"وادي غزة".. "حياة" منعدمة و"حرمة" منتهكة

غزة/ عبد الله يونس- مضمون جديد: تتناوب معاناة سكان منطقة "وادي غزة" ما بين فصلي الشتاء والصيف، فكل فصل يحمل مشاكل مختلفة وكلها تعيق استمرار الحياة، بسبب عدم الاهتمام البلدي بهذه المنطقة التي كانت قبل عقود من الزمن من أجود المناطق الزراعية والسكنية في قطاع غزة. روائح كريهة يتبعها حشرات ضارة هي أبرز ما يعاني منه المواطنين في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء فيرتفع منسوب هذا الوادي ليغرق سكان المنطقة ويقتل مواشيهم ومزروعاتهم، عدا عن الأضرار التي تلحق بالتربة وتجعلها أرضاً مليئة بالحشرات الضارة بالزراعة وبمياه البحر المتوسط أيضاً الذي يصب فيه الوادي ويجعل شواطئه خضراء اللون. هذه السلبيات جعلت من سعر العقارات في هذه المنطقة أرخصها في كافة مناطق قطاع غزة، فالسكان المحليون لا يرغبون في استنشاق روائح كريهة على مدار الساعة ومعايشة المعاناة التي تصدر عن هذه المشاكل الناتجة. معاناة صيفية وتحدث المواطن عيسى الخزندار الذي يقطن في منطقة وادى غزة، من مشاكل الوادي في فصل الصيف، حيث تكثر فيه الحشرات والفئران الأمر الذي يؤثر سلباً على حياة أطفاله ومزروعاته من القمح والشعير. وقال: "إن الوادي أصبح مجرى لمياه الصرف الصحي الملوثة، ولم يعد مياها نظيفة يمكن الاعتماد عليها في الزراعة أو ما شابه، وأصبح جغرافياً لا يحمل أي فوائد للسكان أو للتربة، بل زادنا مشاكل وهموم وجعلنا نحسب الأيام على أمل وعود حل هذه المشكلة". وأوضح أنه عرض أرضه وبيته للبيع بأرخص الأثمان نتيجة هذه المعاناة، إلا أن المواطنين لا يفكرون في امتلاك منزل يعد قطعة من الجحيم –وفق تعبيره. وبيّن أن وجود هذه الحشرات والقوارض الضارة، أدى إلى خسارته محصوله المزروع قمحاً الموسم الماضي، وعبر عن خشيته من أن يكون مصير الموسم الحالي ذات النهاية. وأضاف: "لقد تسببت هذه القوارض بإتلاف مزروع القمح، كما أنها كانت تقضم موصلات المياه وأكياس الدقيق المخزنة وخسرت المحصول بكامله لأنه كان تالفاً". وطالب الخزندار جميع الجهات الحكومية والدولية لإغاثة منطقة وادي غزة، والعمل على إنهاء مشاكلها كلياً، مشيراً إلى أنه رغم الإعلان عن تنفيذ مشاريع عديدة في المنطقة إلا أن أحدها لم يتم تنفيذه حتى اللحظة. معاناة شتوية بدوره، يوضح المواطن فهد عبيد (49 عاماً) ويسكن في منطقة وادي غزة، أن كافة السكان المقيمين على جانبي الوادي من منطقة جحر الديك شرقاً إلى منطقة المغراقة غرباً، يعانون من ارتفاع منسوب مياه الصرف الصحي التي تنساب فيه، بفضل تجمع مياه الأمطار التي تؤدي إلى انسيابه وتدفقه إلى البيوت المجاورة. وبيّن أن المواطنين يخشون في كل فصل شتاء أن تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بفتح سد مياه الأمطار الواقع في المناطق المحتلة، وأضاف: "إن هذا الفعل سيؤدي إلى تشريد المواطنين وقتل المواشي والمحاصيل الزراعية، وهنا تكمن مشكلة أخرى أننا باقون تحت رحمة الاحتلال هنا". وأكد أن نحو 200 رأس من الماشية نفقت بعد غرقها خلال أحداث فتح الاحتلال لسد المياه عام 2010 بشكل مفاجئ، فيما تكبد عشرات المواطنين بخسائر مالية فادحة في محاصيلهم الزراعية. وفتحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في شتاء عام 2010، سد مياه وادي غزة، ما أدى إلى حدوث فيضان أغرق منازل المواطنين وقتل عشرات المواشي ودمر عشرات الدونمات من المحاصيل الزراعية. مشاكل وتعديات من جهته، أكد الخبير البيئي رائد صافي، أن وادي غزة كان يوفر نسبة كبيرة من الأراضي ذات التربة الرطبة التي تمتاز بالإنتاجية العالية على مستوى العالم بالزراعة ووفرة الانتاج الزراعي، إلا أنه يرى أن غياب التشريعات والقوانين ساهم في تدهور الوضع في منطقة وادي غزة. وقال صافي: "إن وادي غزة يعد محمية طبيعية تاريخية، تنساب إليه المياه من جبال الخليل، غير أن ما قام به الاحتلال الإسرائيلي من نصب المصائد المائية أفرغ الوادي من المياه وجعله جافاً ما حوله إلى مكباً للنفايات الصلبة والسائلة كمياه الصرف الصحي وتعدي المواطنين سكان المنطقة عليه ليصاب الوادي بضرر كبير امتد إلى الخزان الجوفي والبحر الملاصق له. وأضاف: "تحول وادي غزة إلى تجمعات للمياه العادمة والنفايات الصلبة، ومبعثاً للروائح الكريهة والحشرات الضارة والمؤذية للإنسان والتربة والبيئة، وانقراض