البناء الأخضر في المجتمع العربي ما بين الثقافة والسيطرة

الناصرة- روزين عودة – مضمون جديد

هل يرتقي المجتمع العربي في إسرائيل بثقافته البيئية ويفكر في البناء الأخضر ليأخذ منه أسلوب حياة صحي وبيئي من الدرجة الأولى؟

وفي نظرة ثاقبة حول ما يتعلق في البناء الأخضر وسيرورته، ويتسائل الخبير في الهندسة المعمارية عبدالرحمن ياسين،عن :" تاريخ المبنى الأخضر ؟ وهل أتى فجأة؟ وهل أتى بعد ظروف أو أزمة سكانية؟ أو صدفة؟ كلها أسئلة تصب في مكان واحد وهو نظرة خلفية للموضوع والمصطلح".

ويضيف:" المبنى الأخضر هو مبنى بيئي يحاول أن يستغل الطاقة الموجودة في البيئة، والمواد الطبيعية التي لا تحتاج لتصنيع، والتي تحتاج لقدرة المجتمعات في إنتاج شيء معين بالطبع إذا كان هذا الشيء يخدم صالح المجتمعات، إن كان بترولاً أو أشجاراً مثلاُ، والاختلاف بين المجتمعات ليس بالهدف نفسه إنما بالوسائل التي يتم عن طريقها التقدم في البناء الأخضر وهو الهدف".

ويردف قائلاً:" إذا طرحنا المصطلح للنظرة النقدية فنستطيع أن نقول أنه تعبيراً من قبل المنظومة المهيمنة في تكريس الهيمنة الثقافية والتي تهدف حسب رأيي إلى استمرارية السيطرة، وإن كانت في السلاح أو القوة العسكرية، الاقتصاد أو السيطرة الثقافية أو المنظومة الثقافية على حد سواء".

ويتطرق إلى قضية تعليم البناء الأخضر في المنهاج الأكاديمي قائلاً إن:" المنهاج الأكاديمي هو غربي، طبعاً أن يكون غربياً ليس سيئاً البتة، لكن استعمال الأساليب الغربية لإنتاج منتجات لنا هنا تكمن الخطورة حيث أن هذا هو بحد ذاته تجسيد السيطرة، فمن وراء هذا المصطلح "البناء الأخضر" الاستعمار الثقافي".

ويقول:" ومن الظواهر التاريخية التي واجهتنا نحن في الشرق وفي عدة مجالات هي المصطلحات الجديدة، فكل موضوع البيئة والبناء الأخضر هو طرف ثقافي بالنسبة للغرب لكن بالنسبة لنا فهو ذل ثقافي، في الوقت الذي تتاح لهم الإمكانيات في أن يدخلوا للعمق في التعرف على مشاكل هذا البناء الأخضر، الحلول البديلة، الأساليب وغيره، نحن نكون فقط في قائمة المستهلكين، فنحن حتى غير شريكين فيها، والمعادلة هي أن استعمال ثقافة الآخر عملياً هي الوقوع تحت سيطرته، وهذا بعيد عن الإنتاج الثقافي والمشاركة الثقافية وبعيد عن التفكير بالإنتاج، نحن متواجدين في الهامش لكننا نخدم المشروع الخاص بهم".

ويضيف:" هذا البناء الأخضر والذي يُعتبر صرخة الأمم، هو أصلاً مصطلح مفذلك ونحن له مستهلكون، بالرغم من أننا نستعمل البناء الأخضر قبلهم ودون إرشادهم، فمثلاً لقد صممت المركز البيئي في سخنين والذي حاز على عدة جوائز عالمية، على أنماط معمارية محلية مرتبطة بشكل مباشر في تجربة الآباء والأجداد حيث كانوا يأخذون ما يريدون من الطبيعة.

ومن الواضح أن المسألة هي كلها أنهم يريدون أن نتحدث بثقافتهم لنعبر عن البناء الأخضر، لدينا بطبيعة الحال بناء متوازن وجميل وبيئي، ولكل زاوية منه حكاية وهذا أيضاً جزء من إنتاج المجتمع، ففي الماضي لم يكن هناك حاجة لأن يكون مهندساً معمارياً ليقوم ببناء كهذا، لأنه أصلاً كان موجوداً.

