مكب "زهرة الفنجان" في جنين..حياة بطعم النفايات

الرابط المختصر

الضفة الغربية - جنين: قيس أبو سمرة، أعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد

"حياتنا باتت بطعم النفايات". بهذه العبارة يلخص عبد الناصر عودة من بلدة المنصورة قرب جنين شمال الضفة الغربية معاناة البلدة ونحو سبع بلدات وقرى اخرى تجاور مكب "زهرة الفنجان" الضخم الذي اقيم في المنطقة قبل نحو اربعة اعوام.

ويقول عودة لـ"مضمون جديد" متنهدا "لا نريد سوى أن نعيش بلا روائح تكدر عيشنا ولا حشرات تنقل الأمراض إلينا، هذا حق طبيعي لكل مواطن".

ويضيف "اصبحنا لا نستطيع العيش وسط الروائح المنبعثة من المكب، واسراب الذباب التي تهاجمنا في النهار بينما يتسلم البعوض المهمة منها ليلا. بتنا لا نستطيع فتح نوافذ البيوت ولا السمر في ليالي الصيف خارجها".

وقد انشئ مكب زهرة الفنجان للنفايات الصلبة عام 2007 على مساحة 95 دونما في جنوب غرب جنين.

وهو يقع ضمن منطقة "ج" التي تخضع للسيطرة الاسرائيلية.

وتقول السلطة الفلسطينية ان المكب يخدم مليون مواطن في محافظات الضفة الشمالية، وان انشاءه سمح باغلاق 86 مكبا عشوائيا كانت تحتل مساحة 1200 دونم متفرقة في تلك المحافظات.

ويخدم المكب بحسب خطة انشائه محافظات جنين ونابلس وطولكرم وقلقيلية وطوباس وسلفيت.

وقد بلغت تكلفته 13.5 مليون دولار، من بينها 10,5 ملايين جاءت على شكل قرض من البنك الدولي فيما تبرع الاتحاد الاوروبي بالملايين الثلاثة المتبقية.

انجاز وطني ولكن!

ويباهي المسؤولون الفلسطينيون بان المكب الذي يعمل باسلوب طمر النفايات بالتراب، هو الاول من نوعه على مستوى الشرق الاوسط الذي يطبق مواصفات بيئية وفنية عالمية.

لكن اهالي البلدات والقرى المجاورة يتساءلون: لماذا تنبعث من المكب روائح كريهة طالما أنه مصمم وفق المعايير العالمية؟.

وهم ربما يقدمون جزءا من الاجابة عندما يشيرون الى ما يصفونها بتجاوزات في المكب، حيث تدخل اليه ناقلات نفايات في وقت متأخر من اليوم وتفرغ حمولتها وتبقى دون طمر حتى اليوم التالي مما يسبب في انبعاث روائح.

المواطن عودة يقر من جهته بان المكب يعتبر انجازا وطنيا "استراتيجيا"، لكنه يأخذ عليه سوء ادارة العمل فيه، الامر الذي يتسبب لهم بالمعاناة.

ويقول "انا مع هذا المشروع الاستراتيجي الكبير. ولكن عليهم أن يعطونا حقنا في الحياة وان يتعاملوا مع النفايات بالطريقة الصحيحة وان لا تبقى دون طمر لأوقات طويلة".

والمعاناة التي يتحدث عنها عودة هي ذاتها التي تجدها لدى سكان البلدات والقرى المجاورة للمكب وهي: المنصورة، وادي الدعوق، عنزة، مركة، الحفيرة، الزاوية، وأجزاء من عرابة وبير الباشا.

فهذه أم محمود من بلدة عرابة تؤكد انه رغم بعد بلدتها نسبيا عن المكب، الا ان الروائح الكريهة تصل إلى بيتها صيفا ولا تستطيع فتح النوافذ لشدتها.

ومن ناحيته، يقول معتز الباشا "بتنا نفكر فعليا بالرحيل عن بيوتنا والبحث عن مكان نعيش فيه حياة طبيعية بعيدا عن روائح المكب وغزو اسراب البعوض والذباب".

ويبعد المكب بنحو ثلاثمئة متر عن اقرب تجمع سكاني وهو قرية المنصور، حيث يعاني طفلان من مرض "الربو". ويقول رئيس مجلسها القروي عبد الكريم اجمعان "نخشى أن يكون المرض ناتجا عن الروائح التي يستنشقانها".

مركبات إسرائيلية!

ورغم اقتصار عمل المكب على استقبال النفايات الفلسطينية إلا أن مصادر موثوقة اكدت لـ"مضمون جديد"، انها رصدت مركبات تحمل اللوحة الإسرائيلية تدخل اليه وتفرغ حمولتها في ساعات متأخرة.

وأضافت المصادر أن الشاحنات تابعة لشركة "مجيدو" الإسرائيلية" التي ينحصر نطاق عملها في مستوطنات شمال فلسطين المحتلة عام 1948.

من جانبه لم ينف هاني شواهنة، مدير مكب زهرة الفنجان دخول مركبات تحمل اللوحة الإسرائيلية، معللا ذلك بأنها تجلب نفايات بلدة برطعة الواقعة داخل الجدار العازل بالإضافة إلى نفايات مدينة قلقيلية.

