كيف ساهمت سياسات صندوق النقد الدولي بتقليص الحماية الاجتماعية في الأردن
تقرير حديث صادر عن مؤسسة فريدريش إيبرت مينا يقول إنه وبالرغم من دخول الأردن في برامج تصحيح مع صندوق النقد الدولي خلال السنوات الماضية إلا أن الأوضاع الاقتصادية انحدرت فقد أدى ارتفاع الدين العام والعجز المزمن في الموازنة مقابل تراجع الحماية الاجتماعية التي تقدمها السلطات للمواطنين.
التقرير جاء تحت عنوان (دور صندوق النقد الدولي في تقليص الحماية الاجتماعية ، دراسات حالة من تونس والأردن والمغرب)، ويرى أن "تعزيز الإنفاق الاجتماعي في الأردن يتطلب إصلاحات مالية هيكلية طويلة الأجل لخفض الدين العام وخدمة الدين والتكاليف ذات الصلة لموظفي الخدمة المدنية والإنفاق العسكري والأمني".
وذكر التقرير أن سرد تاريخي للعلاقة بين الدولة والمواطنين "منذ تأسيسها عام 1946 ، كانت العلاقات بين الدولة والمواطنين في المملكة الأردنية الهاشمية قائمة، واتسمت بعقد اجتماعي ريعي هذا يعني أن المواطنين يتلقون مزايا اجتماعية في مقابل الولاء للنظام الحاكم ، لذلك فإن الدولة مسؤولة دائمًا عن الإعالة الخدمات الاجتماعية ، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والتوظيف في القطاع العام والخدمات الأخرى ، في من أجل ضمان الولاء السياسي لرعاياها. ومع ذلك ، لم تكن هذه الفوائد الاجتماعية نتيجة لعملية مدروسة لتصميم وبناء نظام حماية اجتماعية شامل".
مبينا "على الرغم من تنفيذ برامج ضبط أوضاع المالية العامة المدعومة من صندوق النقد الدولي في الأردن فقد ارتفعت نسبة خدمة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 3.8٪ عام 2010 إلى 9.4٪ عام 2020. وأدى ارتفاع الدين العام والعجز المزمن في الميزانية إلى تقييد الجمهور في الحكومة الأردنية الإنفاق ، مما يترك مجالاً ضئيلاً للمناورة المالية".
وحسب التقرير على مدى السنوات العشر الماضية ، كان الأردن يعاني من وضع اجتماعي اقتصادي صعب كشف هشاشة السياسات الاجتماعية للدولة ، بما في ذلك الحماية الاجتماعية اذ يبلغ معدل البطالة الإجمالي في الأردن حاليًا 25٪ .15 على الرغم من أن 62٪ من السكان هم من كبار السنبين 15 و 65 (أي في سن العمل) ، تتمتع الأردن بمشاركة اقتصادية عامة منخفضة للغاية بمعدل 34٪ فقط بنهاية عام 2020.
وبين التقرير "مع ذلك ، يمكن إنشاء الغرفة من خلال المراجعة شروط الإنفاق (مثل الإنفاق الأمني) وعن طريق تنفيذ الإصلاحات السياسية التي من شأنها أن تلغي الخسائر بسبب المحسوبية والفساد. على سبيل المثال ، شكلت فائدة قروض الدين العام 17.8٪ من إجمالي الإيرادات العامة (متضمنة المنح) لعام 2020 ، و 13.6٪ من إجمالي الإنفاق العام في الجمهورية ميزانية الحكومة في عام 2020."
ويرى التقرير "على نفس المنوال ، في عام 2020 ، مثلت رواتب ومعاشات موظفي الخدمة المدنية ما يقرب من 23.8٪ من الإيرادات العامة للحكومة وحوالي 18.1٪ من إجمالي نفقات الحكومة. بالإضافة إلى ذلك ، ينفق الأردن مبالغ كبيرة على الأنشطة العسكرية والأمنية يمثل الإنفاق في عام 2020 ما نسبته 37.5٪ من إجمالي الإيرادات الحكومية و 28.6٪ من إجمالي الإيرادات الحكومية إجمالي النفقات الحكومية نتيجة لذلك ، يتم إنفاق 83.6٪ من إيرادات الحكومة و 60.3٪ من نفقاتها على أموال جامدة البنود سواء أكانت اقتصادية (الأجور وفوائد القرض) أو وظيفية (الإنفاق العسكري والأمني) من الواضح إذن أن تعزيز الإنفاق الاجتماعي في الأردن يتطلب إصلاحات مالية هيكلية طويلة الأجل لخفض الدين العام وخدمة الدين والتكاليف ذات الصلة لموظفي الخدمة المدنية والإنفاق العسكري والأمني.".
