
مركز الفينيق : تعديلات قانون العمل خطوة إيجابية ولكن التطبيق الفعلي يبقى التحدي الأكبر
في خطوة تشريعية مهمة، أقر مجلس النواب بالأغلبية مشروع القانون المعدّل لقانون العمل لسنة 2024، متضمنا تعديلات جوهرية على عدد من المواد، أبرزها ما يتعلق بإجازات المرض والأمومة، واليات إنهاء خدمات العمال، وسط آمال أن يوافق مجلس الأعيان عليها كما هي.
وشهدت الجلسة تراجع النواب عن السماح بالاستغناء السنوي عن 5% من العمال، مؤكدين رفضهم المطلق لأي تسريح للعمال، كما تهدف هذه التعديلات إلى تعزيز حماية حقوق العمال، وتحقيق توازن عادل بين مصالحهم ومصالح أصحاب العمل، إلى جانب تنظيم سوق العمل والعمالة الوافدة بشكل أكثر فاعلية.
ولكن يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض أن الأهم من تعديل التشريعات لصالح العمال هو ضمان تطبيقها فعليا على أرض الواقع، مشيرا إلى أن التشريعات المعمول بها رغم أنها تعد مقبولة نسبيا، إلا أن نطاق تطبيقها محدود.
ويشير عوض إلى أن هذه التشريعات يتم الالتزام بها إلى حد ما في المؤسسات الكبيرة، بينما المؤسسات المتوسطة تلتزم بها بشكل جزئي، أما المؤسسات الصغيرة، التي تشكل النسبة الأكبر من سوق العمل الأردني، فلا يتم احترام العديد من الحقوق العمالية فيها، مثل ساعات العمل، والإجازات الرسمية، والضمان الاجتماعي، مؤكدا أن أكثر من 60% من العاملين في القطاع الخاص غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، مما يشكل أزمة حقيقية.
ويضيف أن أدوات إنفاذ قانون العمل ضعيفة، موضحا أنه لا يمكن لأي وزارة أو حكومة، مهما كانت فعالة، تنفيذ قوانين العمل بمفردها، فالتطبيق الفعلي للقوانين يعتمد على مشاركة أصحاب المصلحة الأساسيين، وعلى رأسهم العمال أنفسهم، إلا أن هناك قيودا كبيرة على حرية التنظيم النقابي في الأردن، حيث لم يتم إنشاء أي منظمة نقابية جديدة منذ عام 1976، أي لما يقارب من ستة عقود، مما يضعف قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم وضمان تنفيذ القوانين.
تعديلات إيجايية
وفيما يتعلق بإقرار مشروع قانون معدل لقانون العمل لسنة 2024، يصف عوض، في حديثه لعمان نت، أن أبرز ما تم خلال جلسة مجلس النواب هو التصويت لصالح الإبقاء على المادة 31 من قانون العمل دون تعديل، وهو ما يعد تطورا إيجابيا. معربا عن أمله في أن يقر مجلس الأعيان هذه التعديلات كما جاءت من مجلس النواب.
ويشير عوض إلى أن التعديل الحكومي المقترح كان يسمح لأصحاب العمل بالاستغناء عن 15% من العاملين سنويا دون الحاجة إلى موافقة وزارة العمل، ضمن إطار إعادة الهيكلة، ورغم أن مجلس النواب صوت الأسبوع الماضي لصالح تقليص النسبة إلى 5%، خلافا لقرار لجنة العمل النيابية التي رفضت التعديل الحكومي بالكامل، إلا أن الجلسة الأخيرة شهدت تصويتا إيجابيا ألغى هذا التعديل، مما يعني أن أي صاحب عمل يرغب في إجراء تغييرات هيكلية سيظل بحاجة إلى موافقة وزارة العمل.
ويضيف أن القضية الثانية تتعلق بالتعديل المقترح على المادة 108، والذي كان من شأنه إضعاف حماية العاملين في العمل النقابي والمدافعين عن حقوق العمال من أي إجراءات قد تكون انتقامية من قبل الإدارات، موضحا أن لجنة العمل النيابية رفضت هذا التعديل، وهو ما أيده مجلس النواب خلال جلسته الأخيرة، مما يعزز حماية الحقوق النقابية ويجعل ما حدث خطوة إيجابية في صالح العمال.
