محور البيئة الاجتماعية والثقافية الحاضنة لحرية الإعلام
كفل الدستور الأردني حقوق المواطنين الأردنيين، فلا فرق بينهم امام القانون باختلاف العرق او اللون او الدين، إلا أن النص الدستوري –على قدسيته- لا يكفي إن لم تكن هناك بيئة اجتماعية ثقافية متوازنة بدقة بين حق المواطنين بأن يكونوا احرارا ومتاسوون وحق الدولة في الحفاظ على الاستقرار والصالح العام، ولا يأتي هذا التوازن فجأة بل هو حصيلة تسلسل تاريخي للتحولات السياسية والثقافية والقانونية.
شهد الأردن محطات سياسية ومفاصل تشريعية كبرى خلال العقدين الأخيرين أهمها : قانون منع الإرهاب الذي صدر 2006 وعُدل في العام 2014 ، قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 والذي عدل 2018، القانون المعدل لقانون العقوبات 2107، إضافة إلى التعديلات الدستورية 2011 والتي اعتبرت الأوسع منذ عام 1960 وحتى 1984، حيث شملت 20 مادة دستورية دفعة واحدة.
انعكست تلك المحطات بطريقة او بأخرى على تراجع مستويات حرية الرأي والتعبير في ظل غياب ثقافة الحوار وتوفير البيئة التشريعية الحاضنة للتنوع الثقافي والفكري وتراجع سيادة القانون، الأمر الذي أدى إلى تراجع واضح في تقبل الأختلاف النقد والراي الآخر في كثير من الأحيان حتى وصلت إلى حد التصفية الجسدية في حادثة هزت الشارع الأردني وهي مقتل الصحفي ناهض حتر من قبل متبني للفكر الإسلامي المتشدد.
وساهمت الضوابط المشددة بقوالب قانونية ، بدء من قانون العقوبات وقانون المطبوعات والنشر وحق الحصول على المعلومات وليس انتهاء بقانون الجرائم الإلكترونية، بتراجع سقف الحريات الإعلامية بشكل لا يتماشى مع اتساع فضاء الإعلام والثورة المعلوماتية وتدفق المعلومات وتعدد المصادر والمنصات الإعلامية من خلال انتشار الفضائيات و التطبيقات والتفاعل من الجمهور عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
إضعاف الحرية الحقيقية للرأي والتعبير وغياب الثقافة القانونية الكافية في المجتمع، و غياب مبادئ العدالة والمساواة والحكم الرشيد العادل الذي يشرك المواطنين كافة في صنع القرار، وازدياد تهديدات الفقر والبطالة والأعباء الإقتصادية، شكلت خطرا حقيقيا على تفاعل المواطنين مع مفاهيم المواطنة ، وساهمت بنمو الكثير من الأفكار المتطرفة والمتنمرة في المجتمع، في ظل غياب بيئات حاضنة قادرة على خلق مساحات امنة للتعبير عن الأفكار والاستفادة من التنوع الذي يشهده المجتمع اليوم مقابل الفكر الإقصائي و العدائي تجاه الآخر.
كل ذلك هدد التماسك الاجتماعي والوطني ، وبات كل شيء مشكوكا فيه ومحل إعادة نظر وخصوصا عندما يتم اللجوء إلى مفردات التخوين والتكفير وإدعاء الحقيقة من هذا الطرف أو ذاك ،وتجنيد القوى السياسية المتصارعة المحللين وخبراء ومتخصصين كل منهم يدع أنه ينطق بالحقيقة ويعبر عنها .
- السياسات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والسياسية والثقافية عبر العقود الاخيرة، التي اثرت في البنية الإجتماعية والثقافية للمجتمع وبالتالي على المنتج الإعلامي الراصد لهذا المجتمع والمنعكس عنه.
- مظاهر القمع وعدم العدالة والمساواة وغياب الحرية والمهنية الإعلامية التي تستوعب هموم ومشاكل المجتمع والتحديات التي يواجهها، في ظل تراجع المنتج الثقافي والأدبي الحر، الذي يروي قصص الناس ويعزز من التعبير عنهم من خلال الفنون والموسيقى والمسرح.
- السلطة الدينية والعشائرية، والاجتماعية المحافظة تمنع كثير من المواطنين العاديين وحتى الصحفيين من التعبير عن آرائهم أو معتقداتهم بصراحة، فالنقد السياسي سقفه مرتفع وبعكس مادة صحفية تنقد شيخ عشيرة او زعيم ديني أو شعيرة دينية، وهذا المفهوم عكسته كثير من استطلاعات مركز حماية وحرية الصحفيين مثلا الراصدة لمستوى الحريات في الأردن.
- العقلية الذكورية الإقصائية للنساء، التي تحد من انخراط النساء في الإعلام وبالتالي زيادة حضور المرأة في الإعلام شكلا “من حيث استلامها مناصب قيادية في المؤسسات) ومضمونا( بحيث يقتصر تغطية قضايا المرأة على القضايا الإستهلاكية والمسيئة ولا تغطى حقوق المرأة بشكل كاف وحقوقي ) وهو بذلك يحد من شمول حرية الراي والتعبير في الإعلام على كافة الفئات المهمشة مثل النساء، وينطبق الحال على الأقليات العرقية والدينية وغيرها.
