من مصادرة الاحتلال للأراضي لغرض إنشاء منطقة صناعية إسرائيلية على مساحة تقارب ألفي دونم، تجتمع فيها مصانع لا تعرف ماهيتها ولا طبيعة عملها والمواد التي تنتجها. وأشار عدد من السكان إلى أن تلك المصانع التي لا تعرف طبيعة عملها، تنتج مادة الاستيون السامة، إلى جانب إقامة برجين لغرض خدمة الاتصالات اللاسلكية الإسرائيلية والتي يُخشى من بثها لترددات قد تسبب السرطان وأمراض أخرى للمواطنين الفلسطينيين. "لم نعرف الأمراض من قبل، يقول احد المواطنين"، ويضيف :" ولكن الوضع الآن يختلف، وخاصة بعد أن طوقنا الاحتلال من الغرب بمنطقة صناعية، فشاعت الأمراض في المجتمع، ويلاحظ كثيرة الخنازير البرية التي تجمر الحقول والمزروعات، وحيوانات أخرى شرسة تهدد امن المواطنين، ناهيك عن اختفاء الحيوانات الأليفة مثل الغزلان، وفقدان الطبيعة لأهم مركباتها الحيوية من نضرة واخضرار". وتبدو الأضرار البيئية التي يخلفها الاحتلال البيئي للقرية الفلسطينية واضحة المعالم ، فمكب النفايات شاهد على المأساة، وهي المكب الذي كان السكان أوقفوا إقامته قبل سنوات بفعل ضغطهم الجماهيري، فأعاد الاحتلال إنشاءه من جديد، حيث يستوعب أطنانا هائلة من النفايات الفلسطينية وأخرى يؤتى بها من الأراضي المحتلة عام 1948.

وكان أهالي القرية رصدوا خلال احد الاعتصامات المعارضة لإنشاء مكب النفايات، تواجد العشرات من الآليات العسكرية، إلى جانب صناديق من الذخيرة الحية، وأخرى يستعملها الاحتلال لأغراض عسكرية مختلفة، مما أثار حفيظتهم وشكوكهم بما يحتويه باطن هذا المكب، وخشيتهم من دفن مخلفات لا تعرف مكوناتها إلى جانب منازلهم. وليس من الصعب تحديد المشاكل البيئية التي تعاني منها القرية، فكل مواطن هناك يدرك حجم المأساة، جميعهم يعرفون أن جودة زيتونهم قد انخفضت بفعل الاحتلال البيئية، وكذلك الأمراض المنتشرة نتيجة لمصانع الألمنيوم والنحاس التي تستخدم فيها مواد الصهر الكيميائية، ومحطات تعبئة الغاز بالقرب من المنازل، وينضاف إلى ذلك أبراج الهواتف النقالة والكسارات التي تسبب تلوث الهواء. ويقول الناشط الاجتماعي احمد كنعان وهو احد سكان قوصين :" من الواضح أننا نتعرض لمخطط ممنهج اعد له الاحتلال منذ وقت طويل، نحن هنا نعيش الاحتلال البيئي ومخلفاته يوميا منذ أكثر من عشرة سنوات، يلاحظ الأمر دائما عند استنشاق الهواء أو شرب المياه". وأشار إلى أن الاحتلال يسعى إلى بث الرعب في قلوب أهالي القرية بغية ترحيلهم واستخدام أرضهم. وأضاف الناشط " عندما نجد أن نسبة كبيرة من المواطنين في هذه المساحة الضيقة والتعداد السكاني البسيط مصابون بمرض السرطان، فإن ذلك لا يشير إلاّ إلى ازدياد الوضع سوءًا ". ويلّوم أحمد كنعان المسؤولين الفلسطينيين الذين يغيبون في مفاوضاتهم أموراً توازي بأهميتها الأسرى واللاجئين، مثل هذه الأمور البيئية التي يعاني منها الأهالي في قوصين:" اعتقد أن بعض المسؤولين متورطون بقضايا فساد تتيح للاحتلال هذه الممارسات الممنهجة في حق الأهالي، نحن نطالب بوقفة جدية لا أكثر ومساعدتنا في الوقوف ضد هذه المشاكل التي تؤرقنا، لأن المشاكل البيئية في القرية والقرى المحيطة على حد سواء يستهدف الأرض والإنسان".