وهذا سلوكنا البيئي، ونحن مصدر هذا الإرث البيئي، والبرهان على ذلك المركز البيئي في سخنين الذي كان بمثابة صرخة لكل المحيط على الصعيد المحلي والدولي، نحن نحافظ على البيئة من قبل أن يكون هناك ثقافة ووعي بيئي، فالوعي المجتمعي الذي كان لدينا هو السبب في بناء المباني الخضراء وأعود وأكرر أن هذه المباني كانت معايير اجتماعية وتقنية واقتصادية، والواقع أن الغرب استثمر بما هو موجود لدينا وصنع له غلافاً آخر ومنحوه لغة أخرى".

ويختتم قائلاً إن:" تحدثنا عن البناء الأخضر كمشروع فيمكننا القول من الناحية الأخرى أنه مشروع يتغلغل داخل الأفراد في المجتمع لكنه برعاية دولة، وأعتقد أن البناء الأخضر لا زال بحاجة لوعي مجتمعي أكثر ، لتغيير المعتقد السائد حول هذا النوع من البنايات، حيث أنه مثلاً إن المباني الخضراء غير مكلفة وتحافظ بشكل عام على التوازن البيئي في الطبيعة".

يقول المهندس المعماري شادي حبيب الله، إن:" البناء الأخضر يقوم على أسس الحد من 3 عوامل رئيسة يمكنها خلق بيئة غير سليمة للمبنى والمستهلك"، ويفصلها قائلاً:" أولاً، تلويث البيئة وما تبقيه من فضلات سائلة وصلبة وغازية، ثانياً، استنزاف الطاقة والموارد وأخيراً الأثر السلبي على المستهلك نتيجة استخدام المواد الكيماوية وملوثات خلال البناء وحتى بعد أن يكون جاهزاً للبناء".

ويضيف:" البنية الخضراء تحث على العمل مع البيئة المحيطة واستغلال الموارد الطبيعية واستهلاك الطاقة والاستدامة، والتي من الممكن أن تكون على شكل استخدام مواد أولية محيطة مثل أكياس رمل، تربة مدكوكة أو حتى استخدام عناصر معمارية خاصة، ولدينا التقنيات الحديثة التي تعتمد على تخرين الطاقة وتوليدها وإعادة تدويرها".

ويقول:" البناء الأخضر في مجتمعنا يعاني من معضلة حقيقية لأن مفهوم البناية تحديداً في وسطنا جديد نسبياً ولم يتطور كفاية ليشمل فكرة البناء الأخضر، والتي تتعلق فكرته الأساسية بارتباط المبنى مع البيئة (علماً أنها مفاهيم بلغت من العمر آلاف السنين) ونحن لا زلنا بعيدين عن تحقيق هذا الوعي لأننا نفتقد لمصادر المعرفة، ونفتقد لمهارات متابعة التطورات اليومية على صعيد الهندسة المعمارية والحلول التي تطرحها لبيئة صحية".

ويعتقد المهندس المعماري حبيب الله أن البناء الأخضر غير متعلق بالمساحات الخضراء، لأنه يعبر عن مفهوم جديد للمبنى ويتعلق بتوفير الطاقة واستهلاكها من البيئة المحيطة حيث أن المبنى من المفروض أن يُبنى من مواد طبيعية وتقنيات تعتمد على المصادر الطبيعية".

ويردف حبيب قائلاً إنه "من المهم أن نُطور هذا المفهوم في حياتنا لأن كل الإحصاءات تدل على انخفاض تكاليف تبريد أو تسخين المبنى عند اعتماد البناء الأخضر، وبالتالي لن نحتاج لمصادر الطاقة المكلفة، البناء الأخضر يأخذ حيزاً أكبر في الوسط اليهودي وذلك يعود لتجنيده خطط عمل وكوادر مهتمة في الموضوع، في الوقت الذي يتمسك فيه المجتمع العربي في الأسس التقليدية التي يوازي عمرها عمر الثورة الصناعية! وأعتبرها ثقافة مستهلكة لم نعمل على تطويرها، وواحد من الأسباب هو التصور الدائم أن هذه التقنيات مكلفة جداً ومعقدة، بالرغم من أنها على العكس تماماً".

إن البناء الأخضر يتطلب تكثيف الدراسات التي تسبق عملية البناء أو التنفيذ وفقاً للبيئة المحيطة والمصادر المتاحة في الأرض التي سيُبنى فوقها، وتوظيف كل العناصر والتقنيات بشكل صحيح ومناسب، وبمرافقة المهندس المعماري، بتوعية المستهلك لهذه التقنيات وتوسيع آفاقه بكل ما يخصها.

