الاتحاد الأوروبي والأردن: شراكة استراتيجية متينة نحو مستقبل مزدهر

الرابط المختصر

في مقابلة حصرية مع "راديو البلد"، تحدث سفير الاتحاد الأوروبي في الأردن، بيير-كريستوف شاتزيصافاس، عن العلاقات المتنامية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة الأردنية الهاشمية، مسلطًا الضوء على الشراكة الاستراتيجية الجديدة التي تبلغ قيمتها 3 مليارات يورو، والتي تم توقيعها مؤخرًا. وتناول اللقاء، الذي أجراه الإعلامي داوود كتّاب، أبعاد هذه الشراكة وتأثيرها على الاقتصاد الأردني والاستقرار الإقليمي.

تعزيز العلاقات الثنائية

افتتح السفير حديثه بالإشارة إلى الروابط الوثيقة التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي والأردن، مؤكدًا أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك عبد الله الثاني إلى بروكسل كانت محطة هامة في تعزيز العلاقات الثنائية. وأوضح أن الملك لعب دورًا بارزًا في توطيد هذه العلاقة عبر محادثاته مع كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، والتي تناولت القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فضلًا عن الأوضاع في سوريا ولبنان.

وأكد السفير أن هذه الشراكة ليست مجرد تعاون اقتصادي، بل تشمل أيضًا الحوار السياسي، والتعاون في مجالات الأمن والدفاع، والتنمية البشرية، مما يجعلها اتفاقية شاملة تلبي احتياجات الأردن وتدعم استقراره.

الدور الأردني في القدس

أحد المحاور البارزة في الشراكة الجديدة هو الدور الأردني في القدس، حيث شدد السفير على موقف الاتحاد الأوروبي الثابت بشأن ضرورة الحفاظ على الوضع القائم في المدينة المقدسة. وقال: "أي مساس بالوضع القائم هو أمر غير مقبول بالنسبة لنا. نحن نؤمن بالدور الخاص الذي تلعبه الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، وسنواصل دعم هذا الدور للحفاظ على هذه المواقع الدينية المهمة لجميع الأديان".

دعم النمو الاقتصادي الأردني

من الناحية الاقتصادية، أكد السفير أن الاتحاد الأوروبي يعدّ من أكبر الشركاء التجاريين للأردن، لكنه أقرّ بعدم توازن الميزان التجاري، حيث يستورد الأردن بضائع وخدمات من الاتحاد الأوروبي بقيمة تفوق 6 مليارات يورو، بينما لا تزال صادراته إلى أوروبا محدودة. وأشار إلى أن الاتفاقية تهدف إلى مساعدة الشركات الأردنية على دخول الأسواق الأوروبية من خلال تقديم تسهيلات تجارية واستثمارية.

وأضاف أن الشركات الأردنية بحاجة إلى تحسين معاييرها الإنتاجية والتكيف مع متطلبات السوق الأوروبية لتحقيق أقصى استفادة من هذه الشراكة، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي سيوفر الدعم اللازم لتحقيق ذلك.

التعليم والتطوير البشري

أحد الجوانب الرئيسية في الشراكة الجديدة هو التركيز على التعليم والتطوير البشري، حيث سلط السفير الضوء على الدور الذي تلعبه برامج مثل "إيراسموس" في تعزيز جودة التعليم في الأردن. وأكد أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم المنح الدراسية والتدريب المهني، مما يسهم في تمكين الشباب الأردني وتأهيلهم لسوق العمل المحلي والدولي.

كما أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يعمل على دعم الفئات المستضعفة، بمن فيهم اللاجئون السوريون، من خلال توفير فرص تعليمية ومساعدات إنسانية، ما يعكس التزام الاتحاد الأوروبي بدعم الاستقرار الاجتماعي في الأردن.

