باقة الغربية ... المنطقة الصناعية تعكر صفو المدينة
باقة الغربية – محمد خيري
ترزح مدينة باقة الغربية في منطقة المثلث المحتلة عام 1948، منذ عشرات السنين تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض عليها في شتى المجالات والجهات، إلى جانب حالة التلوث المستشرية فيها نتيجة لزحف المنازل والأحياء السكنية على مر السنوات باتجاه المنطقة الصناعية التي تعاني هي الأخرى نتيجة لعدم السماح بتوسعها أو حتى نقلها إلى منطقة أخرى، حفاظا على سلامة المواطنين وبيئة المدينة. وسعى أهالي المدينة خلال العقد الأخير ومن خلال بلدياتهم إلى نقل المنطقة الصناعية من جنوبي المدينة إلى شمالها حيث يكون السكان وقتئذ في منأى عن حالة التلوث التي تصيب عددا منهم بأمراض متنوعة الأشكال والألوان، بيد أن الحكومة الإسرائيلية كانت بالمرصاد من خلال التضييق على المدينة وحصارها بشوارع وبلدات يهودية، وعدم إعطاء أي فرصة للتطوير والتوسع أو تغيير في الخارطة الهيكلية. وتبدو مدينة باقة الغربية شاحبة اللون مُغبرة، نتيجة للارتفاع الملحوظ في أعداد المصانع والمنشآت، التي خلقت كارثة بيئية باتت تعكر صفوها، وتدك أحيائها بمختلف أنواع الحشرات الناقلة للإمراض، حيث غصت المستشفيات بالكثيرين في الآونة الأخيرة.
المرض .. قاسم مشترك
ويعاني المواطن محمد أبو مخ الذي يقطع في احد أكثر الأحياء قربًا على المنطقة الصناعية نتيجة، لأمراض مزمنة تلم به وأفراد عائلته، مع إطلالة شمس الصيف من كل عام. وكان أبو مخ تلقى علاجًا لأكثر من ثلاثة أسابيع في احد المستشفيات الإسرائيلية نتيجة لمرض نادر أصابه، عرف مؤخرًا انه نقل إلى جسده عبر الباعوض السام الذي يكثر في تلك المنطقة، ونتيجة لتلوث بيئي ذو منسوب كبير. وقال :" الحكاية ليست حديثة العهد، نحن أول من يصاب بالإمراض في كل عام نتيجة للتلوث وخاصة بالصيف، حيث يكثر انتشار أنواع غريبة من الحشرات في المنطقة، إلى جانب تبخر بعض أنواع العصارات الناتجة عن دفن النفايات أو حرقها". ولفت إلى انه يتلقى التطعيم المناسب في كل عام وقاية من هذه الأمراض التي ليست حكرًا عليه وحده، " فالأمراض تصيب معظم سكان الحي بلا تفريق بيننا، ولا تشكل قاسمًا مشتركًا مع باقي سكان المدينة، أو على الأقل هي تكثر بيننا نحن وأولادنا". وأشار إلى انه قدم شكوى إلى بلدية باقة الغربية لمساندته والوقوف إلى جانبه، وانه ما زال على اتصال " علنا نستطيع تقديم حل لهذه الأزمة، بعيدًا عن التسبب في مخاسر اقتصادية لأصحاب المصانع الذين هم أهلنا، ولكننا فقط نسعى إلى فرض حالة من الرقابة البيئية والوقاية".
كارثة بيئية
ويقول الخبير البيئي الدكتور نعمان غنايم إن مساحة المنطقة الصناعية في باقة تبلغ زهاء 40 دونمًا مربعًا، لافتًا إلى أنها ومنذ البداية لم تكن خاضعة لأي مواصفات عملية من شانها أن تحافظ على بيئة المدينة والأحياء". ولفت غنايم إلى أن المنطقة مزدحمة بالمصانع وورشات العمل وبخاصة ورشات تصليح السيارات التي تصدر الغازات السامة والزيوت، إلى جانب مصانع اللحوم ومخازنها، مشيرًا إلى أن دفن اللحوم أو حرقها هو السبب الرئيس لحالة التلوث التي تجتاح المدينة. وأوضح أن مدينة باقة الغربية تق على خزان مياه جوفي، حيث تسبب المنطقة الصناعة تلوثًا حادُا لمصادر المياه الشحيحة في الأصل، وذلك نتيجة لعصارات النفايات الصناعية العشوائية. وقال إن " السبب الرئيس في هذه النكبة، هو عدم سماح الحكومة الإسرائيلية بتوسيع المنطقة الصناعية، أو إيجاد حل نهائي للازمة، عدا عن عدم خضوعها للراقبة الصارمة التي تخضع إليها المناطق الصناعية في البلدات اليهودية حفاظا على أرواح السكان ونقاء محيطهم".
زيوت وغبار وأمراض
وأكد أن ازدحام المصانع وحالة عدم الوعي الكافي بالمكاره البيئية الصادرة عن النفايات لدى السكان، يزيد الأمر صعوبة، لافتًا إلى أنواعا كثيرة من الحشرات بدأت تغزو الأحياء السكنية ناقلة الأمراض، إلى جانب تكدس ذرات الغبار الراسب نتيجة لحرق تلك النفايات، والذي بكل تأكيد خلق بيئة سامة". وقال غنايم إن" هناك قاسمًا مشتركًا بين ساكني الأحياء القريبة من المنطقة الصناعية، وهو تعرضهم بشكل مباشر إلى أنواع كثيرة من الأمراض نتيجة لتكاثر الباعوض الناقل للسموم". وأشار إلى أن الحل الوحيد يكمن في رفع مستوى التوعية لأصحاب تلك المصانع وعوام الناس بخطورة الوضع البيئي في المنطقة، إلى جانب السعي الجاد وبكل حزم إلى إخضاع الحكومة الإسرائيلية للموافقة على نقل المنطقة إلى فضاء آخر بعيد عن الأحياء السكنية.
اكتظاظ يعكر الأجواء
بدوره، أوضح يزيد مواسي وهو صاحب مصنع" لتكرير المواد البلاستيكية وإعادة تصنيعها" في باقة الغربية، أن " السبب الرئيس في التلوث البيئي هو عدم توفير منطقة ملائمة لدفن النفايات أو إعدامها، فنضطر إلى تجميعها معظم الوقت إلى حين العمل على نقلها إلى مناطق أخرى، مما يسبب حالة التلوث". وأشار إلى أن المنطقة الصناعية باتت مكتظة للغاية وأنها لم تكن معدة لاستقبال هذا العدد الكبير من المصانع، " هذا الاكتظاظ بدون أدنى شك من شانه أن يلوث البيئة نتيجة لانبعاث الغازات السامة وانتشار الغبار في الجو ". بريق الأمل من جانبه، قال مجدي كتانة وهو القائم بأعمال رئيس بلدية باقة الغربية إن " بريق أمل بات يلوح بالأفق، حيث ستتخلص المدينة قريبًا من التلوث البيئي الناتج عن المنطقة الصناعية". وأشار إلى وجود اتصالات مكثفة ما بين البلدية ووزارة البيئة الإسرائيلية، وتقديم خرائط بديلة لنقل المنطقة الصناعية إلى منطقة مغايرة، بتكلفة نحو 20 مليون شيكل إسرائيلي، وفي أعقاب ذلك " ستعود باقة الغربية إلى نضارتها ونقائها من جديد، وأتوقع أن نقوم بالخطوات الأولى قريبًا".
إستمع الآن