اللغة الإنجليزية تحدي يواجه طلبة الطب في بداية مشوارهم الطبي

الرابط المختصر

يعد الالتحاق بكلية الطب أحد الأحلام التي يسعى العديد من الشباب إلى تحقيقها، حيث يجمع الطب بين العلم، العمل الإنساني، والرغبة في إحداث تغيير في حياة الناس. ومع ذلك، فإن هذا الطريق لا يخلو من التحديات الجسيمة، وعلى رأسها التحديات اللغوية. فجميع كليات الطب في المملكة الأردنية بما فيها كلية الطب في جامعة مؤتة، تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أساسية للتدريس. مما يتطلب من الطلبة غير المتقنين للغة الإنجليزية أن يتعاملوا مع مصطلحات طبية معقدة ومفاهيم علمية قد تبدو صعبة الفهم حتى لأولئك الذين يتقنون اللغة

قال الأستاذ الدكتور سمير محجوب، أستاذ الكيمياء الحيوية والأحياء الجزائية في كلية الطب بجامعة مؤتة واصفا مشكلة الانتقال اللغوي بأنها تحدٍّ مشترك يواجه الجميع: "الكل يعاني من هذه المشكلة حتى أنا في بداية مشواري الطبي عانيت منها لأن اللغة الإنجليزية ليست لغتي الأمّ." ويضيف أن مادة المصطلحات الطبية التي تُدرّس لطلاب السنة الأولى تعد مقدمة تمهيدية تساعد الطلاب على التعرف على المصطلحات الطبية التي سيحتاجون إليها طوال دراستهم. ولكن يبقى التحدي قائماً حتى يتقدم الطالب في سنوات دراسته.

وفيما يتعلق بتجربة تعريب الطب، سأل صوت شبابي الدكتور سمير محجوب عن رأيه بفكرة تعريب العلوم الطبي، فأشار الدكتور محجوب إلى التجربة السورية حيث تم تعريب الطب لسنوات طويلة. لكنه أضاف: "واجه خريجو سوريا صعوبات عند مشاركتهم في مؤتمرات علمية عالمية، لأن لغة تلك المؤتمرات كانت الإنجليزية، مما جعل الاستفادة منها أمراً صعباً". إضافة إلى ذلك، فإن معظم المراجع الطبية مكتوبة باللغة الإنجليزية، وهو ما يزيد من التحديات.

من جهة أخرى، تؤكد الأستاذة الدكتورة هبة عبد الكريم، أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة مؤتة، ورئيس قسم الكيمياء الحيوية والأحياء الجزائية، أن مشكلة اللغة الإنجليزية في التعليم الطبي تعد "مؤقتة" وتقل تدريجياً بالتعود. لكنها توضح: "خلال الفصل الأول، غالباً ما تتأثر علامات الطلاب وحالتهم النفسية بسبب هذا الانتقال اللغوي." وترى أن مادة المصطلحات الطبية التي تُدرّس في السنة الأولى تساعد في تمهيد الطريق للطلاب، إلا أن التحدي يبقى قائماً خلال المراحل الأولى من الدراسة.


 

أوضحت الدكتورة نسرين موافي، عميد كلية العلوم الطبية المساندة وأستاذ مشارك في كلية  الطب جامعة مؤتة، أن مشكلة اللغة الإنجليزية تظهر لدى طلاب السنة الأولى ، لكنها تتلاشى مع مرور الوقت. وتُعزى هذه المشكلة إلى سببين رئيسيين. أولاً، المصطلحات الطبية التي تمثل تحديًا للجميع، سواء كان الطالب من خلفية تعليمية قوية باللغة الإنجليزية أو من بيئة تعليمية أضعف. المصطلحات تكون جديدة على الجميع، ولكن بعد تجاوز الفصل الأول، يبدأ الطلاب في اكتساب رصيد من المصطلحات، ومع بداية الفصل الثاني تتلاشى هذه المشكلة تدريجيًا بفضل التكرار المستمر للمصطلحات، حتى تختفي تمامًا بنهاية السنة الأولى.

