موسم الزيتون في الأردن: بين تحديات العمال وفرص المرأة الاقتصادية"

الرابط المختصر

مع انطلاق موسم الزيتون هذا العام، منتصف الشهر الماضي، يتزايد الاهتمام بواقع حال فئتين يعتبران من الركائز الأساسية في موسم الزيتون وهما المرأة وعمّال المعاصر، وضمان الحصول على حقوقهم العُمالية المتعلقة بالأجور وساعات العمل والسلامة العامة، وهم الذين يعتمدون على هذا العمل الموسمي بشكل رئيسي لدخلهم السنوي أو تحسينه. وبالرغم من التحديات التي يواجهها هذا القطاع، يشهد الموسم الحالي تحسنًا ملحوظًا في رضا العمال عن ظروف العمل، سواء في عملية التلقيط في المزارع أو العمل بمعاصر الزيتون كفنيّين وعمال تحميل وتنزيل، وعبّروا عن رضاهم النسبي حول حقوقهم العمالية، خاصة فيما يتعلق بالأجور وساعات العمل.

آراء العمّال : 

يعتبر أحمد حداد، فني في إحدى معاصر الزيتون، غرب محافظة المفرق، أن الأجر الذي يتقاضاه مناسب للغاية بالنظر إلى طبيعة العمل، مشيرًا إلى أن ساعات العمل تتراوح بين 8 إلى 12 ساعة يوميًا، مع وجود ساعات إضافية في فترات الذروة، حيث يتم مكافأتها بزيادة في الأجر. ويقول أحمد :"المهندسون تصل أجرتهم إلى 35 دينارًا في اليوم، أما العمال اليومية فتبلغ 18 دينارًا، والتفاوت في الأجور يعود إلى المهام والمسؤوليات المختلفة".

 

وعن جانب الرعاية الصحية، يؤكد أحمد أن العاملين المشمولين بالضمان الاجتماعي يحصلون على الرعاية اللازمة، مثلهم كفنيين في المعصرة، مضيفًا أن "أصحاب المعصرة يتكفلون عادة بتغطية تكاليف العلاج في حال وقوع إصابات". وبالرغم من ساعات العمل الطويلة، يرى أحمد أن العمل في هذا الموسم لا يشكل له تحديًا كبيرًا، بل على العكس، يُعد فرصة لزيادة الدخل في فترة موسمية.

 

في المقابل، يختلف عصام (اسم مستعار) العامل في معصرة شمال محافظة إربد عن أحمد حداد في رأيه، حيث يعبّر عن استيائه من ظروف العمل الشاقة التي يصفها بأنها لا تتناسب مع الأجر الذي يتقاضاه، حيث يعمل عصام ما بين 12 إلى 14 ساعة يوميًا مقابل 19 دينارًا، ويشير إلى أن هذا الأجر غير عادل بالنظر إلى طبيعة العمل الشاقة والخطرة. كما يعبر عصام عن استيائه من غياب التأمين الصحي أو الضمان الاجتماعي، وعدم وجود استراحات كافية، ويقول: "نحن نعمل بدون عقود، ولا توجد زيارات أو رقابة من الجهات المعنية، مثل وزارة العمل أو نقابة أصحاب المعاصر".

أما محمود إحسان، العامل بوظيفة "منظّم دور" في إحدى معاصر جرش، فيجد نفسه في وسط هذا الجدل بين وجهتي نظر عصام وأحمد حداد. بالرغم من أنه يعمل ساعات طويلة تصل أحيانًا إلى 12 ساعة يوميًا مقابل 20 دينارًا، إلا أن محمود يرى أن هذا الأجر، وإن كان يوفر له مصدر دخل موسمي، لا يعكس بالكامل الجهد الكبير الذي يبذله. وأضاف محمود بابتسامة تعكس التعب: "نحاول أن نصمد، فالموسم هو فرصة لتحسين دخلنا، لكن ساعات العمل الطويلة تتطلب دعمًا أكبر". ورغم تقديم أصحاب المعصرة بعض الرعاية في حالات الطوارئ، إلا أن محمود يرى أن تحسين ظروف العمل بات ضرورة.

مساهمة المرأة .. مساهمة فاعلة في موسم الزيتون 

وفي هذا السياق، تلعب المرأة العاملة في الأردن سواء الأردنية أو اللاجئة  دورًا رئيسًا في موسم الزيتون، وخاصة في المناطق الريفية. 

هدى، اللاجئة السورية من درعا، تُعدّ مثالًا حيًا على ذلك. على الرغم من التحديات التي تواجهها، إلا أن هدى تجد في موسم الزيتون فرصة لتوفير احتياجات أسرتها، تقول هدى لـ "صوت شبابي" : "نحن نعمل بالاتفاق مع أصحاب الكروم على أجر لكل شوال، يتراوح بين 9-10 دنانير، نغطي تكاليف طعامنا وشرابنا بأنفسنا، بينما يتكفل صاحب المزرعة بنقل الثمار وعصرها". متابعةً "نحن كومة لحم بلا معيل، لكننا أثبتنا قدرتنا على كسب أجور مناسبة تساعدنا على مواجهة الشتاء وتغطية احتياجاتنا الأساسية، بل إن العمل في موسم الزيتون يُعدّ فرصة لتأمين احتياجات الأسر، بما في ذلك تعليم الأبناء في المدارس والجامعات".

