في عام 2013: حيّ الرميّة يعيش بقوى ذاته

روزين عودة – مضمون جديد "لم نأت إلى هنا، بل أتوا هم إلى هنا، وبدؤوا ببناء وحداتهم السكنية على بعد أمتار قليلة من منزلي، وزحفوا على الأرض شيئاً فشيئاً حتى استوطنوا على مساحة 10 دونمات من أرضي، على بعد أمتار قليلة من منزلي أرى فعلياً ماذا يعني أن يكون العالم في عام 2013، وعندما أرى منزلي الواقع في حيّ الرميّة أستذكر بيني وبين نفسي سنوات الخمسينيات". بهذه الكلمات التي جعلته يقف شامخاً من باحة منزله ينظر تارةً لمستوطنة كرمئيل وتارة أخرى إلى منزله المتواضع الذي لا زال يحافظ على طابعه الفلسطيني القديم البدوي المتواضع في كل مناحي الحياة، المنزل الصامد أمام كل الصعوبات الحياتية بدأ العم أبو ضرغام سواعد حديثه. "إنها العنصرية" تواجه عائلة العم أبو ضرغام المؤلفة من 10 أفراد - والتي تقطن في حيّ الرميّة الذي كان يوماً بلدة صغيرة يتشارك فيها سكانها كل الأفراح والأتراح، صار اليوم حيّا صغير يقع على جانب مستوطنة كرمئيل- مشاكلاً بيئية، اجتماعية، اقتصادية وغيرها، فيقول العم أبو ضرغام واصفاً الحال بكلمتين "إنها العنصرية". الغصة الموجعة الغصة التي توجع العم أبو ضرغام لم يكن سببها فقط الاستيطان الزاحف إلى أرضه الذي اقتلع كل نبتة فيها، إنما أن يرى جودة الحياة التي يتمتع فيها المستوطنين في كرمئيل على أرضه والذين يبعدون عنه أمتاراً قليلة، هذا ما يوجعه في الحقيقة، ويوجعه أكثر أن يرى بنية تحتية متينة، وأن يرى أضواء كهربائية تعمل 24 ساعة في اليوم، وأن يرى أنابيب المياه ممتدة إلى كل منزل ومنزل، أن يرى أيضاً مساحات شاسعة للأطفال ليلعبوا ويمرحوا، أن يرى حدائق كالجنان ومدارس ومراكز جماهيرية وغيره في الوقت التي لا تملك فيه عائلته أي شيء ولو كان بسيطاً من هذا. الأرض، ولكن! يقول العم أبو ضرغام:" مشكلتنا الرئيسة هي الأرض فعلاً، لكنها تؤثر على البيئة من حولنا، تؤثر على الأطفال، على الثقافة، على المستقبل والتطور، حتى على حياتنا الاجتماعية. لا يوجد لدينا ماء هذا يعني أنه لا يوجد نظافة إن كان على صعيد نظافة المنزل ونظافة من يعيش فيه، لا يوجد لدينا كهرباء أي أنه لا دراسة بعد المغيب، لا تلفاز، لا شبكة انترنت، لا مذياع ولا غيره، أي أننا منقطعون عن العالم. كل هذا يصب في البيئة وبالتالي ينعكس بشكل سلبي على حياتنا اليومية أيضاً يهدد مستقبل أطفالنا في الدرجة الأولى". المعاناة الكبيرة من عدم توفر الكهرباء تشغل بال العم أبو ضرغام والأهالي في حي رميّة، فيقول العم أبو ضرغام أنه إذا لم تتوفر الكهرباء لن تتوفر شروط مريحة لدراسة أولادنا حيث اليوم نواجه عصر السرعة والتكنولوجيا حتى في تلقي العلم، فأصبحت حتى الوظائف ترسل عن طريق شبكة الانترنت، وهذا سيؤثر عليهم مستقبلاً . حل لمشكلة المياه! يقولون