البالوعات بلعت الأخضر واليابس وهجرت السياح في البحر الميت

عرب 48 - روزين عودة

ولدت ظاهرة الحفر الإنهدامية أو البالوعات كما هو متعارف عليه في بدايات الثمانينيات من رحم الطبيعة، "فلم يتوقع أحداً أن الطبيعة ستفاجئ المنطقة بهذه الحفر التي ستزداد عمقاً ووسعاً على مر السنين، فتكون السبب في انهيار المنشآت السياحية والصناعية المجاورة للبحر الميت، وتكون أيضاً السبب في ترحيل السكان في بعض المناطق من جهة الأردن"، قال الجيولوجي د. عامر مرعي.

والبالوعات عبارة عن حفر أو ثقوب في الأرض أخذت بالاتساع ارتفاعاً ومساحة على امتداد شواطئ البحر الميت الجنوبية، الغربية والشمالية.
ويسهب د. عامر مرعي في شرح المسار الذي تمر في ولادة هذه الحفر، قائلاً:" السبب وراء البالوعات يعود لانخفاض منسوب المياه في البحر الميت، فكما نعرف أن نسبة المياه في البحر الميت تنخفض في كل عام بحوالي 80 سم حتى متر، وإذا عدنا للبحر الميت في سنوات ماضية نرى أن منسوب المياه فيه لم يكن منخفضاً لهذه الدرجة وكان هناك تكثيف عال في الهيدرولوجيا".

ويقول:" نجد أن هناك مياه مالحة في الخزان الجوفي سواء الجبلي أو الخزان الجوفي الموجود في منطقة الأغوار، وعندما يعود البحر الميت لمستواه، المياه المالحة التي كانت في الخزانات تعود باتجاه البحر الميت والتي عادة ما تكون مشبعة في المعادن كالملح وتعتبر ترسبات البحر الميت، وفوق هذه المياه تتواجد أيضاً المياه الحلوة، فعندما تتراجع هذه المياه المالحة تحل مكانها المياه الحلوة غير المشبعة بأي نوع من المعادن، فالأمر الأول الذي تفعله هو تذويب هذه المعادن، ومن هنا تبدأ بخلق ثقوب أو حفر صغيرة في الأرض، ومع الوقت كلما استطاعت تذويب المعادن أكثر كلما ازدادت الثقوب توسعاً، بالتالي فإنها تضعف المنطقة الحاملة أو السطح مع مرور الوقت لأنه وكما قلنا تقل سماكته وتضعفها".

ويضيف:" ومن ناحية أخرى، كلما ازدادت سرعة جريان المياه من الخزان الجوفي سواء الجبلي في الجهة الشرقية أو الغربية في منطقة غور الأردن أو البحر الميت، تصبح المياه قادرة على حمل حبيبات صغيرة من الرمل والحصى فتنقلها بقوة أي بمعنى أنه بالإضافة لعملية الذوبان التي ذكرناها سابقاً، هناك عملية أخرى وهي عبارة عن حمل حبيبات الرمل الدقيقة والحصى التي تؤدي إلى خلل في بيئة طبقات الأرض القريبة للشاطئ والتي تكونت معظمها من الرمل والحصى".

ومن التأثيرات السلبية التي خلقتها الظاهرة البيئية "البالوعات"، يقول د. مرعي:" إن هذه الظاهرة دليل على أننا نفقد الجزء الشمالي، الشرقي والغربي من البحر الميت، أيضاً فقدان كمية ضخمة جداً من المياه الجوفية".
ويضيف "منسوب المياه في البحر الميّت يتراجع كل عام حوالي المتر، لكن هناك كمية كبيرة غير محسوبة لغاية الآن للمياه المتدفقة من داخل الجبال باتجاه البحر الميت، وهي تحت سطحية وغير مرئية".

ويردف قائلا:" هناك أيضاً التأثيرات السلبية المباشرة، التأثير على الشوارع في منطقة الأردن مثلاً، التأثير على المزارع في مناطق معينة، حيث انهارت ولم تعد صالحة للزراعة، كما ويمنع في المناطق هذه أي نشاط بشري للخطورة التي تكمن فيها، ناهيك عن المصانع التي لقيت نهايتها".

وبالفعل، لقد انهارت قبل عدة سنوات البنية التحتية في الجهة الغربية للبحر الميت، بما فيها مصنعاً للأملاح والذي هدده 10 بالوعات، حيث تقرر حينها ترحيل المصنع بالرغم من أن 60 عاملاً وعاملة استفادوا من العمل في المصنع.

يتوقع د. عامر مرعي أن يزداد عدد البالوعات مستقبلاً، حيث كانت في الثمانينات معدودة لكن وصلت اليوم حتى أضعاف أضعافها، خاصة في الجانب الأردني حيث توجد هناك منطقة ساحلية واسعة.

ويقول د. عامر مرعي، إن:" الحل الوحيد لهذه الظاهرة هو ارتفاع منسوب المياه في البحر الميت، وهذا يعود لعدة أمور منها إعادة مجرى نهر الأردن لطبيعته حيث أن في السابق يصب المياه بحجم 1200 مليون متر مكعب بينما اليوم يصب في البحر الميت المياه بحجم 100 – 120 متر مكعب فقط، وهذه كمية ضخمة جداً، أو ارتفاع منسوب المياه بواسطة قناة البحرين بين البحر الأحمر والبحر الميت".

في كل سنة ينخفض فيها منسوب المياه تزداد لدينا سرعة جريان المياه المتدفقة باتجاه البحر الميت من الخزانات الجوفية فتزداد عملية ذوبان الأملاح، هذه هي المعادلة القاسية التي يمر فيها البحر الميت في السنوات الأخيرة، وتمر فيها أيضاً المنشآت الصناعية والسياحية كونها المتضرر رقم واحد من هذه الظاهرة البيئية.

أضف تعليقك