بعد غصة الوجع التي أصيبت بها عبير حين كانت تشاهد الطالبات يذهبن للمدرسة، وهي لا تستطيع ذلك، هي اليوم إحدى المستفيدات من برنامج تعزيز الثقافة للطلبة المتسربين داخل مخيم الزعتري.
تقول عبيرالوادي(20عاما)، خرجت مع عائلتي من سوريا إثر ظروف الحرب، ولم اصطحب معي وثائقي المدرسية، فدخلنا الأردن وقطنا في عمان عام 2012، لكنني لم ألتحق بالمدرسة لعدم وجود أوراقي المدرسية التي تثبت اجتيازي الصف السادس بنجاح، ثم انتقلنا للعيش في مخيم الزعتري عام 2013 نظرا لتردي أوضاعنا الاقتصادية، فكانت فرصتي للالتحاق ببرنامج تعزيز الثقافة للطلبة المتسربين.
وأوضحت الوادي في حديث ل "سوريون بيننا" أنها خضعت لامتحان تحديد مستوى وكانت بمستوٍ ثانٍ، وتخرجت من البرنامج بعد اجتيازها المستوى الثاني والثالث بنجاح، وكانوا يُدرسونَ خلال البرنامج المواد التعليمية الأساسية، مع وجود مختبرات للتطبيق العملي، ومكتبة تتضمن كتب ثقافية متنوعة، وكانوا يأخذونهم زيارات ذات جانب ثقافي، فأسهم هذا البرنامج بتعزيز ثقة عبير بنفسها لتكمل تعليمها وتحقق طموحها في المستقبل في أن تدخل تخصص الحقوق في الجامعة.
ويتشابه حال روزالأحمد(22عاما)، إلى حد كبير مع حال عبير الوادي، حيث انتقلت روز مع عائلتها للعيش في الإمارات إلى جانب والدهم بعد أن غادروا سوريا عام 2012، وحالت تكاليف التعليم الباهضة دون التحاقها بالمدرسة، ودخلوا الأردن للسكن في إربد عام 2015، فساد اليأس في نفسها لأن عمرها الذي كان يتجاوز 17عاما لم يتوافق مع شروط الالتحاق بالمدرسة، وبعدها تزوجت وانتقلت للعيش في مخيم الزعتري لتجد فرصتها الذهبية بالالتحاق ببرنامج تعزيز الثقافة للطلبة المتسربين.
وتذكر الأحمد أنها اجتازت مستويات البرنامج بنجاح بالرغم من مسؤولياتها تجاه بيتها، فكانوا يُدرسون خلال البرنامج مادة الرياضيات والعربي والإنكليزي والحاسوب وعلم الأحياء والتربية الإسلامية والتربية الثقافية، مع وجود مختبرات علمية، فحقق لها هذا البرنامج نقلة نوعية استعادت خلاله المعلومات التي نستها خلال سنوات الانقطاع المدرسي، إضافة لحصولها على المواد التعليمية التي تؤهلها لمتابعة تعليمها في المستقبل.
ومن جهتها تقول المنسق الميداني في هيئة الإغاثة الدولية في مخيم الزعتري آلاء فريتخ أن برنامج "تعزيز الثقافة للمتسربين" يستهدف الطلاب الذين تركوا المدرسة لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، أو الذين لا تنطبق عليهم شروط الالتحاق بالمدراس الرسمية، أو لا يحق لهم العودة للمدراس، ويأتي برنامج "تعزيز الثقافة للمتسربين" كأحد أبرز برامج التعليم غير النظامي في وزارة التربية والتعليم، والتي تنفذه الهيئة خياراً آخر للطلاب لمواصلة تعليمهم.
ووضحت فريتخ أن هذا البرنامج يستهدف اليافعين والشباب الذين تتراوح أعمارهم من 13-18 عاماً للذكور، ومن13-20 عاماً للإناث، حيث يلتحق الدارسين في برنامج تعليمي تربوي يتكون من ثلاث حلقات مدة كل منها ثمانية أشهر، ويوظف الميسرين في مراكز تعزيز الثقافة للمتسربين منهجية التعلم التشاركي، ويستخدمون مناهج وكتب وزارة التربية والتعليم المعتمدة للبرنامج بعد إنهاء متطلبات التخرج.
وتضيف فريتخ أن الملتحقين في البرنامج يحصلون على وثيقة رسمية مصدقة من وزارة التربية والتعليم تعادل الصف العاشر الأساسي، تسمح لهم هذه الوثيقة بمواصلة تعليمهم بالمدارس النظامية في حال كانت أعمارهم تسمح لهم بالعودة ، أو مواصلة تعليمهم من خلال برنامج الدراسة المنزلية، أو الالتحاق في برامج التدريب المهني في مؤسسة التدريب المهني، أو الالتحاق بسوق العمل.