بدوره، قال باسم سلمان عضو المجلس القروي قوصين :" في الآونة الأخيرة ظهر شبح استوقف أهالي القرية وأرعبهم مما جعلهم يعيشون حالة نفسية اقرب إلى الهلوسة، فقد تم توثيق أكثر من 20 إصابة بمرض السرطان مؤخرا، وتركزت هذه الحالات بين الفئات العمرية المختلفة من أطفال وشباب وكبار في السن". وأوضح :" أخطر المشاكل البيئية المحيطة في قوصين على الإطلاق هي مكب النفايات الإسرائيلي الذي أقيم على الجهة الغربية من أراضي القرية ويتربع على حوض مياه جوفي، بمساحة 6 دونمات، حيث تبين أن طبيعة النفايات متنوعة فمنها مواد كيماوية وخاصة مثل مواد الدهان، ونفايات أخرى من مخلفات الجيش كالرصاص والبزات العسكرية وغيرها من المواد المخلوطة بمواد صلبة، ومواد بلاستيكية ومواد بناء ". " ورغم ما شاهدناه"، يضيف سلمان، " نؤكد انه لا يوجد أدنى رقابة على طبيعة المواد التي يتم إلقائها في هذا المكب، مما يجعلنا أن نتخوف أن تقوم الجهة الإسرائيلية بدفن نفايات عالية الخطورة مثل المخلفات النووية مستغلةً عدم وجود رقابة ومستترة بظلام الليل ". وقال :" هذا كله كفيل بتلويث المياه الجوفية التي تزود قرى نابلس، هذا إلى جانب تلوث الهواء بسبب الروائح الكريهة، كما ويشكل المكب مرتع للجراثيم وانتشار الأوبئة مما يسبب أمراض متعددة، وبلا شك، إن المكب بمثابة مرتع للخنازير البرية التي تشكل خطر على سلامة السكان وعلى محاصيلهم الزراعية". وتقع المصانع الكيماوية الإسرائيلية فإنها على الشريط الغربي لقرية قوصين، حيث قام الاحتلال بمصادرة ما يقارب 2000 دونم من الجهة الغربية للقرية وأقام عليها منطقة صناعية تحتوي على مصانع كيماوية. وأكد شهود من أهل القرية أن هذه المصانع تنتج مواد كيماوية سائلة مثل الأستون وغيرها، مما اثر سلبًا بالمزروعات، وخاصة تلك المحاذية بتلك المصانع بشكل مخيف، حيث يظهر على بعضها نمو غريب وتم ملاحظة مواد سائلة لامست المزروعات مما أدى إلى تهالكها بشكل كامل، وتسمم الماشية. ويلاحظ سكان القرية في بعض الاحايين وخاصة في الفترات الصباحية، انتشار غيوم ضبابية فوق المصانع الإسرائيلية التي لا تبعد إلا أمتار قليلة عن منازلهم. ولم يقف سكان القرية مكتوفي الأراضي، فنظموا مظاهرات كثيرة احتجاجا على احتلالهم بيئيا. وأشار عضو المجلس المحي إلى أنهم، سعوا جاهدين إلى إقحام المؤسسات الرسمية الفلسطينية، " طالبنا جميع الجهات الرسمية لعمل لجنة بيئية متمثلة من وزارة شؤون البيئة والمحافظة ووزارة الصحة وهيئة البترول ووزارة الاتصالات ويكون عملها استخدام المنهج العلمي للبحث عن سبب انتشار مرض السرطان بين المواطنين". وقال :" بما يتعلق بمكب النفايات تم مخاطبة الجهات الحكومية الفلسطينية والأهلية حيث تشكلت مسيرات وفعاليات تعبر عن الرفض الكامل لوجود هذا المكب الإسرائيلي، ويتم العمل على رفع قضية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية".

أضف تعليقك