محور البيئة الاقتصادية والمهنية والإدارية الحاضنة لحرية وتنوع الإعلام

ملخص تنفيذي

مع تزايد تفاعل المواطن الأردني مع الإعلام بكافة اشكاله أصبح من الضروري ان تتلاءم القوانين والأنظمة الخاصة في موضوع تنظيم الإعلام مع تلك الزيادة بطريقة توفر تنوع وتعدد للأصوات والأفكار التي يتم نقلها عبر المرئي والمسموع الرقمي وغير الرقمي.

التحدي الكبير الذي يواجه قطاع الإعلام ينبع من صعوبة استدامة اعلام مهني ومؤثر في بيئة إعلامية متطورة شبة يوميا ومع جمهور ذات تركيز محدود وعدم الرغبة بالتعامل مع اعلام رزين يقدم خدمة عامة من خلال برامج جديه وذات فائدة اجتماعية. فالتحدي الكبير ينبع من ضرورة تلائم طرفي المعادلة القطاع العام والقطاع الخاص مع ضرورة توفر مساحة للقطاع قل الاستفادة منه اردنيا هو قطاع الإعلام المجتمعي.

خلفية

لقد مر الإعلام بشكل عام والإعلام المرئي بشكل خاص بالعديد من المراحل زادت في الفترة الأخيرة مع الثورة المعلوماتية ومع توفر مضمون ضخم مجاني او شبه مجاني عبر شبكة المعلومات العنكبوتية. ومع ذلك التطور حاولت الدول بسلطاتها التنفيذية والتشريعية وبدور اقل من المجتمع المدني التعامل مع ذلك التطور العالمي دون المساس في البنية التقليدية للأعلام وهو امرا صعبا.

وفي الأردن تحديداً جرى محاولات للانخراط بالركب الدولي من خلال فتح المجال للقطاع الخاص من خلال قانون خاص بالمرئي والمسموع عام 2012 للتملك موجات هوائية اف ام وفضائية في نفس الوقت الذي تم محاولة تطوير بقدر الإمكان الإعلام التلفزيوني والاذاعي التقليدي. وقد تبين بسرعة للدولة الأردنية ان الإعلام الرسمي لن يستطيع الحفاظ على موقعه المتقدم وشبة المسيطر الكلي في نفس الأدوات والمنصات التقليدية ولكن في نفس الوقت كانت هناك قناعة ان إصلاح الهيئة الرسمية للتلفزيون والإذاعة لن يكون سهلا ضمن البنية البيروقراطية والقانونية الحالية وفي ظل تلك الصعوبة ومع وصول أعداد الشباب تحت سن 25 بين. الأردنيين لنسب تقترب من 50% من السكان ومع مبادرة الحكومة الامريكية تغيير طبيعة إذاعة صوت أمريكا الى إذاعة شبابية تحت اسم سوآ وبالتركيز شبة الكلي على أغاني اجنبية وعربية مفضلة للشباب كان لا بد للدولة الأردنية وبالذات الحكومة ان تتحرك وتخلق شراكات حكومية مع القطاع الخاص بهدف محاولة استعادة الكم الكبير من الشباب الذين بدأوا بالنزوح لإذاعة سوآ والانترنت لإشباع رغباتهم الموسيقية الشبابية.

وقد تمحور التغير في السياسة الحكومية للتشارك مع رجال أعمال وخبراء إعلانات من خلال خلق إذاعة فن وثم روتانا وأخيرا هلا كل ذلك بهدف الوصول الى الكم الأكبر من شباب وشابات الأردن. ولكن التحرك الحكومي من خلال التعاون مع القطاع التجاري خلق شبه سيطرة على الأثير من الناحية التقنية والى انخفاض كبير في المضمون الأمر الذي علق عليه سمو الأمير حسن منتقدا غياب الإذاعات ذات مضمون.

في نفس الوقت الذي تم تطور الإعلام التجاري الحكومي المشارك مع القطاع الخاص جرت محاولات متواضعة لخلق اعلامي مسموع ومرئي يتجاوز الجانب الترفيهي ويقدم وجبة دسمة من المعلومات والبرامج الحوارية وقد جلبت تلك المحاولات نتائج ملموسة في انتخابات المجلس التشريعي السابع عشر حيث فاز أصحاب تلفزيونات خاصة مثل جوسات والحقيقة الدولية ونورمينا مقاعد برلمانية على مستوى الوطن وذلك من خلال قدرتهم على تطويع محطاتها التلفزيونية لخدمة أفكارهم وبرامجهم ذات الطابع العام المستقل عن الحكومة.