- ضعف المنظومة التربوية كحلقة عامة لا تبدأ بالطالب ولا تنتهي بالمعلم: فالطالب والمعلم والمنهاج والبيئة التعليمية تشهد تراجعا يؤثر بشكل مزعج على مستوى التعليم وثقافة الطلبة واستجابة العملية التربوية للمتغيرات المجتمعية والعلمية، فتغييب مبادي الحريبة والعدالة والمساواو في المناهج، أو ضعف المعليمين في تدريس المناهج التي ادرجت فيها وعدم وعيهم بشكل واضح لتشجيع الطلبة على الحوار، أضعف اولى لبنات الحوار المجتمعي التي تبدأ من المدرسة اضافة إلى ضعفها في البيوت بسبب السلطة الأبوية السائدة التي تؤثر على التنشئة بشكل مباشر .
كل ذلك لا بد أن ينتهي بانفجار على شكل ما نراه ونسمعه ونقرأه في المنتج الإعلامي والثقافي الضعيف مهنيا وحقوقيا وكم التراجع الإنساني المسيئ على مواقع التواصل الإجتماعي.
من أجل الوصول إلى مستوى حرية إعلامية مهنية في النطاق الاجتماعي والثقافي، فإنه علينا النظر بشمولية للتحديات التي يواجهها المجتمع ويواجهها الإعلام:
- عكس وتعزيز مبدأ المواطنة الحقة القائمة على توازن الحقوق والواجبات في المحتوى الإعلامي ومختلف المنصات الإعلامية بدءا من رفع الوعي بهذا المفهوم وانتهاءا بتطبيقة في أثناء إعداد المنتج الإعلامي .
التبرير: عندما يتم رفع وعي المواطن والإعلاميين والقائمين على المؤسسات الإعلامية بالمفهوم الفعلي للمواطنة حقوقا وواجبات يرتقي العمل الإعلامي إلى مستوى أعلى من المهنية ويرتفع مستوى الدقة والموضوعية وبالتالي الحرية الإعلامي ويصبح هم الإعلام خدمة المواطن والمجتمع لا بخدمة السلطة.
- أن يتم عكس التنوع الثقافي والإجتماعي العرقي والديني إضافة إلى المقيمين من لاجئين وغيرهم في الأردن بشكل أفضل في المنتج الإعلامي سواء من حيث عدالة الوصول إلى المنصات الإعلامية، وظهور عادل في المنتج الإعلامي .
التبرير : فالمجتمع الأردني يتميز بتنوع عرقي وديني وجغرافي في إطار الثقافة العربية الإسلامية والهوية الوطنية الأردنية، واذا أنعكس هذا التنوع في المحتوى الإعلامي كما ونوعا فأن من شأن ذلك أن يعزز قيم المواطنة التي نسعى إليها وتشعر كافة المكونات بقيمتها داخل وطنها ويتكون لديها قناعة بمبدأ الحقوق والواجبات الناجمة عن مبدأ المواطنة العادلة، ومن شأن ذلك ايضا أن يحد من خطاب الكراهية تجاه الآخر فلا مبرر لمهاجمته إذا كان الشأن العام والخاص للجميع متابع إعلاميا بنفس الدرجة فلا يشعر أي مكون أن مستبعد وغير متابع .
- أن يعكس الإعلام بشكل حقيقي وفي مختلف مستوياته ومنصات الإحترام الحقيقي لحريات الأفراد المكفولة في الدستور الأردني ومختلف القوانين من نساء وشباب ومن الأشخاص ذوي الإعاقة.
التبرير : فأذا أحترم الإعلام حريات الأفراد وعمل على تعزيزها واحترامها من قبل ممثلي السلطة فإن ذلك من شأنه الحد من الاحتقان والغضب التي تظهر في الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي نتيجة عدم احترام حرية الرأي والتعبير، فالمواطن والإعلامي عندما يلمس أنه حر بالتعبير عن ما يراه أو يشعر به لا يلجأ للتخوين والشتم وغيرها من مظاهر الاحتقان.
- وضع سياسات تحريرية تحترم حقوق الإنسان وتشجع على السلم الأهلي والحوار وتقبل الآخر ونبذ العنف في مختلف وسائل الإعلام.
التبرير:ان تعزيز حقوق الإنسان في العمل الإعلامي له ميزه على مستويين:
الأول: رفع مستوى المهنية للإعلامي والمؤسسة الإعلامية : إذ يضمن التزامها بتلك المبادئ رفع مستوى مهنيتها ما يجعلها أكثر دقة ومتابعة وتقصي للمعلومة قبل نشرها.
الثاني: تعزيز مبادئ السلم الأهلي واللاعنف في المجتمع فكلما انتشرت مبادئ المساواة والعدالة والمصداقية وانعكس ذلك في الإعلام خفت النزاعات والصراعات المجتمعية. - عكس وتعزيز مبدأ المواطنة الحقة القائمة على توازن الحقوق والواجبات في المحتوى الإعلامي ومختلف المنصات الإعلامية بدءا من رفع الوعي بهذا المفهوم وانتهاءا بتطبيقة في أثناء إعداد المنتج الإعلامي .