هذه المزايا لم تسحب فتيل قنبلة موقوتة تتمثل في جيوش من الفقراء والعاطلين عن العمل قد يشكلون نواة لحراك اجتماعي تخشى السلطات الأردنية أن يتكرر على غرار الربيع العربي، حسب احصائية رسمية للمجلس الأعلى للسكان أكثر من 15.7 بالمئة من السكان في المملكة، يقبعون تحت خط الفقر.
الباحث الاقتصادي، ليث العجلوني، الذي أعد القسم الخاص بالأردن في تقرير فريدريش إيبرت، يقول لـ"ميديل ايست اي"، "شهد الأردن في العشر سنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأردنيين، حيث بلغت نسبة الفقر نحو 24% في آب 2021 بحسب تقديرات لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، كما شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً ملحوظاً لتصل إلى 22.8% في نهاية الربع الأول من العام 2022 بعد أن كانت قد وصلت إلى حاجز الـ25% في نهاية الربع الأول من العام 2021".
"التراجع الحاصل مزيجاً بين العديد من العوامل التاريخية والسياسية وأخرى مرتبطة بالإدارة الحكومية والسياسة المالية واصلاحات صندوق النقد المرتبطة بها، بالإضافة لضعف شبكة الحماية الاجتماعية. وتعد العوامل السياسية مثل الإدارة الريعية للاقتصاد، والعلاقة الريعية التي حاولت الحكومات المختلفة ادارة المواطنين من خلالها كبديل عن بناء حياة ديمقراطية من اهم العوامل في إضعاف قدرة الدولة على إدارة مواردها بشكل كفؤ".
تعود علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي إلى عام 1989 ، عندما طلب الأردن مساعدة صندوق النقد الدولي بعد أزمة اقتصادية حادة ضربت البلاد في الجزء الأخير من ذلك العقد. تم توقيع الاتفاقية الأولى (ترتيب احتياطي) في عام 1989 بهدف تقليل عجز الموازنة.
وأعقب هذا الاتفاق ست اتفاقيات أخرى ، إلى أن "تخرج" الأردن من هذه البرامج لأول مرة في عام 2014 وقسمت اتفاقيات الإصلاح هذه إلى ثلاث مراحل: "تتألف المرحلة الأولى من فترة وجيزة من تحرير القطاع المالي ، وحساب رأس المال ونظام سعر الصرف ، والتي تُوجت بأزمة مصرفية مزدوجة وأزمة عملة.
و في كانون الثاني (يناير) 2020 ، قبل شهرين فقط من انتشار جائحة COVID-19 في الأردن ، توصلت السلطات إلى اتفاقية تسهيل الصندوق الممدد النهائي مع صندوق النقد الدولي ، لمدة أربع سنوات. تهدف هذه الاتفاقية في المقام الأول إلى تحسين القدرة التنافسية لبيئة الأعمال وتعزيز النمو الشامل. على عكس الاتفاقات السابقة ، لم يركز هذا المرفق على الإصلاحات المالية ، باستثناء معالجة التهرب الضريبي وإصلاح الإدارة الضريبية بهدف تحسين التحصيل.
"رضوخ لصندوق النقد الدولي"
وترى المعارضة الأردنية أن ما قامت به الحكومة منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي تحت مسمى "برنامج تصحيح اقتصادي"، ما هو إلا "رضوخ لصندوق النقد الدولي" وتطبيق لسياسات اقتصادية أفقدت الدولة حقها في مؤسسات حكومية بعد أن باعتها للقطاع الخاص.
الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت (شخصية معارضة) يقول" إن "الأردن واستجابة لضغوط سياسات صندوق النقد الدولى أقدمت على سلسلة من الحزم والإجراءات الاقتصادية والسياسات المالية والاقتصادية النيوليبرالية، وترتب على ذلك إجراءات اقتصادية انكماشية مست مصالح الفقراء والشرائح الوسطى في المجتمع، وكانت تتلخص بتحرير الأسعار وزيادة الضرائب غير المباشرة وتحرير التجارة الخارجية وإلغاء الحواجز الجمركية وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات ورفع الحماية عن الإنتاج الوطني، وتولّي القطاع الخاص قيادة الاقتصاد، وإلغاء القيود على الاستثمارات الأجنبية وتحرير أسواق المال ورفع الدعم عن السلع الضرورية، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.
