2000 بئر ارتوازي في القطاع سبعة آلاف منها غير مرخصة

غزة - هدى محمد - مضمون جديد

بلديات قطاع غزة تمنع الحفر بلا ترخيص مسبق يُكلف المواطن أربعة آلاف شيقل، لجأ المواطنون إلى حلول فردية بالحفر العشوائي غير المرخص. وهذا ما جعل مواطني القطاع عرضة لمشكلة أخرى أشد وطأة.

يعاني قطاع غزة فقرا شديد في الماء الصالح للشرب، نظرا لشح الأمطار وتلوث الكثير من المياه الجارية والجوفية واختلاطها بالمياه الآسنة، ناهيك عن سرقة الاحتلال الإسرائيلي لماء وادي غزة، وبنائها السدود والحواجز على مجراه، كذلك حفرها لآبار جوفية على الحدود مع القطاع.

الحلول الفردية تجدي نفعا اليوم ولكن لجوء الغزيين إلى حفر الآبار الارتوازية للاستفادة من الماء المخزن في باطن الأرض، يصبح نفسه مشكلة استنادا الى دراسات بيئة أجرتها سلطة المياه في غزة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

بالنسبة الى هذه الدراسات فإن الماء الذي يتجمع في الآبار الارتوازية غير صالح للشرب، كونه موجود على أعماق بسيطة تجعله عرضة للتلوث بمياه الصرف الصحي.

ويقع قطاع غزة على 10% فقط من مساحة الخزان الجوفي في فلسطين التاريخية وكأن ذلك لا يكفي حيث يتعرض لاستنزاف كبير في ماءه من قبل السكان الذي يستهلكونها بآبارهم العشوائية ظانين أنهم يحافظون عليها.

وتقدر الآبار العشوائية سبعة آلاف غير مرخصة تستخرج مائة وستين مليون لتر مكعب من الماء سنويا، وفي حين تُعوض الأمطار نصف الكمية فقط، فهذا يعني عجز مائي في القطاع بنسبة 80 مليون لتر مكعب، خاصة وأن الآبار المرخصة هي 2000 بئر فقط بالكاد تضيف شيئا للنسبة العامة للمياه.

ورغم أن خطر شُح المياه في غزة يطال جميع المواطنين الذين تُقطع عنهم يوميا، إلا أن البعض يسعى جاهدا إلى حفر آبار جديدة بلا ترخيص أو إشعار لسلطة المياه. فما الذي يدفع المواطن الغزي إلى ذلك!!

لا أدفع فاتورتي
يبرر أبو بسام وهو صاحب أحد الآبار العشوائية في المنطقة الوسطى في القطاع، ذلك بالقول لـ "مضمون جديد": "أرضي تحتاج الكثير من الماء يوميا، وهذا ما لا توفره البلدية، خاصة وأن الماء يُقطع عنا باستمرار". ولكن أبو بسام يعترف: "أنا لا أسدد مستحقات الماء الذي استهلكه".

ولكن بالنسبة الى "ابو بسام" فهذا ليس مبررا لأن تكون خدمات المياه سيئة إلى هذا الحد" حسب ما يقول.

في حين وجدَ أبو خالد أحد أصحاب الأبراج السكانية أنَّ حفره لبئر ماء ارتوازي بالقرب من "البرج" وفرَ عليه مبالغ طائلة، كان من الممكن أن تتوجه إلى بلدية غزة، فهو يُحصل مبالغا على ماء البئر من المستأجرين تنتهي جميعها في حسابه، فهو غير مجبر على الدفع للبلدية، حيثُ أن "البئر ومائه" له، حسب قوله.

ما لا يستوعبه أصحاب الآبار العشوائية، هو أن "قانون المياه" الفلسطيني الذي أصدره المجلس التشريعي عام 2002 يحق للسلطات المختصة محاسبتهم على حفرهم للآبار العشوائية، وعقوبتهم تصل إلى حد الغرامة وردم البئر والحبس في حال الامتناع.

ويعتبر القانون أن جميع مصادر المياه في فلسطين ملكية عامة وفق المادة الثالثة فيه، في حين توضح المادة الرابعة في ذات البند أن أي عملية حفر لأبار مياه تستوجب ترخيصا من سلطة المياه، والمخالف لهذا يُعاقب بـ"الغرامة والردم والحبس" كما ذكرنا سابقا.

