ميناء غزة .. استشهد عرفات وغاب شيراك وما زال ينتظر المخاض

الرابط المختصر

قطاع غزة – محمود أبو الهنود - مضمون جديد

تلك الابتسامة العريضة التي ظهرت على وجهي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وهما يضعان حجر الأساس لإنشاء أول ميناء بحري دولي على شاطئ بحر غزة قبل نحو عشرة أعوام وتحديداً في نهاية العام 2000م، اختفت سريعا، وظهر ان الآمال التي يرقب الجميع تحقيقها كانت سرابا.

ما أعلن عنه رسميا من ان انجاز مشروع ميناء القطاع سيتم خلال مدة لا تتجاوز الـ 25 شهراً، يظهر انه اليوم حلم.. مجرد حلم سعيد.

لم يكن يعلم الرئيسان حينها انهما سيرحلان من دون ان تنفذ شركة بالاست نيدم الهولندية المشرفة على المشروع ما وعدت به.

لم يكن الميناء عنوانا للسيادة وحسب، حينها طارت أحلام الغزيين حتى أوصلت القطاع الى صفوف مدن تضاهي مدن سنغافورة، من دون أن يتذكر الكثيرون ان عليهم الانعتاق اولا وثانيا وثالثا من الاحتلال وسيطرته على حياتهم.

اليوم كما دائما يربض الاحتلال على بعد أمتار قليلة من غزة. كيف تنجح فكرة الميناء وهناك كيان احتلالي يرى في نجاحك هزيمة ساحقة له.

وكان وزير الاقتصاد الفلسطيني د. حسن أبو لبدة صرح في مؤتمر صحافي قبيل عيد الفطر أنه في حال تم إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، فيمكن للاقتصاد الفلسطيني أن يكبر مرتين عما هو عليه الان".

يعلم كل الفلسطينيين ذلك، فالاحتلال هو دائماً العائق أمام جهود التنمية في الأراضي الفلسطينية.

وكانت فكرة إنشاء ميناء بحري دولي في غزة لأغراض النقل والتجارة الحرة نابعة من الحاجة الملحة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني ومحاولة تحقيق استقلاليته عن الاقتصاد الإسرائيلي الذي ارتبط به طوال السنوات الماضية.

يقول عز الدين عرفات مدير شركة أطلس الدولية للسياحة والسفر في حديث لـ "مضمون جديد": نريد نافذة لنتنفس ونتواصل مع العالم، الميناء ليس امرا اقتصاديا للغزيين هو "بوابة الحرية" بالنسبة اليهم.

الحاجة "ام عبد الله" تستشهد بتجربتها لاداء العمرة قالت لـ "مضمون جديد": رحم الله الراحمون. هي تشير الى الارتفاع الكبير في تكلفة العمرة التي بلغت هذا العام 620 دينار أردني نحو الف دولار.

السفر قطعة من العذاب دائما ولكن بالنسبة الى الغزيين هو كل العذاب. من هنا بطالب المواطنون الإسراع في "إنشاء ميناء بحري يمكن من خلاله التواصل مع العالم وتوفير تعب المشقة عليهم باضطرارهم للسفر عن طريق الأراضي المصرية، وإعادة ترميم وتشغيل المطار الذي دمره الاحتلال خلال الحرب الاخيرة".

سألنا الكثير من المواطنين: هل تفعل الجهات الرسمية ذلك رغم الحصار: فاجابوا جميعا: رغم الحصار".

رغم مرور 18 عام على توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي والتي جعلت للفلسطيني حق في انشاء ميناء بحري، ومطار دولي، لا يوجد للفلسطينيين سوى ميناء بحري صغير على شاطيء غزة يستخدم في الغالب كمرسى لقوارب الصيادين، ويتم من خلاله استقبال بعض الوفود الدولية القادمة لغزة عبر البحر كسفن فك الحصار والمتضامنين الدوليين، التي لا تسلم في الغالب من قرصنة الاحتلال .