حسب الكتوت "برامج صندوق النقد الدولي لم تفض إلى نتائج اقتصادية واجتماعية إيجابية؛ فقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية الحيوية اتساع مظاهر الأزمة، بارتفاع نسبة البطالة، وزيادة عدد الفقراء في البلاد، وأحدثت السياسات الضريبية آثاراً مؤلمة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي".
وفقًا لتقرير فريدريش إيبرت ، فإن نهج صندوق النقد الدولي في فرض الضرائب في الأردن تمحور حول رفع الضرائب الجديدة وإلغاء الإعفاءات الضريبية. ارتبطت هذه السياسات بزيادة معدلات التضخم مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للأردنيين ودخلهم المتاح. يوضح الشكل 6 أدناه ارتفاعات التضخم في الفترات التي شهدت إدخال ضرائب جديدة وإلغاء الإعفاءات الضريبية ".
مدير المرصد العمالي أحمد عوض يرى أن سياسة صندوق النقد ساهمت في "زيادة اعتمادية الاقتصاد الأردني على القروض والمنح الخارجية، والفشل في ضمان الاستقلال الاقتصادي للأردن، وفي إضعاف قدرات القطاعات الإنتاجية المختلفة".
يقول "هذا تسبب بتراجع قدرات الاقتصاد الوطني على توليد فرص العمل الجديدة، حيث تضاءلت من 70 ألف فرصة عمل سنويا في عام 2007 و2008 إلى 48 ألف فرصة عمل فقط في عام 2015 وإلى 35 ألف فرصة عمل جديدة في عام 2019. ما يفسر الارتفاعات المستمرة في معدلات البطالة، الى أن وصلت الى 24.1 بالمئة في عام 2021، وبين الشباب 48.5 بالمئة، وبين النساء 30.7 بالمئة".
عوامل أخرى غير الصندوق
أما وزير المالية السابق محمد أبو حمور يعتقد عدة عوامل غير سياسة الصندوق كان لها دور بهذا التراجع الاقتصادي "البيئة المحيط والدول المجاورة والربيع العربي و جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية وانقطاع المساعدات من الدول الخليجية هي التي أثرت على الاقتصاد الأردني سلبا".
يقول اي "المساعدات الخليجية التي انقطعت كانت تساعدنا في التنمية وكنا ننفق اكثر ونحافظ على مستوى عجز مقبول مع صندوق النقد، كما أن السياسات الحكومية المالية من فرض ضرائب لتوفير سيولة سحبت السيولة من يد الناس".
"من المشاكل التي تواجهنا عدم تشجيع الاستثمار وتعديل قوانين الاستثمار بشكل مستمر، الحكومات جاءت بخطط إصلاح اقتصادية لكن هذه الخطط تنتهي مع رحيل هذه الحكومات مشكلتنا مشكلة إدارة ومتابعة للخطط الاقتصادية".
وتحت ضغط سياسات الصندوق توسعت الأردن في فرض ضرائب على الأردنيين وبلغت قيمة الإيرادات العامة في موازنة الدولة الاردنية (12.55 مليار دولار)، مقارنة(11.42 مليار دولار) في 2021، بينما بلغت المنح الخارجية 848 مليون دينار (1.195 مليار دولار) .
في المقابل تقوم الحكومة والبرلمان بالبذخ على نفسها في وقت تدعو فيه المواطن الأردني لشد الأحزمة، فقد اقرت عدد من المؤسسات الحكومية مؤخرا ومنها امانة عمان الكبرى ووزارة الاستثمار شراء سياراة لاند كروزر 2022 بمبالغ كبيرة.
كما يشير تقرير فريدريش إيبرت الى الى فشل الحكومة في معالجة التهرب الضريبي كبير من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الحكومة تخسر ما يقرب من 1.128 مليار دولار سنويًا من عائدات الضرائب المستحقة إلى التهرب الضريبي ، 36 وهو ما يمثل 17٪ من الإيرادات الضريبية المحصلة سنويًا.