وفي ورشة عمل نظمتها عدد من المؤسسات البيئية، أكد مدير المشاريع ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي م.عمران الخروبي أن استهلاك المواطن الغزي يتراوح بين 30 إلى 90 لتر يوميا، في حين يجب أن تكون حصته وفقَ منظمة الصحة العالمية 150 لتر.
وأشار إلى أن العجز في خزان المياه الجوفية يعمل على انسياب مياه البحر إليها، مما يتسبب بزيادة نسبة الأملاح والكلوريد فيها بما يُقدر بـ400 ملغرام في اللتر الواحد، وهو ما يفوق المعدلات الطبيعية التي يجب أن تكون 150 إلى 250 ملغرام فقط.

ما سبق يؤكد جهل المواطن الغزي الذي يسعى لحفر الآبار، بالخطر الذي يسببه بنفسه جراء ذلك، وهذا ما أكد عليه مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه بغزة، م. مازن البنا عندما قال لـ "مضمون جديد": المفقود من الخزان الجوفي لا يرجع بسهولة، لأن الأمطار لا تُعوض الفاقد أبدا"، مؤكدا أن " الاستهلاك الذي يفوق الطبيعي في حفر الآبار يُضعف منسوب المياه الجوفية الأمر الذي يسمح بطغيان مياه البحر عليها، مما يغير نوعيتها للأسوأ".

وتطالب بلديات القطاع، كما المواطن العادي بالسماح لها بحفر الآبار وإنشاء شبكات مياه داخلية، الأمر الذي ترفضه سلطة المياه لتأثيره على الخزان الجوفي.

ووفقَ م.البنا: "لا نمنع المواطنين فقط من الحفر العشوائي، بل يُساق المنع على البلديات كذلك التي تطالب بحفر آبار، في الوقت الذي تكون فيه شبكتها رديئة وغير صالحة لتوصيل المياه، مما يزيد من نسبة الفقد".

ولكن ما الذي يدفع الجميع إلى الظن بأن المياه الجوفية مُتاحة لهم، وأن من حقهم الحصول عليها بلا رقابة، رغم تسببها بكل هذا الخطر؟.. سألنا م. البنا ذلك فأجاب: "توقف المراقبة على حفر الآبار، والامتناع عن الحساب والعقاب فترات طويلة، ناهيك عن ضعف خدمات المياه المقدمة للمواطنين كما ونوعا، دفعهم إلى إيجاد حلول بأنفسهم كانَ أسهلها أن يلجئوا إلى الأرض لسرقة ما في جوفها واستهلاك الخزان الجوفي العام".

وعن العقوبات التي تتخذها سلطته حاليا، أكد على الملكية العامة للمياه وفق قانون المياه عام 2002 الوارد سابقا، مُضيفا :" المخالفات لهذا القانون تحول إلى النائب العام، وهو يُغرم المذنبين بدوره غرامة تُقدر بخمسة آلاف دينار أو تقل، مع مصادرة معدات حفر البئر التي يمتلكها الجاني، كذلك يوقف العمل والاستهلاك من البئر حتى الحصول على ترخيص، وإن لم يتم ذلك.. يُردم".
المخلفات السابقة، تطال من يحفر البئر وصاحبه، وهي قوانين رادعة لو عُمل بها بحزم، وفق م.البنا.

حلول!

ورغم امتلاك سلطة المياه لخارطة تُحدد مكان كُل الآبار العشوائية في الأراضي الزراعية، إلا أنها تعزف عن التشدد في العقاب مراعاة للظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، في حين تشكل الآبار المنزلية مشكلة كبيرة خاصة وأن السلطة لا تستطيع الوصول لها، وتحديد أماكنها بدقة".

وبغض النظر عن ما يسببه المواطن الغزي من تدمير للخزان الجوفي فإن البعض يجد أن مشكلة المياه هي سياسية بالدرجة الأولى، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي كان السبب الأول في العجز العام في مياه القطاع، لذا يوصي العديد من البيئيين بضرورة الحصول على الحقوق المائية الفلسطينية من إسرائيل أولا قبلَ الضغط على المواطن الفلسطيني الذي يفتقر للنسبة العادية من المياه.

وفي الحلول الذي تناقش تعويض الفقد في خزان المياه الجوفية في القطاع في الوقت الذي لا تضيق الخناق فيه على المواطنين، قدمَ عدد من المهندسين اقتراحات لبناء محطات تحلية لسلطة المياه في غزة، وهي وفقَ عدد من الخطط الذي طالعناها أثناء إعداد التقرير تُكلف تسعمائة مليون دولار تقريبا، تُصرف على إنشاء محطة تحلية مركزية، بحيث تُنتج 80 إلى 100 ألف كوب يوميا، تعوض نقص المياه في البلديات.
كذلك محطة معالجة لمياه الصرف الصحي، في حين تستخدم المياه المُعالجة في الاستخدامات الزراعية فقط.

أضف تعليقك