وتحيط بقطاع غزة سبعة معابر، تخضع ستة منها لسيطرة إسرائيل ( معبر المنطار – معبر بيت حانون – معبر العودة " صوفا " – معبر الشجاعية " ناحل عوز " – معبر كرم أبو سالم – معبر القرارة " كيسوفيم " – معبر رفح ) بينما يدار معبر رفح منذ فترة من قبل الطرفين الفلسطيني والمصري .

ومنذ عام 2007م تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا مطبقا على القطاع تمنع فيه دخول المواد التموينية والأدوية ومواد البناء والمحروقات بأنوعها، وهو ما اضطر الغزيين لشق الأنفاق عند حدود الأراضي المصرية، لإدخال مستلزمات الحياة من مواد غذائية ومواد بناء وأجهزة كهربائية والسيارات. ويتم كل ذلك في ظل عدم حصول الفلسطينيين على استقلالهم الاقتصادي.

يقول أحمد الحايك مدير شركة سعدي الحايك للتجارة العامة في غزة لـ "مضمون جديد": جميع البضائع التي تستوردها الشركات الفلسطينية في قطاع غزة يتم شحنها إلى ميناء اسدود، حيث تمر بعدة مراحل حتى يمكن استلامها" دفع جمارك باهظة، تكلفة نقل مرتفعة تقدر ب 5000 شيكل أحياناً لكل شاحنة، وهو ما يشكل عبء كبير على الشركات المستوردة وعلى المستهلك الذي تصله السلعة بسعر أعلى من المطلوب.

ناهيك عن تحكم الاحتلال بنوعية وتوقيت إدخال البضائع التي يفسد أحياناً جزء كبير منها نتيجة سوء التخزين في الموانيء الاسرائيلية و الاحتفاظ بها فترة طويلة تصل إلى مدة ثلاث سنوات في بعض الاوقات.
واضاف أن إنشاء ميناء بحري في غزة يعد ضرورة اقتصادية وطنية للتغلب على المشكلات الناتجة عن الاحتلال الإسرائيلي، وللنهوض بالاقتصاد الفلسطيني.

هو قول شاركه في مضمونه مصعب السراج محاسب الشركة الفنية للصناعة والتجارة والمقاولات في القطاع الذي اكد على أهمية العمل على انشاء ميناء بحري دولي في غزة يسهل على التجار حرية تنقلهم ويساهم في حل مشكلة سيطرت الاحتلال على المعابر والاغلاقات التي يقوم بها بين الحين والاخر.

وأضاف السراج أن الخسارة الناتجة عن عدم وجود ميناء بحري في غزة تتحمل الجزء الاكبر منها الشركات التجارية، في ظل صعوبة التكهن بنتائج حسابات الكميات المطلوبة وهو ما يضطر الشركات الى طلب كميات زائدة عن الحد المطلوب نظرا لصعوبة إدخال البضائع والاغلاقات المستمرة.

وأوضح محمد التلباني مدير شركة مصانع العودة للبسكويت أن الحصار الإسرائيلي وتحكم اسرائيل بالمعابر التجارية أثر بشكل كبير على حرية نقل البضائع من والى قطاع غزة، مشيراً إلى أن الميناء البحري الدولي الذي كان مزمع انشاءه قبل عدة أعوام كان بامكانه التغلب على مشاكل الاستيراد والتصدير، فمنذ بدء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة لم يسمح للشركات التجارية بتصدير بضائعها للخارج بما فيها أراضي الضفة الغربية التي تعتبر جزء من أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.

وكان الدكتور علي شعت رئيس سلطة الـموانئ البحرية قد أوضح في ورشة عمل نظمتها الوزارة وسلطة الـموانئ في مقر الـمنسق الخاص للأمم الـمتحدة "اليونسكو" في مدينة غزة بتاريخ 10/ ايلول / 2005 ، أن تكلفة إنشاء الميناء بناء على العقد الموقع احدى الشركات انذاك كانت تبلغ حوالي 6ر83 مليون دولار، ويستغرق انشاءه مدة عامين.