الحاجة أم الاختراع، وهذا ما طبقه العم أبو ضرغام بحذافيره، ليتسنى له على الأقل الشعور بأن حياته طبيعية، وبما أن المياه أيضاً لا تتوفر لديه، قرر أن يمد أنبوباً من فتحة المياه الرئيسة التابعة لبلدية كرمئيل حتى منزله والذي يبلغ طوله كيلو متر تقريباً، - ومن هذه الفتحة تتوزع خطوط المياه لكل أهالي كرمئيل إلاّ حي رميّة- وبالطبع، يهتم العم أبو ضرغام بهذا الأنبوب صيف شتاء، فتارة يذوب من حر الشمس وتارة أخرى يتمزق. حل لمشكلة الكهرباء! مولد كهرباء (جنراتور)، يعمل لمدة 3 أو 4 ساعات في النهار، ويعمل في الليل من المغيب حتى ساعات الليل أي حتى الساعة العاشرة أو الحادية عشر، يقول العم أبو ضرغام:"هذا هو الحل لعدم توفر الكهرباء في حيّ الرميّة، مولد الكهرباء". مضطر العم أبو ضرغام لأن يستعمل مولد الكهرباء الذي يعمل على المازوت أو السولار أو البنزين في ساعات الليل لاستكمال ما تعرقل عمله خلال ساعات النهار من دراسة، غسل ثياب، كي ثياب، تبريد الثلاجة وإلى أخره من الأمور. يضيف العم أبو ضرغام "تكاليف تعبئة مولد الكهرباء باهظة جداً في ظل أسعار الغلاء التي تلاحق أبسط المنتجات، فإني أدفع ما يقارب الـ2000 شاقل في المعدل لتعبئته وهذا يعتبر باهظا جداً نسبة لعدد الساعات القليلة التي نولد فيها الكهرباء". وهذا كله في كف، وفي الكف الأخرى قصة يحكيها لنا العم أبو ضرغام :"في ليلة شتوية باردة، وقد كان مولد الكهرباء منقذنا في تدبير بعض الأمور في النور، دق بابنا شرطي، فوجئنا في الحقيقة، فتحت الباب وسألته عما يريد، قال لي يريد مني أن أطفئ مولد الكهرباء حالاً، لأن جيراني في مستوطنة كرمئيل منزعجون جداً من الصوت، وقال لي حرفياً:" انت بتعمل إزعاج"، فأجبته:"لا، أنا بعمل كهرباء". "شر البلية ما يضحك"، هكذا ردت زوجة العم أبو ضرغام على هذه القصة، وقالت:"من جهة يرفضون أن يوفروا لنا الكهرباء ومن جهة أخرى يلاحقوننا ويشتكوننا ويحاولون دفننا في الحياة". يغطي العم أبو ضرغام سقف منزله المتواضع بألواح من الـ"زينكو" ورغم معرفته أنها تضر بالصحة وأصلاً هي مادة مسرطنة، إلاّ أن لا باليد حيلة، فلا يجرأ على بناء سقف من الباطون لأنه لا يملك أصلاً تصريحاً للبناء! يقول العم أبو ضرغام إن "ألواح "الزينكو" في أيام الصيف لا تأتينا إلا بالحر الشديد فنشعر وكأننا نعيش تحت الشمس مباشرة، وفي الشتاء أيضاً لا تسد عنا مياه الأمطار، ما يعني أنها لا تقي لا من صيف ولا شتاء. أعيش أنا وعائلتي ومزروعاتي، وهذا ما يطفئ الجمر في قلبي، أحب عائلتي وأرضي المتبقية من حولي .. أزرع خضروات صيفية وشتوية، نزرع الحمص، الفول، الحامض، البصل، المشمش، الخوخ ، ونحن نعيش بقوى ذاتنا، وأشياء قليلة هي ما نشتريها من خارج المنزل". لكن غصة أخرى تطعن هذا الرجل الصامد أمام عنصرية المؤسسات