أما فيما يتعلق بالمادتين المرتبطتين بالإجازات المرضية وإجازة الوفاة، فيرى عوض أن تعديل إجازة الوفاة لتمتد إلى ثلاثة أيام مدفوعة الأجر يعد مكسبا للعاملين، خاصة وأن معظم مؤسسات القطاع الخاص، التي تشكل أكثر من 90% من سوق العمل، هي مؤسسات صغيرة ومتوسطة لم تكن تمنح هذه الإجازة إلا للأقارب من الدرجة الأولى، بينما التعديل الجديد يتيح للعامل فرصة الحصول على إجازة مناسبة لاتخاذ الإجراءات اللازمة عند حدوث حالة وفاة.
بحسب عوض، هناك تعديلات أخرى ضرورية أجريت على قانون العمل لضمان انسجامه مع الأنظمة الصادرة بموجبه، من بينها تعريف التمييز والتحرش، إضافة إلى رفع إجازة الأمومة من 70 يوما إلى 90 يوما على نفقة الضمان الاجتماعي، مشيرا إلى ضرورة تعديل القانون لحماية المرأة الحامل من الفصل منذ بداية الحمل، وليس فقط من الشهر السادس كما هو معمول به حاليا.
وبالنسبة للموافقة على الإجازة المرضية، يعتقد عوض أن التصويت الأخير جاء لتصحيح خلل قائم، حيث كان من الضروري أن يكون هناك مرجع طبي مختص لمتابعة هذه الإجازات، موضحا أن بقية الإجراءات لم تتغير، حيث لا تزال الإجازة المرضية محددة بـ14 يوما في الظروف العادية، مع إمكانية تمديدها 14 يوما إضافية في حال استدعت الحالة الدخول إلى المستشفى وفق تقرير طبي من جهة مختصة.
يلغى نص المادة 65 من القانون الأصلي، ويستعاض عنه بالنص التالي " يحق لكل عامل الحصول على إجازة مرضية مدتها أربعة عشر يوماً في السنة، بأجر كامل، بناءً على تقرير من الطبيب المعتمد من قبل المؤسسة، يمكن تجديد هذه الإجازة لمدة مماثلة بأجر كامل إذا كان العامل نزيلاً في المستشفى أو بناءً على تقرير من طبيب أو جهة طبية معتمدة من المؤسسة."
أما المادة 65 في قانون العمل الأصلي، فكانت تنص على "يحق لكل عامل الحصول على إجازة مرضية لمدة أربعة عشر يوماً في السنة بأجر كامل، بناءً على تقرير من الطبيب المعتمد من قبل المؤسسة. يجوز تجديد الإجازة لمدة أربعة عشر يوماً أخرى بأجر كامل إذا كان العامل نزيلاً في المستشفى بناءً على تقرير من الطبيب المعتمد من قبل المؤسسات التي يقل عدد عمالها عن عشرين عاملاً. أما المؤسسات التي يزيد عدد عمالها عن عشرين عاملاً، فيتم اعتماد لجنة طبية خاصة لتوثيق التقارير الطبية."
وبخصوص المادة العاشرة من التعديل، فقد وافق مجلس النواب عليها، وبالأغلبية، متماشياً مع توصية لجنة العمل النيابية، حيث تم إضافة فقرة جديدة للمادة 66 من القانون الأصلي لتصبح: "تعدل المادة 66 من القانون الأصلي بإضافة الفقرة (د) بالنص التالي: د - يحق للعامل الحصول على إجازة مدتها ثلاثة أيام مدفوعة الأجر في حال وفاة أحد أقاربه من الدرجة الأولى."
أما فيما يتعلق بالمادة الحادية عشرة من التعديل، فقد وافق مجلس النواب عليها، وبالأغلبية، وفقاً لقرار لجنة العمل النيابية، وتضمنت تعديل المادة 70 من القانون الأصلي بإلغاء عبارة "عشرة أسابيع" واستبدالها بعبارة "تسعون يوماً متصلة"، لتصبح النص كما يلي،"للمرأة العاملة الحق في الحصول على إجازة أمومة، بأجر كامل قبل الوضع وبعده، مجموع مدتها تسعون يوما متصلة، على أن لا تقل المدة التي تقع بعد الوضع عن ستة أسابيع، ويحظر تشغيلها قبل انقضاء تلك المدة."