فرص العمل والتعاون في قطاعي السياحة والعمالة

فيما يتعلق بسوق العمل، أوضح السفير أن الاتحاد الأوروبي يواجه نقصًا في الأيدي العاملة الماهرة، ما قد يفتح المجال أمام العمالة الأردنية المدربة لسد هذه الفجوة. وأضاف: "الأردن يتمتع بميزة كبيرة تتمثل في رأس المال البشري. فالشباب الأردني يمتلك تعليماً عالي الجودة، وهذا ما يجعل الأردن مُصدرًا رئيسيًا للعمالة الماهرة، سواء لدول الخليج أو حتى لدول الاتحاد الأوروبي".

كما تحدث عن الإمكانات السياحية الهائلة للأردن، مشيرًا إلى ضرورة تعزيز التعاون في هذا القطاع للاستفادة القصوى من المعالم السياحية الفريدة التي تمتلكها المملكة.

دعم خطط التحديث الأردنية

فيما يتعلق بخطة التحديث التي أطلقها الملك عبد الله الثاني، أكد السفير أن الاتحاد الأوروبي يدعم هذه الخطة بشكل كامل، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الإداري. وقال: "نحن نقف إلى جانب الأردن في تنفيذ هذه الإصلاحات، وقدمنا دعمًا خلال الانتخابات الأخيرة لضمان شفافيتها ونزاهتها. كما أننا نعمل على دعم الإصلاحات الإدارية لتحسين كفاءة القطاع العام، بالشراكة مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)".

دعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان

في سياق الحديث عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني، شدد السفير على أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعمه للمنظمات غير الحكومية في الأردن، موضحًا أن التراجع المحتمل في الدعم الأمريكي لبعض القطاعات لن يؤثر على التزام الاتحاد الأوروبي بدعم منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في المملكة.

موقف الاتحاد الأوروبي من القضية الفلسطينية

أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فقد أعاد السفير التأكيد على موقف الاتحاد الأوروبي الثابت تجاه القدس، مشيرًا إلى أن الاتحاد يعارض أي تغيير في الوضع القائم، سواء فيما يتعلق بالمسجد الأقصى أو الممتلكات المسيحية، التي تتعرض أحيانًا لضغوط مالية من قبل السلطات الإسرائيلية. وأضاف: "الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة جزء لا يتجزأ من الوضع القائم، وسنواصل العمل للحفاظ على هذه المواقع المهمة".

في ختام المقابلة، شدد السفير شاتزيصافاس على أن هذه الشراكة تعكس التزام الاتحاد الأوروبي العميق بدعم الأردن على مختلف الأصعدة، مشيرًا إلى أن التعاون بين الجانبين يتجاوز الجوانب الاقتصادية ليشمل التنمية البشرية، والتعاون الأمني، والاستقرار الإقليمي. كما أكد أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعمه للأردن في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، لضمان تحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا للمنطقة.

_________________________

نص المقابلة:

فيما يلي النصوص الكاملة لمقابلة إذاعة البلد مع سفير الاتحاد الأوروبي بيير-كريستوف شاتزيسافاس:

المقابلة أجراها داوود كتاب.

إذاعة البلد: صباح الخير، كيف حالك؟
سفير الاتحاد الأوروبي: صباح الخير.
إذاعة البلد: يسعدنا جدًا استضافة سفير الاتحاد الأوروبي بيير-كريستوف شاتزيسافاس. نعلم أنك من أصل قبرصي وأصبحت الآن مواطنًا فرنسيًا، هل يمكنك أن تعطينا لمحة موجزة عن آخر تطورات العلاقات الأردنية الأوروبية، خاصة بعد اجتماعك الأخير في بروكسل مع جلالة الملك؟
سفير الاتحاد الأوروبي: بالطبع. فقط لتوضيح الأمر، نعم، أنا أحمل جنسية مزدوجة وأنا لاجئ من الجزء المحتل من قبرص، ولذلك أفهم قضايا اللاجئين جيدًا، وهذا ما يجعلني أرتبط بسهولة مع القضايا التي تناضلون من أجلها منذ سنوات. إنه لشرف لي أن أكون معكم، وأنا سعيد جدًا بإطلاعكم على مستجدات العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والأردن.
محادثتنا تأتي بعد زيارة جلالة الملك إلى بروكسل، حيث أجرى محادثات ومشاورات هامة مع قادة الاتحاد الأوروبي، ومن بينهم رئيس المجلس الأوروبي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورئيس البرلمان الأوروبي، حيث قدم لهم رؤيته حول التطورات الإقليمية، لا سيما القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الشأن السوري واللبناني. كما تمكن من تحقيق تقدم إضافي في العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والأردن، ويسعدني التوسع في هذه المواضيع.

