محلات البلاي ستيشن في الأسواق: بين مساحات للتنفيس والإدمان الرقمي عند الشباب

الرابط المختصر

وأنت تمشي في السوق وتتأمل المحال التجارية واكتظاظ الناس، قد يلفتك في الشارع مكان ما، تجد الشباب فيه موزعين على الأجهزة، مركّزين على الشاشة وأيديهم بوضعية متشبثّة بيد اللعب، منسجمين قد لا يكترثون لأي مُجرىً خارجيّ، أمّا داخلًا فالمكان حافل، منافسات وجوّ حماسي وسيناريوهات مشتعلة والغزير من الأدرينالين المُفرز.

هذا ما تراه في محلات الألعاب الإلكترونية (البلايستيشن)، حيث يجد الشبّان أنفسهم فيه، يتفرّغون لأجله ويقضون الأوقات، يبذلون الطاقات الذهنية، ويصنعون العلاقات، ويكتسبون مهارات فريدة.

ولكــن، هل من الممكن أن تكون هذه المحلات وسيلة لاستغلال حاجات الشباب النفسية، بحكم تعلّقهم، أو إدمانهم -رقميًا وشعوريًا- على هذه الممارسة؟ 

   

أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور رامي الحباشنة يقول إن المجتمع الحديث أصبح رقميا، بسبب فرط استخدام الهاتف والألعاب الإلكترونية، حيث أنه حتّى الأكبر عمرا منّا يعيش صداقة مع هاتفه وتطبيقاته أكثر مما يعيش مع أسرته ورفاقه، مُشيرًا لعدم رفضه هذه الصورة المجتمعية إلا إذا ازدادت مخلفاتها السلبية، لخلقها حالة من الانطوائية والفردانية واللا اجتماعية وتنميتها بعض الـ (ميكانيزمات) المكتنزة داخل الفرد التي لا يستطيع التعبير عنها. 

وبما يتعلق بسبب تواجد هذه الثقافة كوسيلة ترفيه، ذكر أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري إن محلات البلايستيشن أشبه ما تكون بمحلات البلياردو في السبعينات، حيث كان الشباب يأخذونها كوسيلة لتضييع الوقت، ويُرجع سبب وجود هذه الثقافة إلى ارتفاع نسب البطالة الناتجة عن ضعف في معدلات النموّ الاقتصادي، مشيرًا إلى أنه أكثر من 40% من الشباب العاطل عن العمل يتجهون لهذه الأماكن لتمضية الوقت حسب تعريفهم.

وأضاف الحموري أن وجود هذه الثقافة بكثرة في المجتمع خطير؛ لأنه يشير إلى الاستسلام والاستكانة وعدم محاولة عمل شيء مُجدي مقابل البطالة، مقترحًا بدائلاً مفيدةً تبدأ في تبني الشباب عقلية مختلفة في التفكير، فبدلاً من تضييع الوقت والجهد والمال في هذا الاتجاه، ينبغي التوجه لتشكيل جماعات تعاونية وجمعيات تهدف الى إكساب المهارات اللازمة لسوق العمل، جامعةً بين الترفيه والفائدة، مثل المبادرات الشبابية كـ كلنا الأردن وغيرها.

وردًا على سؤالٍ حول اعتبار الشباب هذه المحلات مكاناً ثالثًا، قال الحباشنة إن الأمر يعتمد على تعريف الملاذ الآمن، أي كيف يمكن ضبط هذا المكان، وما هي الأبجديات التي قد تتوفر لدى الشاب وما تعلّمه من الأسرة، وبدلاً من الترفيه والتنفيس قد يكون هذا المكان وسيطًا لتعلم انحرافات معينة يكتسبها منه، فالمرء يهمه صديقه، فقد نغفل عن تعلّمه من الأصدقاء بعض السلوكيات التي قد تكون غير مناسبة.

وكما يُعرّف علم الاجتماع المكان الثالث: أنه أحد الأماكن التي ساهمت عبر التاريخ في خلق مشاعر التآلف، والعيش المشترك، والإحساس بالارتياح الذي يستمدّه البشر من تواجده مع الآخر، كالمقاهي والمكتبات-.
 