توفير الحضانات مسؤولية الحكومة
فيما يتعلق بالتعديل الذي يفرض على أصحاب العمل توفير حضانات في مواقع العمل، يرى عوض أن تحميل هذه المسؤولية لأصحاب الأعمال ليس إجراء سليما، مؤكدا أن توفير الحضانات يجب أن يكون من مسؤولية الدولة والحكومة، وليس القطاع الخاص، فإلزام أصحاب العمل بذلك يعني تحميلهم أدوارا ينبغي أن تقوم بها الحكومة.
ويحذر عوض من أن ارتفاع تكاليف توفير الحضانات قد يدفع أصحاب العمل إلى تجنب توظيف الفئات الاجتماعية التي لديها أطفال، سواء كانوا آباء أو أمهات، لتفادي الالتزامات المالية الإضافية، مشيرا إلى أن هذه المادة تحتاج إلى مراجعة بحيث تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من التكاليف، رغم مساهمة الضمان الاجتماعي بمبالغ صغيرة لا تغطي التكاليف الفعلية للحضانات.
ويؤكد عوض أن مسؤولية توفير الحضانات يجب أن تقع على عاتق الدولة، ممثلة بوزارة التربية والتعليم ووزارة التنمية الاجتماعية، لضمان توفرها في مختلف المناطق كجزء من التزام الحكومة تجاه مواطنيها، وليس كعبء إضافي على القطاع الخاص، حتى لا يؤدي ذلك إلى تقليل فرص تشغيل النساء في سوق العمل.
وكان مجلس النواب، قد وافق على الفقرة (أ) من المادة 12 في التعديل الجديد لقانون العمل، متماشيا مع توصية لجنة العمل النيابية، وتنص التعديلات على إلغاء نص الفقرة (أ) من المادة 72 من القانون الأصلي واستبداله بالنص التالي:
"يلتزم صاحب العمل الذي يشغل عددا من العمال في موقع واحد، ولديهم ما لا يقل عن خمسة عشر طفلا لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات وثمانية أشهر، ومقيمين في المملكة، بتوفير مكان مناسب لرعاية الأطفال دون مقابل، تحت إشراف مربية مؤهلة أو أكثر، كما يجوز لأصحاب العمل التعاون في إنشاء هذا المكان ضمن نطاق جغرافي واحد."
يذكر أن نص الفقرة (أ) في القانون الأصلي كان ينص على: "يلتزم صاحب العمل الذي يشغل عددا من العمال في مكان واحد، ولديهم ما لا يقل عن خمسة عشر طفلاً لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات، بتوفير مكان مناسب لرعايتهم تحت إشراف مربية مؤهلة أو أكثر، مع إمكانية تعاون أصحاب العمل في إنشاء هذا المكان ضمن منطقة جغرافية واحدة."
العمالة الوافدة
فيما يتعلق بالتعديلات الخاصة بتنظيم العمالة الوافدة، يرى عوض أن بعض هذه الإجراءات ذات طابع تنظيمي، لكن بعضها الآخر لم يعالج جوهر تنظيم العمالة المهاجرة بالشكل المطلوب.
ويؤكد عوض أن جميع العمال المهاجرين في الأردن يجب أن يحملوا تصاريح عمل رسمية صادرة عن وزارة العمل، وأن يعملوا في القطاعات المصرح لهم بالعمل فيها، ومع ذلك، يعترض على منح وزير العمل صلاحيات واسعة، تتيح له اتخاذ قرارات الترحيل فور وقوع المخالفات، دون منح العمال فرصة للجوء إلى القضاء، معتبرا أن ذلك قد يؤدي إلى ممارسات تعسفية بحق بعض العمال الوافدين.
ويشير إلى أن هناك نسبة غير قليلة من العمال المهاجرين الذين قد تنتهي تصاريح عملهم أو لا تكون سارية المفعول لأسباب خارجة عن إرادتهم، مثل تقصير صاحب العمل في تجديدها، لذا، يرى أنه كان من الضروري إتاحة فرصة لتصويب أوضاع هؤلاء العمال عبر المسار القضائي قبل اتخاذ قرارات الترحيل، لتجنب أي إجراءات قد تلحق الضرر بمصالحهم.
وجاء هذا التعديل بهدف تحديد الإجراءات التي تتخذ ضد العامل الوافد الذي يقوم بترك العمل لدى صاحب العمل بشكل مخالف لأحكام قانون العمل.