وأضاف قائلا لـ"مضمون جديد" ان "السلطات الإسرائيلية كانت تحتجز المركبة الفلسطينية التابعة للشركة على حاجز برطعة مما يعطل عملها طوال اليوم. أما بعد تعاقدنا مع هذه الشركة بات الأمر أوفر ماليا وجهدا".

ويتهم البعض إدارة المكب بادخال كميات نفايات تصل الى ضعف الطاقة الاستيعابية التي تتراوح بين 400 الى 500 طن يوميا.

ويقول هؤلاء ان كميات النفايات التي تدخل المكب تفوق قدرته الاستيعابية، وبالتالي فهو لا يستطيع التعامل معها بالسرعة والطريقة المناسبتين.

لكن شواهنة اكد ان مكب زهرة الفنجان مزود بجهاز خاص لدك وطمر النفايات يستطيع التعامل مع ألفي طن يوميا، مضيفا أن المكب معد لكي يستوعب ثلاثة ملايين طن تكفي محافظات الشمال لمدة 15 عاما.

وتتقاضى ادارة المكب رسوما عن كل سيارة نفايات تصل اليها. ويتم تحصيلها من الهيئات المحلية، أو المجالس المشتركة للنفايات في هذه المحافظات.

وفي رده على الشكاوى من انتشار الحشرات، فقد نفى شواهنة ان يكون المكب هو السبب، وحمل السكان انفسهم المسؤولية، قائلا ان مصدرها العدد الكبير لمزارع البقر والمواشي والدواجن الموجودة في القرى القريبة.

واكد ان المبيدات الحشرية يجري رشها بشكل متواصل في المكب وحسب ما هو مطلوب.

مخاوف بيئية

وبالاضافة الى الروائح والحشرات، يتخوف المزارعون من أخطار مستقبلية على التربة والمياه الجوفية في المنطقة جراء ما يقولون انها عصارة سوداء تتسرب من المكب.

ويقول مزارع يعمل في ارضه القريبة من المكب "نخشى إن تتلوث التربة وتصبح غير صالحة للزراعة كما نخشى على الأشجار المزروعة".

ويضيف" في فصل الشتاء تصل أراضينا مياه سوداء من المكب لا نعلم مدى خطورتها. انظر إلى هاتين الشجرتين المعمرتين، لقد يبستا".

لكن شواهنة نفى بشكل قاطع خروج العصارة الى الاراضي الزراعية او وصولها الى المياه الجوفية.

وقال انه يجري عزل العصارة عن المياه الجوفية بفضل عمليات التبطين التي اجريت للمكب قبل بدء العمل فيه.

واعتبر شواهنة ان "كل ما يقال عن اضرار بسبب مكب زهرة الفنجان عار عن الصحة".

وكان خبراء وسكان ابدوا مخاوف مما اثير حول عمليات طمر لنفايات طبية في المكب، وبما يخالف قائمة من سبع انواع من النفايات يمنع استقبالها فيه نظرا لأضرارها الصحية والبيئية، ولعدم أهلية مكب زهرة الفنجان لمعالجتها.

وبحسب ما نسب الى السعدي، فان إدارة المكب تستقبل نفايات طبية وتطمرها في التراب كغيرها من النفايات بلا أية معالجة بحجة أن "نسبتها قليلة لا تزيد عن واحد بالمائة".

لكن خبراء يؤكدون ان استقبال هذه النفايات وباي نسبة كانت امر مخالف للقانون فضلا عن مخاطره الكبيرة.

مناشدات دون جدوى

مجالس البلدات والقرى القريبة من المكب بعثت أكثر من مناشدة للحكومة الفلسطينية للوقوف على معاناتهم. وقد زار المكب أكثر من شخصية قيادية في الحكومة أبرزها رئيس الوزراء سلام فياض.

ويقول الأهالي انه عندما يأتي وزير أو شخصية ذات علاقة فانهم يشعرون بالفرق الكبير من حيث اختفاء الروائح، ولكن بعد الزيارة يعود الأمر إلى ما كان عليه.

ويقول رئيس مجلس قروي وادي الدعوق عبد الناصر الحويطي ان "أهالي القرى المجاورة وضعوا تحت الأمر الواقع بهذا المشروع" الذي يتساءل الكثيرون حول اسباب اختيار موقعه في منطقة تتوسط تجمعات سكانية.

وكان محمد السعدي المهندس المشرف على المشروع قد اشار في تصريحات صحفية، الى ان اختيار الموقع تم "بناءً على دراسة هيدروجيولوجية لتقييم الأثر البيئي قامت بها الجهة الممولة للمكب".

ومع تسليمه بالامر الواقع، فان الحويطي لا يطالب الان باكثر من أن "يتم التعامل مع النفايات بشكل صحيح ليس أكثر. نحن لا نطالب بإغلاق (المكب) أبدا فهو مشروع وطني لا شك".

وفي المحصلة، يتواصل مسلسل الاتهامات والنفي، فيما الاهالي بانتظار من يخلصهم من المعاناة ويعيد حياتهم الى سابق عهدها، بلا روائح تنغصها وربما تحمل السموم في طياتها، او حشرات تهدد بما لا تحمد عقباه من امراض واوبئة.