وأكمل الحباشنة: "عند النظر للمشهد الأردني العام فكل مجتمع وثقافة فرعية في المجتمع الأردني لها تشكيلاتها الخاصة، فهذه البيئة معتبرة لدى الشباب، حيث أن كل شاب له شخصية مستقلة بذاته، هناك من يجعل هذه الممارسة حالة من المتعة، وهناك من يتحول بطريقة تبعده عن ممارسة أولوياته في هذه المرحلة العمرية، فنحكم على التأثير بناءً سير دراسته أو عمله دون تشتت، والتحكم بانفعالاته داخل الأسرة والمجتمع."

ولفت الحباشنة إلى سبب لجوء الشبان لهذه المحلات أنه قد يكون نفسيًا، باعتقادهم أنهم لا يستطيعون التعبير عن مكنوناتهم أو الشعور بالمتعة إلا من خلال هذه الألعاب، مُنبهًا أن اللعب الإلكتروني كوسيلة للترفيه يختلف تمامًا عن المصادر الطبيعية للمتعة كالتواصل المباشر ولعب كرة القدم، حيث أن السُبل الطبيعية تنّمي مهارات مجتمعة بدلاً من التركيز على مهارة واحدة من مهارات التفكير. 

وقال مسؤول الإرشاد الطلابي في جامعة اليرموك الدكتور حسن الصباريني إن أبرز أمارات الإدمان النفسية على الألعاب الإلكترونية تتمثل في عدم شعور الفرد بالوقت أثناء اللعب، فيجلس ساعات طويلة دون الشعور بها، وقد تبدو عليه مظاهر الانفعال والغضب بشكل واضح إذا مرّت فترة قصيرة دون الممارسة وكأنما ينقصه شيء
 

وفيما يتعلق بالآثار الاجتماعية والنفسية، أكد الحباشنة خطورة الإدمان -كونه يقترن غالبًا بالألعاب الإلكترونية-؛ لعدم استطاعة تحرير الشاب من فكرة المواظبة والممارسة المستمرة التي قد تعزله اجتماعيًا عن الآخرين، لافتًا إلى احتياج الشاب للتواصل المباشر مع أقرانه بحكم أنها الوسيلة الأفضل لتنمية المهارات، فـالألعاب لا تغني عن التفاعل الوجاهي. 

"وهناك ما بين 3% و4% من هؤلاء اللاعبين مدمنون تماما على هذه الألعاب، وفي مراجعة منهجية فقد تبين أن معدل الانتشار العالمي لاضطراب الألعاب يبلغ 3.05%، وهذا يعني أنه يوجد نحو 60 مليون شخص أو أكثر يعانون من اضطراب الألعاب أو الإدمان، كما ذكرت منصة (gamequitters) أخيرا." بحسب ما ورد في تقرير محمد السناجلة لموقع الجزيرة.نت. 

 

وعبّر صالح -16 سنة- عن ارتباطه بممارسة اللعب كعادة مسيطرة قائلاً: "وأنا في المدرسة بنكون في الحصة مركزين طبيعي، بس أنا بكون همّي الوحيد وكل تفكيري هو لحظة زيارتي لمحل الألعاب بعد المدرسة، لأني بعتبر هالمكان عالمي الثاني اللي بنفصل فيه عن واقعي (الممل)." 

وأشار الصباريني أن التخفيف من الإدمان الرقمي يكون من خلال التعويد وامتلاك الرغبة الحقيقة والإرادة في التغيير، مُضيفًا أن الانشغال الحقيقي بالواجبات الوظيفية والأسرية حُلا مُجديًّا، ووجود عمل ترفيهي آخر دون الاقتصار على نفس الممارسة.