أما أم محمد عرفات، وهي إحدى اللاجئات السوريات في الأردن، وتسكن شمال محافظة جرش فتشارك أيضًا في موسم الزيتون مع بناتها،  تقول أم محمد: "نعمل في المزارع الصغيرة، وغالبًا ما نتفق مع أصحابها على تقسيم المحصول، بحيث نأخذ ثلث الإنتاج وفي أحيان أخرى نحصل على أجر يومي، مثل 8 إلى 10 دنانير عن كل شوال زيتون". وعلى الرغم من التعب الشديد، ترى أم محمد في هذا الموسم فرصة لا تُقدر بثمن: "ننتج يوميًا حوالي 4-5 شوالات، صحيح أنه عمل مرهق، لكنه يُؤمِّن لنا احتياجاتنا الأساسية لما يقارب أربعة إلى خمسة أشهر" .

فيما تستفيد أم شهد، أردنية الجنسية من محافظة عجلون، من بداية موسم الزيتون عبر مشاركتها في مختلف مراحله. تقول: "أنا وأخواتي وأزواجهنّ وبنتي نعمل في الموسم منذ بدايته، حيث نتفق على تقسيم العمل بيننا، بدءًا من حرث الأرض وتولي عمليات التقنيب والتعشيب، وصولًا إلى القطف الذي يستمر حوالي شهر". موضحةً أنه بعد القطف، يتم نقل الثمار إلى المعصرة حيث يتم عصرها، ثم يأخذون نصف الإنتاج والذي يعادل حوالي 18 تنكة زيت. وتضيف : "كما نستفيد من عملية التقنيب الذي نخصصه لطعام أغنامنا، ونستخدمه أيضًا لزراعة الأراضي الفارغة في الشعير أو القمح، التي نحصدها في فصل الصيف". مشيرةً إلى أن الأسرة لا تقتصر استفادتها على الزيت فقط في موسم الزيتون، بل تشمل شراء مادة الجفت وتطبيعها، ثم بيعها للأسر في أكياس، مما يُعتبر مصدر دخل رئيسي ومستدام لعائلاتهم. و تختم قائلةً: "الحمد لله دائمًا وأبدًا، موسم الزيتون هو مصدر رزق كبير لنا ويعطينا ربح واستفادة ومساعدة لنا كنساء ربّات بيوت بلا عمل".

 

دور الجهات المعنية : 

بدوره أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل، محمد الزيود، أن أجور العمال في معاصر الزيتون تخضع لقوانين العمل، موضحًا أن العامل الذي يعمل تحت إشراف وتبعية صاحب المعصرة أو المزرعة، تنطبق عليه جميع الحقوق العمالية المنصوص عليها في القانون. موضحًا أنه في حال عمل العامل أكثر من ثماني ساعات يوميًا، يستحق أجرًا إضافيًا بموافقة الطرفين، على أن لا يقل الأجر عن الحد الأدنى للأجور بمجموعه الكلي.

وأشار الزيود إلى أن أي تأخير أو امتناع عن دفع الأجور يمنح العامل حق التقدم بشكوى عبر منصة "حماية" الإلكترونية التابعة للوزارة، حيث تُعامل هذه الشكاوى بجدية كغيرها من الشكاوى العمالية لضمان حقوق العاملين.

وتابع الزيود أنه في حالة العاملين وفق عقود المقاولة، مثل العمال الذين يقومون بقطاف كميات معينة من الزيتون بمقابل مادي محدد، فإن هؤلاء لا تنطبق عليهم شروط قانون العمل بالطريقة نفسها، لكن إذا كان العامل تحت إشراف وتبعية لصاحب العمل، فيحق له اللجوء إلى منصة "حماية" في حال عدم حصوله على حقوقه، مؤكدًا أن وزارة العمل تنفذ جولات تفتيشية دورية تشمل جميع القطاعات ضمن المناطق المستهدفة، بما في ذلك معاصر الزيتون، للتحقق من الالتزام بقوانين العمل، ولم تتلق الوزارة أي شكاوى أو ملاحظات من قطاع المعاصر أو العاملين فيه حتى الآن. 

 

من جانبه، قال الناطق الإعلامي باسم النقابة العامة لأصحاب المعاصر ومنتجي الزيتون الأردنية، الدكتور محمود العمري، إن دور النقابة يقتصر على المتابعة والتنسيق مع وزارة العمل، مشيرًا إلى أن عمال المعاصر يتقاضون أجورهم وفقًا لقانون العمل، بما في ذلك بدل العمل الإضافي، وذلك بالنظر إلى طبيعة العمل الزراعي الموسمي. وأضاف العمري أن النقابة تُشرف على معاصر الزيتون من حيث التأكد من شروط السلامة العامة، حيث يقوم مهندس ضبط الجودة بزيارة المعاصر بانتظام لضمان توفر هذه الشروط.

إحصائيات حول الموسم 

يشكل موسم الزيتون في الأردن مصدر دخل ويحقق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، بحسب النقابة العامة لأصحاب الزيتون، للذكور والإناث لأكثر من 250 ألف أسرة، يعملون بمراحل الموسم المختلفة من "قطاف وتلقيط" وعمّل معاصر وعمال نقل وتوريد ومنتجات غذائية  وغيرها، فيما بلغ عدد معاصر الزيتون في المملكة لهذا العام 147 معصرة، حيث يوجد حوالي 7000 عامل يعملون بها في هذا القطاع الموسمي.  ويبلغ إنتاج المملكة من الزيتون لهذا الموسم، وبحسب التوقعات لوزارة العمل القائمة على الدراسات مع الشركاء فإنه من المتوقع أن يكون محصول الثمار نحو 175 ألف طن، مع توقعات بإنتاج 26 ألف طن زيت، يُستهلك منها حوالي 23 ألف طن محليًا، والباقي يُصدّر للخارج.