حِرَفٌ نَادِرَةٌ ظلت خلف اللاجئين في أحياء دمشق
من منّا لم تَأْسِرْهُ أصواتُ المطارقِ التي تنهالُ على النُّحاس محدثةً ضجيجاً لا يَنْقطِعْ.. في سوقِ النحاسين في أحدِ أحياءِ دمشقَ القديمة، سوقٌ لحِرْفةٍ تعود لمئات السنين، تُصْنعُ من خلالِها القناديلُ والثرياتُ والسيوفُ والأدواتُ المستخدمةُ في المطبخ. لقد لجأ بعضُ حرفيي هذهِ المهنةِ نتيجةَ الحربِ في سورية إلى الأردن ليصطدموا بعوائقَ لمْ يتوقعوها، فمِنْ جهةٍ لم يجدوا أماكِنَ توظِّفُهُمْ ليعملوا بمهنةٍ عشقوها، ومن جهة أخرى، هم ممنوعون من الحصول على رُخْصَة مِهَنٍ يستطيعون معها فتح مشاغِلَ خاصة بهم، كحال علاء الذي اضطر للعمل بصورة غير قانونية حيث قام بافتتاح مشغل صغير لمزاولة مهنة الحفر على النحاس، ويعمل فيه بصورة غير قانونية لعدم امتلاكه رخصة مهن، منوها أن مهنته غير موجودة في الأردن. ويؤكد المستشار القانوني لأمانة عمّان الكبرى أحمد طهبوب أن الإشكالية الأساسية للاجئين السوريين عدمَ امتلاكهم الأحقية بممارسة أي نشاط. وحال أبي محمود، معلّم الموزاييك، الذي يطمح لفتح ورشة كحال علاء، حيث تواجهه المعوقات نفسها بالرغم من استعداده لتعليم هذا الفن لمن يرغب بتعلمه من الشباب الأردني. ويؤكد طهبوب أن بإمكان المؤسسات عقد اتفاقيات مع أصحاب تلك الحرف كأصحاب خبرة، وتضع معهم مناهج تدريبية تستهدف مجموعة من الشباب الطموحين الراغبين بتعلم حرف مطلوبة على مستوى المنطقة والعالم. ويشكو أبو راكان الحرفي في تبييض النحاس من قلّة العمل بالرغم من ندرة مصلحته، متفاجئا أنه وبالرغم من عدم توافر أحد يعمل بهذه المصلحة غيره، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا. ويقترح طهبوب إيجاد مجموعة من القوانين التي تأخذ بالحسبان الجانب الإنساني، بالنسبة للسوريين لمزاولة النشاط بصورة مستقلة. لطالما كان معلمو الحرف اليدوية سفراء للجمال، وللثافة والحضارة العربية، ولطالما استطاعو أن ينقلو صورة مشرفة عن الفن العربي عامة والسوري خاصة في شتى أنحاء العالم، وهم اليوم تحت أنقاض الحرب والأزمات التي لم تكتف بإبعادهم عن بلدهم، وإنما أبعدتهم عن حرفهم ومهنهم أيضا.
إستمع الآن