إذاعة البلد: نود أن نعرف أهداف الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها بين الاتحاد الأوروبي والأردن والتي تم الإبلاغ عن أن قيمتها الإجمالية تصل إلى ثلاثة مليارات يورو. هل يمكنك تقديم المزيد من التفاصيل حول كيفية عملها وما هي فوائدها للشعب الأردني؟
سفير الاتحاد الأوروبي: بالتأكيد. يتمتع الاتحاد الأوروبي والأردن بعلاقات وثيقة للغاية تقوم على رؤية عالمية مشتركة، وعلى مبادئ والتزام متبادل بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. ولدينا اتفاق قانوني يشكل الأساس لهذه العلاقات الثنائية، وهو اتفاقية الشراكة. الأردن يعد من أقرب الحلفاء لنا بين جيراننا، وهذه الاتفاقية التي تم توقيعها قبل أكثر من 20 عامًا تشكل الإطار القانوني لهذه العلاقة.
ما لاحظناه هو أنه كل سنتين أو ثلاث سنوات نشعر بالحاجة إلى تطوير شراكتنا والارتقاء بها، وهذا بالضبط ما حدث في الأشهر الأخيرة، حيث قمنا بمراجعة أولوياتنا وإعادة تحديد عدد من الأهداف التي تم تضمينها الآن في هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
إذا نظرت إلى هذه الوثيقة، وهي قصيرة جدًا، فستجد أنها تحتوي على خمسة فصول رئيسية:

  1. الشؤون السياسية والحوار السياسي: نريد تكثيف تواصلنا وزيادة مستوى التفاعل بين قياداتنا. كما أردنا تقديم دعوة دائمة لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي للمشاركة في اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
  2. الأمن والدفاع: نلتزم بتعزيز تعاوننا العسكري وتعاوننا في مجال مكافحة الإرهاب.
  3. الاستثمار والتجارة: هنا يأتي الجزء المالي حيث خصصنا حزمة دعم بقيمة 3 مليارات يورو، وسأشرح لاحقًا كيفية الاستفادة الكاملة منها.
  4. التنمية البشرية: الاتحاد الأوروبي شريك رئيسي للأردن في مجالات التعليم الأساسي والثانوي والتعليم الجامعي، من خلال برنامج إيراسموس الذي يعد قصة نجاح في الأردن، إضافة إلى برامج المنح الدراسية للأردنيين والفئات الضعيفة، بمن فيهم اللاجئون السوريون. كما نركز على التدريب المهني وقطاع الصحة والدعم الاجتماعي، لا سيما في قضايا الإعاقة.
  5. الهجرة والاستجابة لأزمة اللاجئين: نود أن نطمئن أصدقاءنا الأردنيين بأننا سنواصل دعمنا للأزمة السورية وأيضًا لأزمة اللاجئين الفلسطينيين عبر الأونروا.

إذاعة البلد: المستمعون مهتمون بشكل خاص بالجانب الاقتصادي. لم تنجح الشركات الأردنية في الاستفادة من الفرص السابقة، فما هي الفوائد الاقتصادية لهذه الاتفاقية؟ وهل سيشعر بها المواطن العادي أم أنها مجرد نظرية؟ المواطنون لديهم مخاوف بشأن غلاء المعيشة والبطالة.
سفير الاتحاد الأوروبي: إذا نظرنا إلى البيانات، سنجد أن العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والأردن متينة، حيث يأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية أو الثالثة كأكبر شريك تجاري للأردن بعد السعودية، وأحيانًا بنفس مستوى الصين.
لكن المشكلة أن العلاقة التجارية بين الاتحاد الأوروبي والأردن غير متوازنة، حيث يستورد الأردن ما يزيد عن ستة مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي، بينما صادراته إلى أوروبا لا تزال منخفضة. لذلك، التزمنا خلال زيارة جلالة الملك إلى بروكسل بمراجعة علاقاتنا التجارية وضمان استفادة الأردن الكاملة من اتفاقية التجارة الحرة ضمن اتفاقية الشراكة.