مظاهر الحياة من المنطقة وانعدام وجود الطيور والحيوانات الأليفة"، مشيراً إلى أن تلوث هذا الوادي بمياه الصرف الصحي أثر على المنظر الجمالي وأضر بالخزان الجوفي ولوث مياه البحر. وأوضح صافي أنه كان من المفترض أن تكون هذه المنطقة محمية طبيعية وليس مبعثاً لما هو مكروه وغير صحي ويدعو لهجرة المواطنين منها، مشدداً على أن الحل الأمثل لمشكلة وادي غزة تكمن في حل مشكلة المياه العادمة المتدفقة إليه. وتابع: "يجب أن يكون هناك حلول بلدية وحكومية لمنع تدفق المياه العادمة للوادي، وهذا يجعله أشبه بوادي صرف صحي وليس وادي طبيعي وتحفة طبيعية"، متهماً حكومة غزة بإهمال الوادي وعدم الاهتمام به ورعايته. وذكر أن دراسة أُجريت على الوادي خلصت إلى ضرورة وضع حل سريع وطارئ لهذه المشكلة، مبينًا أنه يتم ضخ 60 ألف كوب من المياه العادمة بالمنطقة الممتدة من شارع صلاح الدين وصولًا إلى منطقة البحر غربًا. كما طالب صافي بلدية غزة بالتوقف الفوري عن ضخ المياه العادمة في وادي غزة بشكل نهائي، خاصة وأن أغلب التلوث كان في منطقة المصب، بالإضافة إلى أن التربة ملوثة بكثير من الملوثات، مما ينتج عنه انتشار البعوض والجرذان والأمراض الناجمة عن تلوث المياه". مسئولية من؟! من جهته، قال رئيس سلطة جودة البيئة د. يوسف إبراهيم: "نحن نعلم الواقع الذي تعيشه البلديات، ولكن هذا لا يعني أن نقف عاجزين أمام المشكلة التي تواجهنا جميعاً"، مشيراً إلى أن بلديات المنطقة الوسطى بأكملها تعاني من أزمة في محطات الترحيل المؤقتة لمياه الصرف الصحي ما يجعلها تصب في وادي غزة. وأكد إبراهيم أن بلدية غزة وبلديات المحافظة الوسطى، لديها أنابيب صرف صحي تصب في مجرى وادي غزة وأن سلطته تواصلت مع البلديات للعمل على تنظيف مجرى الوادي، وأن يكون هناك التزام من الجميع بعدم وضع النفايات فيه. وبيّن أن هناك ثلاثة محاور للحفاظ على وادي غزة، أولها تنظيف وادي غزة من النفايات الصلبة، ثم إزالة التعديات على قسيمة الوادي، والمحور الأخير هو إعادة تخطيط الأراضي المجاورة لوادي غزة، لما يخدم كونه مجرى مائي دائم ومحمية طبيعية. ولفت النظر إلى أن مسئولية وادي غزة تتقاسم على مجموعة من البلديات كونه يقع في منتصف قطاع غزة، مشدداً على ضرورة وضع نظام قانوني بلائحة تنفيذية تحاسب كل المتعدين على حرم الوادي. مشاريع قادمة من ناحيته، تحدث رئيس مصلحة بلديات الساحل، د. منذر شبلاق، عن المشاريع التي يحتاجها الوادي لإعادة الحياة فيه من جديد، وقال: "الحل الاستراتيجي لإنهاء هذه المعاناة يكمن بإقامة محطة معالجة لمياه الصرف الصحي شرق المنطقة الوسطى بتمويل من بنك التنمية الألماني، ولكن المشروع الذي كان بكلفة (170 مليون يورو) تم تأجيله بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة، ولم يتم إلغاؤه كما تردد". وأوضح شبلاق أن تأجيل المشروع فاقم من المشكلة في وادي غزة، نظرًا لأن المنطقة بحاجة إلى محطة معالجة للمياه العادمة كون محطة الشيخ عجلين لا تكفي"، مشيرًا إلى أنه تم اللجوء إلى الحل البديل والمؤقت لإنقاذ الوادي كمحمية طبيعية مع التنويه إلى أن الأولوية تقتضي بإنقاذ المنطقة لحماية السكان باعتبار تلوث الهواء والماء فيها. وأوضح مدير مصلحة مياه بلديات الساحل أن الحل كان بدعوة عاجلة لتكثيف جهود كافة الجهات المعنية كسلطة جودة البيئة والحكم المحلي وسلطة المياه والبلديات المحيطة في الشروع بتجميع ومعالجة مياه الصرف الصحي والاستفادة منها إما في الزراعة أو إعادة ضخها في مياه البحر بعد معالجتها لعدم الإضرار بالبحر إلى حين إنشاء محطة الصرف الصحي المركزية في المنطقة الشرقية. وقال شبلاق: "تم عرض المشروع على هيئة الصليب الأحمر وقدمت الموافقة على تنفيذه بعد دراسة الأهداف والمخططات والانتهاء من دراسة الجدوى للمشروع ليغدو الآن في طور التنفيذ حلاً مؤقتًا لمشكلة وادي غزة خلال الشهور القادمة بتكلفة تصل إلى 2 مليون دولار". وأضاف: "يشمل المشروع فعاليات منها تجميع مياه الصرف الصحي شرق وادي غزة في شارع صلاح الدين بخطوط ناقلة تحت الأرض حتى لا يعاني المواطن من رائحة مياه الصرف الصحي أو منظرها". وشدد على أنه في حال إعادة الهيبة إلى حرم وادي غزة فإن ذلك يعني عودته إلى وضعه الطبيعي كمحمية طبيعية، مجدداً تأكيده أن تحقيق ذلك مرتبط بإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة.

أضف تعليقك