وأكمل الصباريني أن للألعاب دور في تعزيز مهارات التفاعل مع الآخرين، "فبعض الألعاب المنتشرة في المحلات تتطلب وجود شخص آخر للمشاركة أو أن يكون اللعب جماعيًا، فيساعد هذا الأمر في تشكيل علاقات واقعية طيّبة مع الآخرين قد تمتد وتتحول لصداقة إيجابية فيها الخير وتبادل المنافع والخبرات خارج نطاق اللعب، فليس بالضرورة أن تُكسب هذه الأماكن من الرفاق أسوأهم، فالأمر نسبي يعتمد على الفرد نفسه وانتباهه."


وأضاف أنه من الجيّد استغلال هذه العلاقات لتعزيز القيم الاجتماعية، خصوصًا إذا كانت النوايا والأهداف سليمة بعيدة عن فكرة أن هذا المكان لتضييع الوقت أو ساحة للإدمان ورفاق السوء وتعلّم الممارسات الخاطئة كالتدخين، لافتًا إلى ضرورة توفّر الرقابة في المحلات من قبل أصحابها بخصوص مرتادي المحلات، لتحظى بالاحترام وتضمن استمرار ارتياد الشبان لهذه الأماكن للترفيه وتغيير الأجواء.
 

وبما يتعلق بتنمية المهارات الفكرية عن طريق اللعب أوضح الحباشنة قائلاً: "لا أنكر أن ألعاب البلايستيشن تساعد في تنمية مهارات فكرية معينة، مثل مهارة حل المشكلات، ولكنها ستبقى الفرد في قالب جامد، بأن يفكر بكل المشكلات وحلها بنفس الطريقة التي يفكر فيها من خلال الألعاب، وبعد فترة زمينة يكتشف أن السيطرة على المشكلات الواقعية مختلفة تمامًا عمّا هو داخل عالم اللعب الافتراضي."

ويذكر صالح في حالهِ بالتعامل مع التوتر والمشكلات، أنه في كثير من الأحيان يترك مشاكله اليومية، ويلجأ للألعاب كوسيلة للتشتيت، ليتفاجأ بعدها باكتسابه مشكلات جديدة تتعلق باللعبة وتفاصيلها، بالرغم من ذلك يشير صالح أنه يشعر بالارتياح، لعمله أن مشكلات اللعبة هي افتراضية وغير حقيقية، علاوة على أنها تشتت انتباهه عن مشاكله اليومية، وهذا ما يكسبه شعورًا أفضل. 

وتابع الصباريني: "يمكن للشاب أن يلعب الألعاب الإلكترونية من خلال جهازه المنزلي-إن توفّر- ولكنه بالمحل يشعر براحة وسرور أكبر؛ لوجود عدد من المقومات الجاذبة مثل الشاشات الضخمة وتوفر المشروبات والأطعمة بالإضافة إلى أجواء الإثارة والحماس مع اللاعبين الآخرين، وهذا ما يدفعه لقضاء وقت أطول فيها"، مؤكدًا أنه لا يعارض ممارسة الألعاب،لأنها قد تروّح عن النفس وتشعر الشاب بالسعادة وتفريغ المشاعر السلبية، بشرط ألّا تكون على حساب الممارسات اليومية الوظيفية أو الدراسية، أو الالتزامات  المنزلية والاجتماعية، فالتوازن هو المطلــوب. 

ويؤكد صالح أن من أبرز الأسباب التي تدفعه لزيارة المحل، هي الأجهزة المتوفرة وإمكانياتها العالية، التي قد تختلف عن جهاز المنزل، وتكسبه متعة وحماسًا أعلى في ظل أجواء التنافسية بالمحل.  

واختتم الحباشنة بذكر ضعف أدوار المتابعة من الأسرة والمجتمع، قائلاً: "أصبح الشباب هُم أسياد أنفسهم، وفي نفس الوقت فإن التوازن الصحي والسيطرة الشعورية ليسا مسؤولية الشاب وحده، بل هي مسؤولية مشتركة مع الأسرة والمجتمع، مُضيفًا أنه وفي ظل الضغوط الاقتصادية والسيكولوجية والاجتماعية التي يعاني منها أفراد المجتمع نحتاج الى متابعة حثيثة ودعم دائم من قبل هذه الجهات."