التبرير: عندما يتم رفع وعي المواطن والإعلاميين والقائمين على المؤسسات الإعلامية بالمفهوم الفعلي للمواطنة حقوقا وواجبات يرتقي العمل الإعلامي إلى مستوى أعلى من المهنية ويرتفع مستوى الدقة والموضوعية وبالتالي الحرية الإعلامي ويصبح هم الإعلام خدمة المواطن والمجتمع لا بخدمة السلطة.
- تشكيل جهات مستقلة ومهنية تتبع معايير وسياسات راسخة للمتابعة والتقييم للمحتوى الإعلامي والإدارات الإعلامية من قبل جهات مستقلة.
التبرير:فهذا الأمر يضمن الإلتزام بحرية الإعلام وتطبيقها بشكل فعلي وعملي بشكل عادل، فلا يكفي ان يكون الإعلاميين والقائمين على المؤسسات الإعلامية مطلعين على مبادئ المهنية والعدالة والمساواة والحرية وانما يجب ان يكون هناك جهة تعمل على متابعتها وتعزيزها لضمان تطبيق تلك المبادئ من قبل الصحفيين ومن قبل الإدارات وبالتالي انعكاس تلك المفاهيم على المحتوى الإعلامي.
- اعتماد وتطوير مساقات حقوقية وقانونية واكاديمية فعالة في كليات الإعلام ومؤسسات التدريب الإعلامي.
التبرير:مهما تزود الإعلامي بالمبادئ العلمية والفنية للعمل الإعلامي سواء أثناء الدراسة الأكاديمية أو الخبرة العملية، فعمله الإعلامي يبقى يشوبه الكثير من النقص تجاه القضايا الحقوقية إن لم يتم تزويده بإطار قانوني وحقوقي وبشكل عملي أثناء تأهيله الأكاديمي والتدريبي.
- اعتماد التشريعات الداعمة لظهور وانتشار وسائل الاعلام المجتمعي والتنموي المستقل.
التبرير:وجود الاعلام المستقل هو الضمانة لرفع المستوى المهني للاعلام من خلال إنتاج المحتوى الإعلامي المتنوع المستقل والذي يمثل كافة شرائح المجتمع ويكون على خلق مساحات آمنة من التعبير للجميع حول أبرز التحديات والقضايا الوطنية، من خلال ضمان التنوع في الموضوعات والمشاركة وزيادة المحتوى الإعلامي الذي يمثل الجميع في ظل تجربة اللامركزية الادارية التش تشهدها المملكة والتي تحتاج الى اعلام محلي مستقل يواكب نهج الدولة نحو التنمية.
- تعزيز أدوار منظمات المجتمع المدني في صناعة القرار السياسي والتنموي وتعزيز مفاهيم المشاركة.
االتبرير:تقوم منظمات المجتمع المدني بدور تكاملي هام مع الحكومات والإعلام في تحديد احتياجات المجتمعات وإصدار الأبحاث والدراسات للتغيرات المجتمعية والتنموية التي تواجهه، وعليه يجب توفير بيئة داعمة لعملها، وحسم القرار بتعزيز مفاهيم التشاركية في إيجاد حلول دائمة ومستدامة للتعامل مع التحديات الوطنية من خلال تحقيق الشراكات الفاعلة بين أطراف معادلة التنمية والتغيير.
- توفير الدعم الوطني والسياسي والمالي لدعم الثقافة والفنون.
التبرير: حيث ان عودة الحياة الثقافية والفنية المتنوعة ستضمن توفير فضاءات حرة للإبداع والتعبير عن الذات والارتقاء بأشكال التعبير لدى الشباب والفتيات مما سينعكس على العملية التربوية والتعليمية، وتسهم في محاربة الأفكار الظلامية وتشجع الإبداع والتنافس على نشر الأفكار بشكل حضاري وراقي.
- عمل الدراسات والأبحاث الاجتماعية والثقافية وعلاقتها بالإعلام بشكل متخصص ومتعمق للبيئة الإجتماعية والثقافية.
التبرير: على المحتوى الإعلامي والثقافي أن يساهم في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع وأن يكون قادرا على انتاج محتوى يكافح الفكر التطرف وقيم العشائرية السلبية ويعزز من ثقافة الحوار وقيم التسامح وقبول الاخر والعدالة بين الجنسين، وتكافؤ الفرص ولتتحقق الفعالية من هذه الرسائل يجب أن تكون مبنية على وقائع و أرقام ودراسات قبلية وبعدية لقياس مدى التأثير والفاعلية.
لكي نضمن تنفيذ السياسات
- صيغة قانونية لمرجعية إعلامية مشتركة ومستقلة بشكل حقيقي
- تعديل التشريعات الناظمة للشأن الإعلامي وما يتعلق به
- تعزيزأدوار منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاعلامية والرقابية المستقلة