وفي المجال الإذاعي كان هناك دوراً مهماً لإذاعات خاصة غير حكومية مثل راديو البلد وإذاعة حياة اف ام وفرح الناس الأمر الذي وفر بديل ذات مضمون جيد.

لقد اعتمدت الحكومة ومن خلال هيئة المرئي والمسموع على ترك قطاع الإعلام الخاص دون أي تنظيم يذكر ومن خلال توزيع الطيف الإذاعي وهو المحدود نسبيا لمن جاء أولا في حين كان الطيف الفضائي مفتوح للجميع وعلى أساس الاستثمار التجاري الأمر الذي كان يدر رسوم لخزينة الدولة. كل ذلك ترك للنجاح وفشل المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة على أساس التذبذبات التجارية ومن خلال البقاء للأقوى.

ومع اشباع الاثير الإذاعي خاصة في العاصمة والذي تم توزيعه على أساس من يأتي أولا أصبحت المعادلة هي معادلة الاستدامة والاستمرار وليس معادلة الأفضل. ومع تزايد الطمع التجاري لدى القائمين على إذاعات المعتمدة على الشراكة بين القطاع الخاص والعام دون الاهتمام بالمضمون زادت المطالبات بأن تلعب هيئة المرئي والمسموع دوراً أكثر مباشرة في معالجة الخلل الذي حل بهذا القطاع والذي كان أكثر المتضررين له هم الإذاعات الجدية ذات مضمون اخباري وبرامجي محترم ومكلف والذين عانوا من ارتفاع رسوم الترخيص ولم يتوفر لهم أي من المساعدات الحكومية المباشرة وغير المباشرة في ظل سيطرة اذاعات حكومية متعاقدة مع قطاع خاص على المشهد الإعلامي وخاصة الإذاعي.

معالجة الخلل الحالي

لا يختلف اثنان اليوم ان هناك خلل بنيوي في القطاع الإعلامي . جزء من الخل عالمي ينبع عن التغيير السريع في طبيعة وشكل ومنصات الإعلام وتراجع الجدوى الاقتصادية للأعلام التقليدي وصدور اعلام حديث رقمي يتفاعل بسعة وبنجاعة أكبر مع المستهلك وأحيانا دون تكلفة على المستهلك مما يؤثر سلبا على أي جدوى اقتصادية للإعلام التجاري. الدول المتقدمة بدأت تفهم ما يجري ووضعت خطط واستراتيجيات متعددة الأشكال والمضامين تضع شروط أحيانا صارمة على الإعلام التجاري وتوفر دعما حقيقيا للأعلام ذات خدمة عامة بشرط ان لا يكون مستفيد بصور كبيرة من الإعلان الامر الذي يجبره على الركض وراء الكم بدل من النوع في برامجه وفي طرق جلب المشاهد باي ثمن لان ذلك سيزيد من دخله. فقطع او تحديد الإعلان على مؤسسات حكومية وشبه حكومية تدار بتمويل من الدولة قد يكون حافز لها للعمل على خدمة الأهداف التي من أجلها النشأة. تقوم العديد من الدول بتخصيص صندوق خاص لدعم الإعلام بشروط واضحة مع مؤشرات للنجاح ولتنفيذ تلك الشروط في مجال الخدمة العامة. تعمل الدول بطريقة مدروسة لخلق توازن بين القطاع العام والخاص ومع القطاعات غير الحكومية بحيث لا ثمت تغول جهة على غيرها.

في بعض الأحيان مثل موضوع الإذاعات ذات طيف محدود يجب ان تكون الإجراءات أكثر صرامة في حين يمكن العمل بليونة أكثر في قطاعات مفتوحة وغير محددة مثل الطيف التلفزيوني والانترنت ولكن يتم التركيز على التحفيز من خلال صناديق دعم وجوائز وتكريم وضمان حديدي لوجود منافسة حرة بين جميع المؤسسات التجارية.

فيما يتعلق بالوضع الحالي وبسبب التعاون الحكومي غير المشروط مع مؤسسات شبة حكومية تجني الإعلانات دون توفير مضمون يخدم المواطن ورفع الوعي هناك حاجة الى تدخل سريع لمنع الاستمرار في هذا المجال. فهناك اذاعات شبه حكومية تعمل بالأساس على جلب المستمعين من خلال البرامج الترفيهية والتركيز فقط على معالجات حالات فردية يتم التطبيل والتزمير لها دون العمل على إيجاد حلول جذرية لما يواجه المجتمع الأردني. فتركيز اذاعات الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص على الجانب الترفيهي دون وضع جهد اعلامي حقيقي بسبب السعي وراء زيادة الاستماع والدخل الإعلاني غير المحدود سبب في وجود ضحالة إعلامية كبيرة وغياب أي دور هام للأعلام في خدمة المجتمع.