في حينه قال شعت ان مشروع انشاء الميناء سيوفر بعد تشغيله مورد دخل قومي من خلال خدمات النقل البحري، حيث سيوفر ما يتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار سنوياً من مدفوعات الجمارك وأرضيات البضائع القادمة عبر الموانيء الاسرائيلية، مشيراً الى أن الميناء يمكنه توفير نحو 1800 فرصة عمل خلال مرحلة الانشاء، وحوالي 5 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة أثناء التشغيل، كما سيسهم الـمشروع في اقامة وتوثيق الروابط مع قطاعات الاقتصاد القومي التجاري، وسيحد من التبعية الاقتصادية الفلسطينية، إضافة للعمل على تحرير الصادرات والواردات من القيود الـمفروضة، وسيفتح الـمجال أمام ترويج الصادرات.

وتفرض إسرائيل على أصحاب الشاحنات الداخلة الى اراضي الـ 48 الحصول على تصاريح خاصة والتي يندر منحها للتجار إضافة الى ان شاحنات قطاع غزة يجب ان تخرج بنظام قوافل وبحراسة إسرائيلية الى ان تصل ميناء الشحن، الأمر الذي يحد من العملية التجارية بسبب قلة التصاريح الممنوحة أولا وإضافة عبء مادي ومعنوي على التاجر ثانياُ ً وفقدان القدرة التنافسية للسلع الفلسطينية نتيجة ارتفاع أسعارها خارجيا.

كما يتوجب على الشاحنات الفلسطينية إتباع نظام التحميل والتنزيل للبضائع على المعبر للدواعي الأمنية الإسرائيلية الأمر الذي يتطلب الانتظار لساعات طويلة تحت الشمس والذي بدوره يؤدي الى إتلاف البضائع وخاصة المنتجات الزراعية إضافة الى التكاليف الباهظة التي يتكبدها التاجر الفلسطيني، إضافة لعدم السماح للمخلصين الفلسطينيين بمتابعة الشحنات داخل الموانىء والمطارات الإسرائيلية مباشرة وإنما عبر وكيل إسرائيلي معتمد للقيام بإجراءات التخليص.

وقال الدكتور ماهر الطباع مدير العلاقات العامة بالغرفة التجارية الفلسطينية لمحافظات غزة في حديث لـ "مضمون جديد" إن إنشاء ميناء بحري في قطاع غزة يعتبر من أهم المشروعات الإستراتيجية على الصعيد السياسي و الاقتصادي فهو من جهة سيجسد الحقوق الفلسطينية في المياه الإقليمية.

كما انه - والقول للطباع - سيساهم في دفع عجلة التنمية في قطاع غزة، وينعكس على الاقتصاد الفلسطيني ايجابا كونه يؤدي إلى زيادة نشاط الحركة التجارية بين فلسطين ودول العالم المختلفة، باعتباره أحد الركائز الهامة لربط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي.\

واشار إلى انشاء الميناء البحري لقطاع غزة سوف يعمل على تنمية الصادرات و الصناعات المحلية و الخدمات التجارية وسيساعد على زيادة الناتج المحلى ورفع مستوى الدخل وخلق فرص عمل دائمة يمكنها المساهمة في حل مشكلة البطالة المرتفعة في قطاع غزة , والتخلص من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي ليصبح بالإمكان الوصول لاقتصاد فلسطيني حر.

ونوه الطباع إلى أن إنشاء ميناء بحري يتمتع بسيادة فلسطينية مستقلة من دون أي تدخل للجانب الإسرائيلي سوف يساهم في حل 90% من إشكاليات المعابر لان جميع البضائع المستوردة سوف تأتي مباشرة إلي قطاع غزة كما أن تصدير المنتجات الصناعية و الزراعية للعالم الخارجي سوف يكون بحرية دون تدخل الجانب الإسرائيلي والذي يمنع التصدير من قطاع غزة منذ عدة سنوات.