ويضيف حبيب الله:" لدى جزء كبير من المعماريين الوعي لهذا الموضوع وأهميته وضرورة تحقيقه، لكن القضية هي أن البناية تتوسع مع ازدياد السكان والذي يرافقه استهلاك أكبر للطاقة والمواد حيث لا يزال يحتاج لتجنيد أوسع وورش عمل مكثفة أكبر وأعمق ودورات استكمال ومتابعة التقنيات الحديثة بكل تفاصيلها".

وهذا ليس مفهوماً جديداً، بل كان معتمداً في البناء القديم، وتمت ترجمته عبر عناصر معمارية مثل الفناء الداخلي والإيوان والشخشيخة والمشربية وأشكال الأسقف، وأبرز المعماريين الذين استعملوا هذه العناصر والمواد المحلية كالطين الحجر هو المهندس المصري الحائز على جوائز عديدة حسن فتحي، وحتى الفراعنة اعتمدوها أيضاً، لكن عادوا ليتداولوا هذا البناء في ازدياد بسنوات التسعينيات لأسباب تتعلق باهتمام الحكومات بتوفير بناء صحي وآمن للمواطنين في ظل التحديات التي يواجهها العالم.

ويقول الشاب محمد خيري والذي لم يأخذ بعين الاعتبار البناء الأخضر عندما باشر في بناء منزله إنه:" في اعتقادي أننا كشباب عرب قد اعتدنا تصميم منازل الآباء والأجداد، ولو أن هناك بعض التغييرات في التصميم أما في صميم الفكرة فهو منزل عادي لا يرتكز في أسسه على بناء أخضر، وحتى المنازل قيد البناء قد لا تمت بصلة للبناء الأخضر ولا ميزاته حيث أن البناء الأخضر يتمثل بدراسة البيئية والمناخ الذي يؤثر على المنزل على المدى الطويل".

ويضيف:" كأي شاب عربي يحاول الارتقاء للوعي والثقافة البيئية أفكر اليوم في حال خطوت أي خطوة إلى أن أكون صديقاً للبيئة إن كان في البناء الأخضر أو أي مشروع صديق آخر".

وفي ملخص البحث العلمي الذي أجري ضمن أبحاث المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في دولة الإمارات-دبي عام 2004، يقول الدكتور يحي حسن وزيري، إن:" علم التصميم البيئي يهتم بدراسة العناصر البيئية والمناخية التي تؤثر على تصميم المباني والفراغات الخارجية من أجل تهيئة وتوفير المناخ المناسب لراحة الإنسان سواء داخل المباني أو في الفراغات الخارجية في المحيط العمراني".

ويضيف:" وبدراسة العديد من الآيات القرآنية يتبين لنا مدى الإعجاز القرآني في الإشارات الخاصة بعلم التصميم البيئي سواء على مستوى مبادئه أو عناصره الأساسية، لذلك فإن هذا البحث يهدف إلى إبراز جوانب من الإعجاز القرآني في مجال التصميم البيئي من خلال عرض لبعض النماذج التي وردت في بعض الآيات القرآنية الكريمة.

وقد تم اختيار النماذج الثلاثة التالية لتكون محورا لهذا البحث، منها قوله سبحانه وتعالى: " لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا" (13-الإنسان): حيث يتم إبراز أن مصطلح ومنطقة "الراحة الحرارية" والتي تعتبر أحد أهم مقاييس الحكم على مدى نجاح التصميم البيئي للمباني قد ورد ذكرها في الآية الكريمة المذكورة .

وقوله تعال "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، ذلك من آيات الله، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" (آية17-الكهف): حيث تم عمل دراسة ميدانية وشمسية على كهف موجود جنوب شرق العاصمة الأردنية عمان ترجح العديد من الدلائل أنه هو الكهف المذكور في الآية الكريمة.

مع إبراز جوانب التصميم البيئي والشمسي في هذا الكهف والتي تبرز أحد جوانب الإعجاز القرآني في إثبات وجود هذا الكهف من جهة، ومدى توافق مبادئ التصميم البيئي في هذا الكهف مع مبادئ علم التصميم البيئي المتعارف عليها حديثا ".

أضف تعليقك