إذاعة البلد: لدينا إمكانيات سياحية متميزة ولدينا أيضًا فائض في العمالة الماهرة، بينما تعاني أوروبا من نقص في العمالة الماهرة يقدر بسبعة ملايين خلال السنوات العشر المقبلة. هل يمكن أن يساعد ذلك في تحسين التوازن التجاري؟
سفير الاتحاد الأوروبي: بالتأكيد، أكبر ثروة يمتلكها الأردن ليست الموارد الطبيعية بل عقول شبابه ومستوى تعليمه العالي، وهو ما يجعل الأردن رائدًا في السياحة العلاجية والخدمات، كما أنه يصدر عمالة ماهرة للخليج وأيضًا للاتحاد الأوروبي. يجب علينا العمل على تعزيز هذه الميزة.

إذاعة البلد: هناك مخاوف من أن خطة التحديث الاقتصادي قد تتباطأ بعد نتائج الانتخابات الأخيرة ونجاح الإسلاميين. هل تجرون محادثات مع الحكومة للمساعدة في مواجهة هذه التحديات؟
سفير الاتحاد الأوروبي: نحن ندعم خطة التحديث بالكامل، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو إداريًا، وسنواصل تقديم الدعم عبر المنح والاستثمارات.

إذاعة البلد: الاتحاد الأوروبي يشدد على حقوق الإنسان في اتفاقياته، لكن هناك قلق من تراجع الدعم للمجتمع المدني. كيف ستتعاملون مع ذلك؟
سفير الاتحاد الأوروبي: سنواصل دعمنا للمجتمع المدني، وسنحافظ على تمويل المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المحلية، لأنها تلعب دورًا مهمًا في تمكين المواطنين.

إذاعة البلد: كان للاتحاد الأوروبي موقف قوي ضد خطة ترامب بشأن غزة، ورأينا سفراء الاتحاد الأوروبي في القدس يقفون أمام المسجد الأقصى لحماية الوضع القائم. ما هو موقف الاتحاد الأوروبي من قضية فلسطين، خاصة فيما يتعلق بغزة والقدس؟
سفير الاتحاد الأوروبي: أي انتهاك للوضع القائم في القدس أمر غير مقبول. نحن ندعم دور الهاشميين في حماية المقدسات وسنواصل العمل للحفاظ على الوضع الراهن. كما أننا نؤيد خطة إعادة إعمار غزة التي طرحتها المجموعة العربية.

إذاعة البلد: بدأ الاتحاد الأوروبي في رفع العقوبات عن سوريا، لكن تصاعد العنف مؤخرًا يثير التساؤلات. هل ستتوقفون عن تخفيف العقوبات؟
سفير الاتحاد الأوروبي: لم نرفع جميع العقوبات، بل قمنا بتعليق بعضها مؤقتًا. سنواصل الضغط على دمشق لتحقيق انتقال سياسي شامل وفقًا للقانون الدولي.

إذاعة البلد: هناك قلق من موجة جديدة من اللاجئين بسبب العنف الطائفي في سوريا. هل ستفتح أوروبا حدودها؟
سفير الاتحاد الأوروبي: نحن نضغط على دمشق لوقف العنف وضمان المحاسبة، لكن لا نريد التنبؤ بكوارث قبل حدوثها.

إذاعة البلد: نشكرك، سعادة السفير، على حضورك ودعمك المستمر للمجتمع المدني.
سفير الاتحاد الأوروبي: أشكركم، وأقدر جهودكم.