السبب الثاني يتعلق بالطلاب الذين يأتون من قرى أو مناطق في جنوب الأردن حيث تكون مستويات التعليم باللغة الإنجليزية أقل مقارنة بالطلاب الذين درسوا في مدارس دولية أو مدارس تعتمد مناهج قوية باللغة الإنجليزية. هؤلاء الطلاب يواجهون تحديًا مضاعفًا في السنة الأولى، حيث يعانون من مشكلة المصطلحات، بالإضافة إلى صعوبة تفسير الجمل الإنجليزية العامة. ولكن حتى هؤلاء الطلاب، مع مرور الوقت واستمرار التكرار اليومي للمحاضرات والمصطلحات باللغة الإنجليزية، يتجاوزون هذه الصعوبات تدريجيًا، وبنهاية السنة الأولى تصبح أمورهم مستقرة إلى حد ما.
 

أشارت أيضا الدكتورة أمل البطوش، نائب عميد كلية طب الأسنان جامعة مؤتة أستاذ مشارك علم التشريح وطب شرعي أسنان. إلى أهمية إعداد الطلاب منذ المرحلة الثانوية لتسهيل انتقالهم إلى الدراسة في التخصصات الطبية بكفاءة أكبر. وأكدت أن هذه المرحلة تُعتبر حجر الأساس لتشكيل مهارات الطلاب وتوجيههم نحو المجالات التي تتطلب تخصصات دقيقة. ومن هذا المنطلق، دعت إلى إدراج مساقات متخصصة تهدف إلى تأهيل الطلاب أكاديميًا ولغويًا للدراسة الجامعية في التخصصات الطبية، حيث تلعب اللغة دورًا محوريًا في فهم العلوم والتمكن منها.

وأوضحت أنَّ من بين هذه المساقات التي تقترح إدراجها في المناهج، تلك التي تركز على اللغة الإنجليزية الطبية والعلمية. وبيّنت أن دراسة مواد متخصصة في اللغة الإنجليزية خلال المرحلة الثانوية تُسهم في بناء قاعدة لغوية قوية لدى الطلاب، مما يمكنهم من التعامل بسهولة مع المصطلحات الطبية والعلمية المعقدة التي سيواجهونها في الكليات. وأضافت أن هذا الإعداد المبكر لا يقتصر على تعزيز اللغة فقط، بل يُسهم أيضًا في تقليل الشعور بالرهبة من الانتقال من الدراسة باللغة العربية إلى الإنجليزية، وهو أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الطلبة عند دخولهم الكليات الطبية.

كما شددت على أن إدخال مثل هذه المواد ضمن المناهج الدراسية الثانوية يهدف إلى تهيئة الطلاب نفسيًا وأكاديميًا لمتطلبات الدراسة الجامعية. وأشارت إلى أن تعلم المصطلحات الطبية والعلمية مسبقًا يُعزز من قدرة الطلاب على فهم المواد الأكاديمية عند انتقالهم إلى الجامعة، كما يُوفر عليهم الوقت والجهد الذي قد يُبذل في محاولة فهم أساسيات اللغة أثناء الدراسة الجامعية.
 

وترى الأستاذة الدكتورة هبة عبد الجواد، أستاذ مشارك في علم الأنسجة وبيولوجيا الخلية، أن الانتقال من الدراسة باللغة العربية إلى الدراسة باللغة الإنجليزية يمثل تحديًا كبيرًا لطلاب الطب في السنة الأولى، حتى وإن كانوا يتمتعون بمستوى جيد في اللغة الإنجليزية. ويرجع ذلك إلى وجود العديد من المصطلحات الطبية، خاصة تلك التي تعتمد على اللغة اللاتينية في المواد الأساسية للعلوم الطبية، مثل علم التشريح، علم الأنسجة، وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض. وتشير إلى أن العديد من الطلاب يعتمدون على الإنترنت لترجمة هذه المصطلحات، وهو ما تراه هدراً للوقت. من وجهة نظرها، الحل الأمثل هو حضور المحاضرات بانتظام، والدراسة بشكل متواصل دون تراكم، مع فهم المعنى العام، وعدم التردد في سؤال المحاضر عن أي استفسارات.
 

يقول الدكتور عاصم جابر الضرابعة، طبيب عام: "عند تخرج طالب الطب وابتداءه لمسيرته المهنية، يجد نفسه في مفترق طرق بين الإقامة داخل الأردن أو خارجها. الإقامة هي مرحلة التخصص، وغالبًا ما تحتاج الإقامة خارج الأردن إلى اجتياز امتحانات في اللغة الإنجليزية كشرط للقبول. يعتمد الامتحان على مهارات الاستماع والقراءة باللغة الإنجليزية، وتكون المصطلحات المستخدمة ذات طبيعة طبية. تكمن المشكلة في أن هذا الامتحان لا يتطلب تدريبًا محددًا، بل يعتمد على المحصلة العامة للغة الإنجليزية التي اكتسبها الطالب خلال مراحل دراسته الأساسية، بما في ذلك مراحل التعليم الابتدائي والثانوي، إضافة إلى دراسته الطبية. وبناءً على ذلك، فإن الطلاب قد يواجهون تحديات في اجتياز هذا الامتحان، ولكن من وجهة نظري، لا يمكن اعتبار الامتحانات باللغة الإنجليزية عائقًا، بل هي جزء من متطلبات العمل في المجال الطبي الدولي."