ومن جهتها ذكرت المستشارة الأسرية والتربوية وأخصائية التربية الإيجابية آمال الدويري أن هناك عوامل متداخلة تتسبب في انقطاع الطالب عن المدرسة إذ لا يمكن أن نجزم أن الطالب ترك مدرسته لسبب بعينه دون المؤثرات الأخرى، ومنها وجود مشاكل لدى الأسرة حالات الطلاق والانفصال، فيقل الاهتمام والإشراف على الأبناء من قبل الأهل، وفاة أحد الوالدين خاصة الأم مما يجبر الفتاة أن تترك المدرسة لتكون بمثابة الأم للأخوة الصغار، وهناك أيضا الزواج المبكر لتخفيف العبء الاقتصادي على الأسرة، وعمالة الأطفال حيث يضطر الطالب لترك مدرسته لإعالة أسرته، ومن الأسباب وجود مشاكل في البيئة التربوية والمدرسة منها العنف والأساليب التقليدية المملة المتبعة من قبل بعض المعلمين في عملية التدريس.
وتشير إلى الآثار المترتبة على ظاهرة التسرب المدرسي على الطالب والمجتمع، حيث تساهم في تفشي الأمية وعدم دمج الأفراد في التنمية بحيث يصبح المجتمع خليط من فئتين فئة المتعلمين وفئة الأميين وهذا يؤثرعلى تطور المجتمع لصعوبة التوافق بين الفئتين في الأفكار والآراء، ومن الناحية الاجتماعية يصبح هناك ارتباك في بنية المجتمع وتفاقم البطالة وزيادة تكلفة التعليم وانتشار الجهل والفقر، وأغلبية الطلبة المتسربين يشكلون عبئاً على أسرهم والمجتمع، فقد يفقد الطالب المتسرب المستوى العقلي والبدني والصحي، بالإضافة لشعوره بعدم الانتماء وخاصة لوطنه نتيجة الفشل المتكرر، ويصبح شخصا منطوياً نتيجة شعوره بالنقص والعجز.
ومن جانبها ذكرت المنسق التعليمي في مراكز هيئة الإغاثة الدولية في مخيم الزعتري خولة المنيزل أن الهيئة تقدم في مخيم الزعتري ومخيم الأزرق برنامج التعليم العلاجي للطلبة الموجودين داخل المدراس، وبرنامج "ECD" تنمية الطفولة المبكرة للأطفال وفئتهم العمرية المستهدفة في هذا البرنامج من سنة لأربع سنوات وثمانية أشهروذلك في ثلاث مراكز رئيسية ضمن المخيمات.
وأوضحت أن البرنامج الأحدث هو "تعزيز الثقافة للمتسربين" الذي طبق فقط داخل مخيم الزعتري منذ 2017 من قبل الهيئة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، ومن نتائجه تخريج 110 طالب وطالبة منذ 2017 لبداية هذا العام 2020، وتقدم أيضا مجموعة من البرامج المتنوعة منذ 2013 داخل المخيم لفئة المتسربين من التعليم الرسمي، فأول برنامج في 2013 هو برنامج "التعليم غير الرسمي" ومن نتائجه إعادة مالايقل عن 500 طالب وطالبة للتعليم الرسمي.
وأشارت المنيزل إلى برامج أخرى نفذتها منها "التعليم غير النظامي" أو تعليم الكبار، وعملت على برامج "التعليم غير الرسمي" ضمن مشاريع مكاني التابعة لليونيسيف، وساهمت مع شركاءها من اليونيسيف "بحملة التعلم للجميع والعودة للمدراس" التي أسهمت بالتحاق حوالي 300 طالب وطالبة بالتعليم الاستدراكي في المدراس، وكل ستة أشهر تقوم الهيئة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بمجموعة زيارات ثقافية ومعرفية للطلبة مثل متحف الأطفال، ومعرض السيارات الملكي، وحدائق الحيوانات.
وتضيف المنيزل هناك خياران للطلبة المتخرجين من برنامج "تعزيز الثقافة للمتسربين" أحدهما الإكمال في التعليم المنزلي الغير متاح حاليا داخل مخيم الزعتري لكن الشركاء مثل اليونيسيف على تواصل مع وزارة التربية والتعليم لإيجاد حل للطلبة داخل المخيم، أما الخيار الآخر فهو الالتحاق بالتدريب المهني، فبخصوص الطلبة الذين يتوافق معهم شرط العمر 18 سنة فما فوق بعد التخرج تم التنسيق مع كلية ليمنوس وإلحاقهم بدورات تدريبية وبعضها تدريب وتشغيل مع راتب شهري لكل طالب وطالبة.
ويلتحق في الوقت الحالي قرابة 550 طالب وطالبة(328 ذكر/222 أنثى) من اللاجئين السوريين في برنامج "تعزيز الثقافة للمتسربين" الذي تنفذه هيئة الإغاثة الدولية ضمن مخيم الزعتري بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، وتوفرالهيئة مكتبة تحتوي كتب لا تقل عن 6000 كتاب، ويوجد مختبر للحاسوب فيه تقريبا 25 جهاز كمبيوتر، ومختبر للعلوم، ومختبر للغة الإنكليزية، بالإضافة لوجود غرفة يطلق عليها (Media Room) يستخدم فيها الشاشات التفاعلية.