الإسرائيلية في قلبه، يقول:"حتى في أحقر الأمور نحن محرومون، فمثلاً، تأتي كل يوم سيارة نفايات تجمع النفايات من حاويات كبيرة من أمام منازل المستوطنين في كرمئيل، أما نحن أساساً لا نملك حاويات أمام منازلنا، نحن أصلاً لا نتلقى أي خدمة من بلدية كرمئيل". يعيش العم أبو ضرغام مع ميزات بيئية جيدة، وهو سعيد بحياته، ويؤكد أنه "مهما منعوا عنا كهرباء وماء وخطوط صرف صحي وهواتف وغيرها، سأضل دائماً أبحث عمّا يريحني ويقضي حاجتي، لكن الغصة التي في قلبي، أنهم سلبوا مني 10 دونمات من أرضي، ولم يتبق لي إلاّ ثلاث، وأن الكهرباء بعيدة عني بضع أمتار ويرفضون توفيرها لي، وعندما أصنع الكهرباء لتغسل زوجتي الثياب أو لنشاهد التلفاز أو ليدرس الأطفال يرسلون لي شرطي لتحذيري، وأصلاً، لو كانت إسرائيل مهتمة بأن تكون صديقة للبيئية لوفرت لي الكهرباء بدلاً من مولد الكهرباء علماً أنه يلوث البيئة". الشتاء القاسي فكر العم أبو ضرغام في أن يوصل منزله بالطاقة الشمسية إلا أن الإمكانيات لم تسمح له بذلك، وتحدثنا زوجته عن حال الشتاء والمياه، فتقول:" تواجهنا مشكلة فظيعة جداً في الشتاء في المياه التي نستعملها للاستحمام، فمثلاً، تصلنا المياه باردة جداً جداً في الأنبوب الموصل بين منزلنا والفتحة الرئيسة، لذلك نحن بحاجة لتسخينها، فنسخنها على الغاز وبالتالي نستهلك غاز طبخ أضعاف الأضعاف من الكمية التي نستهلكها في الصيف، علما أننا 10 أفراد في المنزل. أيضاً يحدث في الشتاء أن تدخل المياه إلى المنزل عند هطول الأمطار وحينها تبدأ معاناتنا مع إخراج المياه من المنزل". وتقول:" الحمدالله في الصيف، الوضع ليس أفضل، فنحن بحاجة إلى تبريد المياه لأنها تصلنا عبر الأنبوب ساخنة جداً، وبالتالي نحتاج لثلاجة لتبريدها لنشرب مياه باردة في الصيف، بالتالي ندير مولد الكهرباء ساعات أكثر لتبقى مياه الشرب على الأقل باردة". وتقول أيضاً:" بشكل عام أؤجل أعمال كثيرة تحتاج لكهرباء لساعات المساء.. في الوقت الذي يجب فيه أن نرتاح أو نجلس جلسة عائلية، أكون لا زلت أعمل بجد وكد كي لا أبذر مزيداً من الكهرباء والطاقة". مطالب متواضعة! يطالب أهالي حيّ رمية ببنية تحتية وعلى الأقل الحقوق الأساسية للتمتع بحياة كريمة وكرامة، يقول العم أبو ضرغام:"مطالبنا أن لا ننام في الظلمة، مطالبنا أن نستيقظ ليلاً لنشرب ماء باردة تروي عطشنا، أن نستيقظ ليلاً وأن لا نتعثر بأشياء على الأرض لأن المكان مظلم، أن يدرس أطفالنا في النور ومتى يريدون وأن لا تكون حياتهم مرتبطة بالمغيب... نحن معلقون بين الأرض والسماء، وهذا حالنا منذ سنوات عديدة". أهالي حيّ رميّة يلقون اللوم على أعضاء الكنيست العرب، على لجنة المتابعة وغيرهم من الجهات التي يجب أن تقف بالمرصاد للمؤسسات الإسرائيلية تحصيلاً لحقوق العرب في البلاد.

أضف تعليقك