
بنك البذور استثمار وطني سيحقق عائدا زراعيا لأكثر من 100 عام

بعد ثلاثة سنوات من العمل الدؤوب، أفتتح مؤخرا بنك البذور الوطني، الأول من نوعه في الشرق الأوسط، ليشكل خطوة نوعية نحو تحسين جودة البذور وإنتاج أصناف جديدة تدعم القطاع الزراعي وتساعد في مواجهة تحديات التغير المناخي.
يتميز البنك باحتوائه على مختبرات حديثة مطابقة لأعلى المعايير العالمية، إلى جانب عينات بذور تاريخية يعود بعضها إلى عام 1927، وتبلغ سعته التخزينية 50,000 عينة، مع تقنيات تبريد متقدمة تضمن إطالة عمر البذور من 10 سنوات إلى 100 سنة في بعض الأنواع النباتية.
ويؤكد المدير العام بالوكالة للمركز الوطني للبحوث الزراعية، الدكتور خالد أبو حمور، أن البنك يسهم في تحسين جودة البذور وتطوير القطاع الزراعي عبر استحداث أصناف جديدة تضمن استدامة للأجيال القادمة.
ويشير رئيس الجامعة الهاشمية السابق ومؤسس بنك البذور، الدكتور فواز عبد الحق أن المزارعين واتحادهم طالبوا مرارا بتحسين جودة البذور، بحيث تصبح أكثر قدرة على مقاومة شح الأمطار والتغيرات المناخية، ويؤدي البنك دورا رئيسيا في تحقيق هذا الهدف، حيث يسعى إلى تطوير أصناف محسنة من القمح (عشرة أنواع)، الزيتون، الشعير، وسائر المحاصيل الزراعية، مع دمج أحدث التقنيات الزراعية والمعدات المتطورة لضمان تحسين الإنتاجية، مؤكدا أن تأسيس البنك سيسهم في الحد من الأزمات الزراعية والاقتصادية، مما يضمن استقرار القطاع.
ويعتمد البنك على أنظمة تخزين متقدمة، تتيح حفظ البذور لمدة تصل إلى 70 عاما ضمن درجات حرارة مدروسة، بإشراف مختصين وتدريب مستمر للكفاءات، وأن الاكتشافات الزراعية الحديثة مستمرة، حيث شهد عهد الدكتور نزار حداد اكتشاف عينات متميزة من بذور القمح والشعير الملائمة للمناطق القاحلة، إلى جانب العديد من المحاصيل الأخرى، ويمنح توفر هذه البذور في البنك ضمانة للمزارعين، إذ يمكن استرجاعها وتكثيرها عند الحاجة، مما يسهم في تأمين مستقبل الأمن الغذائي، بحسب الدكتور فواز.
رحلة تأسيس البنك
يروي الدكتور فواز، في حديثه لـ "عمان نت"، قصة إنشاء البنك التي بدأت بزيارة خاصة للأمير الحسن بن طلال إلى لندن، حيث اكتشف أن معظم البذور المسجلة في بنك البذور هناك مسجلة باسم إسرائيل، رغم أنها في الأصل بذور أردنية خالصة، ونتيجة لتسجيلها براءات اختراع، كانت إسرائيل تجني ملايين الدولارات، بينما لم يكن للأردن بنك بذور يمكنه توثيق ملكيته لهذه البذور.
من هنا، برزت فكرة الأمير الحسن الذي تساءل عن دور الجامعة الهاشمية في إنشاء بنك بذور وطني، خاصة أنه كان قد أسس كلية الأمير الحسن للبيئة والأراضي الزراعية في الجامعة، مضيفا الدكتور فواز "آمنت بالفكرة كقضية وطنية، ورغم أن الميزانية كانت مقرة في الجامعة الهاشمية، تمكنت من تخصيص ملحق مالي لإنشاء البنك، بتمويل بلغ نحو 3 ملايين دينار قدمته الجامعة للوطن."
وقع الاختيار على المركز الوطني للبحوث الزراعية كمقر للبنك لضمان وجود محطة متخصصة تدير المشروع بكفاءة، حيث تم توقيع اتفاقية تعاون بين الجامعة والمركز، الذي كان يرأسه آنذاك الدكتور نزار حداد، ومن هناك، بدأت رحلة تأسيس البنك.
