
أم روز ..رحلة تقبل أم لطفل من ذوي الإعاقة

تتذكر أم روز لحظات حملها بمولودتها بكل التفاصيل حيث كانت تسعة أشهر مليئة بالآمال والأحلام وتخطيط للمستقبل، ولكن وعندما حان وقت الولادة، كان في قلبها مزيج من الحب والخوف حين رأت طفلتها للمرة الأولى. عرفت فورًا أن شيئًا ما مختلف، إحساس الأم لم يخطئ. كانت تعرف ملامح متلازمة داون من قصص وتجارب سمعتها سابقًا، وحين تأكدت من الحقيقة، شعرت للحظة وكأن العالم توقف.
كانت البداية مليئة بالمشاعر المتناقضة، بين حبها الفطري لطفلتها وحزنها على واقعها الجديد. لكنها قررت مواجهة الصدمة بشجاعة، لتبدأ رحلة طويلة من التقبل والتأهيل والدعم.
تصف أم روز تلك اللحظة الفاصلة بأنها “نقطة تحول“ في حياتها. رغم الألم، قررت أن تحول خوفها إلى قوة، وأن تتعلم معنى “الحب غير المشروط”. كانت روز، بتطوراتها الصغيرة وتحدياتها الكبيرة، مصدر إلهام وسعادة لا يمكن قياسها.
اليوم، تروي أم روز قصتها بفخر. ليس لأن الطريق كان سهلاً، بل لأنها قررت أن ترى الجمال في كل خطوة، وأن تجعل من قصتها رسالة أمل لكل أم تمر بتجربة مشابهة.
الدعم النفسي
تتعرض الأم التي تكتشف أن طفلها حديث الولادة لديه إعاقة إلى أزمة نفسية مركبة، تبدأ بصدمة نفسية شديدة نتيجة المفاجأة التي لم تكن متوقعة. هذه الصدمة تتسم بالتشويش الفكري وعدم القدرة على استيعاب ما يحدث. غالبًا ما تدخل الأم في مرحلة الإنكار، حيث ترفض تصديق أن طفلها لديه من إعاقة، وتبحث عن آراء طبية متعددة فيما يُعرف بـ”تسوق الأطباء”، مما قد يعرضها لاستغلال البعض.
مع مرور الوقت، تبدأ الأم بمقارنة طفلها مع الأطفال الآخرين، مما يعمق إحساسها بالاختلاف، وقد يؤدي ذلك إلى مراحل متقدمة من الحزن أو الاكتئاب. في النهاية، تصل الأم تدريجيًا إلى مرحلة التقبل، وإن كان هذا التقبل ليس مضمونًا للجميع، حيث قد تختلف ردود الأفعال بين الأزواج وحتى بين الأمهات أنفسهن.
هنا يأتي دور الأخصائي النفسي خيث قالت الأخصائية النفسية د. ندى حمدان، التي تحاول دائماً توجيه الأم ومساعدتها على التعامل مع هذه الأزمة. تبدأ الأخصائية بتقديم الدعم النفسي للأم، من خلال الاستماع إلى مشاعرها ومخاوفها وتوفير مساحة آمنة للتعبير عن الحزن والصدمة. هذا الدعم النفسي المتكامل لا يقتصر على الأم فقط، بل يمتد لتشمل الأسرة بأكملها، بهدف ضمان بيئة صحية للطفل ودعم تطوره النفسي والاجتماعي.
الكشف عن الإعاقة أثناء الحمل
أكد الدكتور عبد المانع السليمات اخصائي النسائية و التوليد في وزارة الصحة أن الإعاقات تتفاوت في إمكانية الكشف عنها أثناء فترة الحمل، إذ إن بعض أنواع الإعاقة يمكن تشخيصها من خلال تقنيات طبية معروفة، بينما تظل أنواع أخرى غير قابلة للكشف المبكر.
واشار الدكتور إلى أن الإعاقات مثل متلازمة داون يمكن الكشف عنها أثناء الحمل باستخدام تقنيات طبية متعارف عليها، مثل الفحوصات الجينية والتحاليل المخبرية، إضافة إلى التصوير بالموجات فوق الصوتية الذي يساعد على تحديد المؤشرات الدالة على وجود هذه الحالة.
في المقابل، أوضح الدكتور أن هناك إعاقات مثل اضطراب التوحد لا يمكن الكشف عنها أثناء الحمل، لأن هذا الاضطراب يرتبط بتطور وظائف الدماغ لدى الطفل، والتي تظهر أعراضها لاحقًا خلال مراحل الطفولة المبكرة.
كما شدد الدكتور السليمات على أن الولادة المبكرة، حيث لا يكمل الطفل فترة الحمل الكاملة البالغة تسعة أشهر، تزيد من احتمالية تعرض الطفل للإعاقات، سواء كانت جسدية أو عصبية. ويعزو ذلك إلى عدم اكتمال نمو أعضاء وأجهزة الطفل بالشكل المثالي، مما يجعله أكثر عرضة للتحديات الصحية والنمائية.
و شدد أخصائيون نفسيون واجتماعيون على أهمية دعم الأسر لتقبل أطفالهم من ذوي الإعاقة، معتبرين أن التقبل الأسري يعد الخطوة الأولى لدمجهم في المجتمع وتمكينهم من التمتع بحياة كريمة. في هذا السياق، يواجه العالم اليوم جدلاً أخلاقياً وإنسانياً متزايداً حول اللجوء إلى الإجهاض في حال اكتشاف إعاقة لدى الجنين أثناء فترة الحمل.
في القانون الأردني، مسألة إجهاض الجنين، بما في ذلك الجنين الذي قد يكون لديه إعاقة، ُنظم من خلال قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960. حيث جرم القانون الإجهاض بشكل عام إلا في حالات استثنائية، وفقًا للمادتين 321 و322، حيث ينص على أن الإجهاض غير القانوني يُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون.
ويُعد القانون الأردني من القوانين الرائدة في المنطقة في توفير الحماية والرعاية للأطفال ذوي الإعاقة، حيث يُلزم التشريع بمنحهم جميع الحقوق التي تكفل لهم حياة كريمة تُراعي احتياجاتهم. وتؤكد التشريعات، مثل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، على أهمية تلبية احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة من خلال توفير التعليم الدامج، والخدمات الصحية المتخصصة، والدعم الاجتماعي والنفسي، بما يضمن اندماجهم الكامل في المجتمع دون تمييز أو إقصاء.
وركّز القانون الأردني على تمكين الأطفال ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم بطريقة تعزز من استقلاليتهم وكرامتهم. وتشمل هذه الحقوق الحق في التعليم ضمن بيئة آمنة ومناسبة، والحق في الحصول على الرعاية الصحية المتكاملة، إضافة إلى الحق في التأهيل والتدريب المهني بما يتماشى مع قدراتهم وإمكاناتهم. كما ينص القانون على ضرورة توفير وسائل الإتاحة والتنقل، إلى جانب حماية هؤلاء الأطفال من كافة أشكال التمييز أو الإساءة، مع ضمان محاسبة أي جهة تنتهك هذه الحقوق.
هذا التقرير أعد بالتعاون مع مؤسسة أناليند