ومن وجهة نظر الطلاب، يرى محمد فراس الرواشدة، طالب السنة الأولى في كلية طب الأسنان بجامعة مؤتة، أن التعليم المدرسي يعتمد كلياً على اللغة العربية وحتّى مادة اللغة الإنجليزية لا نتعمق بها كطلبة كما يجب فنحن نحفظ المعاني ولا نوظفها بجمل ولا نستخدمها في أحاديثنا، مما يجعل الانتقال إلى الدراسة باللغة الإنجليزية في الجامعة صعباً.

ويرى الأيهم العميريين، طالب في السنة الثانية بكلية الطب البشري، أن مشكلة المصطلحات الطبية ليست مقتصرة على الطلاب ضعاف المستوى في اللغة الإنجليزية، بل تشمل أيضاً المتفوقين منهم. ويقول: "حتى الطلاب الذين يمتلكون مستوى جيداً في اللغة الإنجليزية يجدون صعوبة في استيعاب المصطلحات اللاتينية التي ترد كثيرا في مواد التشريح والأنسجة، ولكنَّ تكرار هذه المصطلحات ومحاولة الانغماس بها بشكل مستمر يجعلها مألوفة أكثر".

 

أما عربي العميريين، طالب في السنة الثالثة بكلية الطب البشري، فيشير إلى أن "الاعتماد على الترجمة في بداية الدراسة هو الحل الوحيد" للعديد من الطلاب. ويضيف أن بعضهم يلجأ إلى استخدام التطبيقات والقواميس الإلكترونية، لكن هذا الحل يعد غير كافٍ لتحقيق فهم شامل للمواد العلمية.
 

وفيما يتعلق بتطوير المناهج التعليمية لمواجهة هذه التحديات، أوضح الدكتور موسى الطراونة، رئيس فريق تطوير العلوم بالمركز الوطني لتطوير المناهج، أن أحد الأفكار الأساسية المطبقة على المناهج العلمية الحديثة هي "وضع المفاهيم العلمية باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب المصطلحات اللاتينية حيث وجودها." ويؤكد الطراونة أن هذا النهج يسهم في تعزيز الخلفية العلمية للطلاب، مما يقلل من صدمتهم اللغوية في السنوات الأولى من الدراسة الجامعية. وأشار إلى أن بعض المواد العلمية، وخاصة في العلوم الحياتية، تقدم المصطلحات باللغتين جنباً إلى جنب، وهو ما يساعد الطلبة في الاعتياد عليها.
 

من جانب آخر، قالت نور الشوبكي، طالبة طب في السنة الأولى، إنها تدرك أهمية اللغة الإنجليزية في التعليم الطبي، لكنها تشدد على ضرورة توفير دعم أكبر للطلاب خلال سنواتهم الأولى. وتقول: "الانتقال السريع من الدراسة بالعربية إلى الإنجليزية يسبب ارتباكاً كبيراً، لكن مع التوجيه المستمر يمكن للطلاب التغلب على هذه العقبات."

وبالإضافة إلى ذلك، ترى الشوبكي أن إدخال مواد تمهيدية في الثانوية العامة قد يساعد في تخفيف هذه المشكلة، حيث يكون لدى الطلاب خلفية جيدة في اللغة الإنجليزية والمصطلحات العلمية قبل دخولهم الجامعات.

 

يمثل التعليم الطبي تحدياً مزدوجاً يجمع بين التخصص الأكاديمي المعقد والتحديات اللغوية. وبينما يتباين مستوى الطلاب في التعامل مع اللغة الإنجليزية، تتفق الآراء على أهمية التمهيد التدريجي، سواء من خلال المناهج الدراسية في الثانوية العامة أو السنوات الأولى من التعليم الجامعي، لتسهيل عملية الانتقال اللغوي وتعزيز استيعاب المصطلحات الطبية.