ويشير الدكتور فواز إلى أن الجامعة الهاشمية لعبت دورا محوريا في خدمة المجتمع من خلال هذا المشروع، مؤكدا أن هذه التجربة تكاد تكون الوحيدة بين الجامعات الحكومية والخاصة، رغم التحديات المالية التي واجهتها الجامعة، إلا أن العائد الوطني للبنك على مدى 100 عام قادمة يجعل هذه التكاليف ضئيلة أمام الأهداف الاستراتيجية التي يحققها.
وضم الفريق المؤسس للبنك كلا من الدكتور فواز عبد الحق أثناء رئاسته للجامعة، والدكتور نزار حداد المدير العام السابق للمركز الوطني للبحوث الزراعية، والدكتور حسام الدين خداش نائب الرئيس للشؤون المالية، والدكتور خالد الحياري نائب رئيس الجامعة للكليات العلمية والرئيس الحالي للجامعة، إضافة إلى الدكتور عوني اطرادات، كما تولى الإشراف الأسبوعي على المشروع الأستاذ عبد الرحمن أبو دلبوح والمهندس صايل نصير، في تعاون مستمر امتد لثلاث سنوات حتى اكتمال المشروع.
أهداف البنك
يؤكد الدكتور فواز أن بنك البذور الوطني، الذي تحتضنه الجامعة الهاشمية، يحقق أهدافا استراتيجية تتماشى مع توجهات كلية الموارد الطبيعية والبيئة في الجامعة، إذ تركز الكلية على استغلال الأراضي القاحلة وإدارة الموارد المائية والحفاظ على البيئة، وهي ثلاثة محاور رئيسية مدمجة في برنامج أكاديمي واحد، كما يحصل خريجو الكلية على صفة "مهندس زراعي" معتمدة من نقابة المهندسين الزراعيين، مما يعزز من دورهم في القطاع الزراعي.
ويضيف أن البنك يتيح للأردن فرصة ريادية في تسجيل براءات الاختراع الخاصة بالبذور المحلية، إضافة إلى قدرته على تخزين وتوثيق جميع أنواع الجذور والبذور التي يحتاجها القطاع الزراعي في المملكة، مما يعزز الأمن الغذائي ويحافظ على التنوع البيئي.
ومن الناحية الفنية، يوضح الدكتور فواز أن هناك تعاونا مشتركا بين البنك وأساتذة كلية الموارد الطبيعية والبيئة، حيث سيتم تدريب طلبة الدراسات العليا والبكالوريوس في المركز.
وينص أحد بنود الاتفاق على أن يكون البنك مفتوحا أمام جميع كليات الزراعة في الأردن، مما يتيح للباحثين فرصة إجراء دراساتهم وأبحاثهم داخل المركز الوطني للبحوث الزراعية وبنك البذور.
عمل البنك
يعد بنك البذور أداة أساسية في مواجهة التحديات التي يشهدها قطاع الزراعة مثل التغير المناخي، وشح المياه، وزيادة أعداد السكان، كما يلعب دورا حيويا في المحافظة على تنوع المزروعات وتوفير غذاء صحي ومستدام.
يمثل هذا المشروع امتدادًا لوحدة تخزين البذور التي أُنشئت في المركز الوطني للبحوث الزراعية عام 1993، وهو جزء من الخطة الوطنية للزراعة المستدامة (2022-2025) الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
ويعد البنك واحدا من أبرز بنوك البذور على مستوى العالم، إذ يحتوي على جميع البذور المتوفرة في الأردن، مما يجعله منافسا لمثيلاته في بريطانيا وبلجيكا وغيرها من الدول، كما يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط من حيث الإمكانيات المخبرية، ونوعية الأبحاث المشتركة، إضافة إلى تعاونه مع بنوك بذور دولية لتعزيز البحث الزراعي والتطوير.
هذا وافتتح الملك عبد الله الثاني بنك البذور الوطني في لواء عين الباشا بمحافظة البلقاء، تحت مظلة المركز الوطني للبحوث الزراعية، وذلك بهدف الحفاظ على السلالات الوراثية النباتية وتعزيز الأمن الغذائي في المملكة.