هناك أكثر من طريق لمعالجة الوضع الحالي منها انسحاب الدولة من المشهد الإعلامي او الضغط الحكومي على شركات الشركة لزيادة نوعية وكمية البرامج والأخبار ذات المصلحة العامة وفي نفس الوقت العمل على التنوع والتعدد اما من خلال نفس المؤسسات الإعلامية او من خلال توفير حوافز او تقليص رسوم لإذاعات تقدم مضمون فكري يخدم المجتمع بأمانة ومهنية عالية.

هذا الأمر يتطلب إعادة النظر في البنية القانونية والإدارية لهيئة الإعلام من حيث تشكيلها الهرمي البيروقراطي ومن خلال أهدافها والأدوات المتوفرة له لإجراء التعديلات الضرورية او تقديم التوصيات المهنية لتلك التعديلات.

فرصة يمكن الاستفادة منها

تضيع الدولة الأردنية يومياً إمكانية توسيع القاعدة الإعلامية في الأردن من خلال تسهيل إمكانية الحصول على تراخيص من الناحيتين الإدارية والمالية. خارج العاصمة لا يزال هناك شح في الاستفادة من الطيف الإذاعي المتوفر مجاناً في كل محافظة ولا يتم ملئ سوى من خلال إذاعة او اذاعتين رغم ان المواطن في تلك المحافظات يستمع للإذاعات من فلسطين وإسرائيل. كما من الممكن زيادة المضمون الإعلامي الجيد في حال قيام الدولة الأردنية بالتعامل أكثر جدية مع قطاع الإعلام غير الحكومي او ما يسمى بـ الإذاعات المجتمعية المملوكة من المجتمع المحلي وذلك من خلال الاعتراف بها كقطاع اعلامي ذات مزايا خاصة يحتاج الى دعم ورعاية من خلال تقليص الشروط الإدارية للترخيص وإلغاء الرسوم المفروضة عليه من قبل هيئة الإعلام وهيئة تنظيم الاتصالات. كما ويمكن للدولة الأردنية بالتعاون مع القطاع الخاص وممولين عرب ودوليين خلق صندوق لدعم الإعلام بشروط مرتبطة بنوعية وتنوع المضمون المهني الجيد ذات خدمة عامة. طبعا من السهل جدا على الدولة الأردنية إجراء تكريم سنوي مبني على أسس مهنية مستقلة لدعم المؤسسات الإعلامية التي تقدم خدمة للمجتمع من خلال عملها الإعلامي.

التوصيات

  1. يحتاج القطاع الإعلامي الى استراتيجية شاملة يتم خلالها وضع اهداف واضحة وخطط عمل ويشارك في وضع الاستراتيجية كافة الجهات ذات مصلحة من اعلاميين وأصحاب مؤسسات إعلامية تجارية وأصحاب مؤسسات إعلامية غير ربحية وممثلين عن المجتمع المدني.
  2. ضرورة العمل على زيادة التعددية والتنوع في المضمون الإعلامي الأردني لخدمة المجتمع والاهداف العليا للدولة الأردنية.
  3. العمل على وقف التشوهات في المشهد الإعلامي التجاري من خلال وضع محددات واضحة للمؤسسات الإعلامية الحكومية وشبه الحكومية والتي تجني إعلانات وذلك لضمان وجود مساواة في القطاع التجاري مع ضرورة الطلب من الجميع زيادة المضمون للخدمة العامة
  4. العمل على التعريف بقطاع الإعلام غير الحكومي وغير التجاري وتسهيل الشروط الإدارية والمالية للحصول على تراخيص تخدم مجتمعات محلية.
  5. توفير أدوات مباشرة لمنع استغلال الملكية الفكرية والسرقات الأدبية فيما يتعلق بما يتم نشره دون موافقة الناشرين.
  6. إلغاء رسوم ترخيص المواقع الإخبارية الإلكترونية والمنصات الإعلامية العاملة عبر الإنترنت، لأن مسألة الرسوم ترتبط بالتعددية وتشكل عقبة أمام عملية إنشاء وسيلة إعلام.
  7. توسيع مظلة هيئة الإعلام من خلال مجلس إدارة يمثل مكونات المجتمع الأردني ويشارك ممثلو الامة او/وجلالة الملك في اختيار أعضائه مراعين ضرورة توفر التمثيل النسائي والطيف الفكري الواسع للأردنيين.
أضف تعليقك