ضجيج حول جولات السفير الأميركي في الأردن

الرابط المختصر

 

كتب المحلل ماهر أبو طير في صحفية الغد مقالا تحت عنوان "ضجيج حول "جولات السفير الأميركي في الأردن

يقول منذ وصوله إلى الأردن، لا يكاد السفير الأميركي الجديد يتوقف عن التفاعل المباشر مع الأردنيين، مستفيدًا من كل وسيلة للتواصل معهم، إلا أن أبرز أدواته تبقى تلك التي يرتبط فيها الشعب الأردني بطعامه وثقافته. في البداية، كان السفير يعكف على تناول الأطعمة الشعبية، وهو ما بات يُعرف بـ "دبلوماسية الطعام". وفي هذه الرحلة، لم يكن الطعام الأردني الغني بالتاريخ والتنوع إلا وسيلة لدخول قلوب الأردنيين، فتناول البعض "المنسف"، وفضّل آخرون "الفلافل" و"الشاورما"، بينما اتجه آخرون نحو المشاوي. وهكذا، يتساءل الجميع: ماذا سيختار السفير من أطعمة جديدة؟ هل سيكمل السلسلة أم سيستدعي قائمة جديدة من "مطبخه" السياسي؟

لكن دبلوماسية الطعام لا تقف عند هذا الحد. فقد بدأ السفير الجديد أيضًا في زيارة الوزارات والمؤسسات الحكومية، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية، مما أثار اهتمام وسائل الإعلام والمواطنين على حد سواء. ومع ذلك، تبقى بعض الأنشطة والجولات غير معلنة، ما يثير العديد من التساؤلات حول هدف هذه الجولات السياسية المغلقة. ما هي المحادثات التي تدور خلف الأبواب المغلقة؟ وما هي أهدافه من وراء هذه الزيارات التي تبدو شاملة لجميع الجوانب السياسية والاجتماعية؟

في هذا السياق، يواجه السفير الأميركي تحديًا كبيرًا في تغيير الصورة السلبية التي تحملها الكثير من الشعوب العربية تجاه الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل دعمها المتواصل لإسرائيل. هذه الصورة السلبية التي غالبًا ما تتمحور حول السياسة الأميركية في المنطقة، تزداد تعقيدًا في الأردن، حيث يرى الكثيرون أن دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل، يعد سببًا رئيسيًا في تصاعد دائرة العنف والتوتر في المنطقة. ومن هنا، فإن محاولات السفير الأميركي لتحسين العلاقات مع الشعب الأردني قد تواجه عقبة كبيرة تتمثل في هذه الذكريات الجمعية والمواقف السياسية الراسخة.

ورغم هذه الصورة السياسية السلبية، لا يمكن إنكار أن الأردنيين يتعاملون مع السفراء الأميركيين بأدب واحترام. وهذا، ربما، يعود إلى ثقافة الضيافة الأردنية التي تضع أهمية خاصة على إظهار الاحترام تجاه الضيف، بغض النظر عن الخلفيات السياسية. كما أن هناك من يدرك أن الأردن يمتلك علاقات رسمية واقتصادية مع الولايات المتحدة، وهذا يحتم نوعًا من التوازن الحذر في المواقف الرسمية.

لكن خارج هذه الأطر الرسمية، نجد أن النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي تتناول كل خطوة يخطوها السفير. يطرح البعض أسئلة مشروعة حول دوافع هذه الجولات، منتقدين بعض الأنشطة التي قد تُفهم على أنها "مناورة" سياسية لا أكثر. هؤلاء يشيرون إلى أن كل حركة يقوم بها السفير تترافق مع أجندات سياسية قد تكون بعيدة عن النوايا الحسنة التي يُروج لها. في حين أن آخرين يرون في هذه الجولات فرصة للتواصل البناء والفتح أمام حوار سياسي أوسع بين الأردن وأميركا.

في نهاية المطاف، تبقى الجولات الدبلوماسية الأميركية في العالم العربي، ومن ضمنها الأردن، جزءًا من استراتيجية أميركية أكبر تُعنى بتعزيز وجود واشنطن في المنطقة. وكما هو معروف، تتمتع السفارات الأميركية في العالم العربي بفرق دبلوماسية كبيرة، حيث يجيد العديد من هؤلاء الدبلوماسيين العربية بلكات محلية مختلفة، سواء كانت أردنية، مصرية، سورية، أو لبنانية. وهو ما يعكس استعداد الولايات المتحدة لاستثمار وقتها ومواردها في التعامل مع هذا الإقليم المعقد والمليء بالتحديات.

وفي حين أن هذه الأنشطة ربما تعكس محاولة لتحسين الصورة، إلا أن السؤال الأهم يبقى: هل ستنجح هذه الجولات في تغيير واقع العلاقات بين البلدين؟ وهل سيستمر السفير في هذه الأنماط أم أنها مجرد خطوات أولية لبدء التواصل؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، ومع مرور الوقت، سيستمر الأردنيون في تقييم هذه الأنشطة عبر منطقهم السياسي وعلاقتهم المتشابكة مع السياسات الأميركية.

وأخيرًا، لا يمكن تجاهل أن السياسة الأميركية في المنطقة، وعلى رأسها دعم إسرائيل، تضع واشنطن في موضع محرج للغاية. فحتى لو سعى السفير الأميركي إلى تحسين الصورة، فإن كلفة هذه السياسة ستكون باهظة على سمعة أميركا في المنطقة. وبالتالي، فإن واشنطن يجب أن تدرك أنه مع كل يوم يمر، يزداد الثمن على مواقفها السياسية، ويجب عليها التفكير في تغيير سياستها بدلًا من محاولة تغيير نظرة الشعوب العربية.