محطات ترحيل النفايات في شمال غزة.. البديل العشوائي دمر البيئة والإنسان

الرابط المختصر

احمد بركات - غزة - مضمون جديد

لا تكف محطات ترحيل النفايات في قطاع غزة عن إطلاق الروائح الكريهة والغازات الناتجة عن تحلل النفايات والدخان من المتصاعد نتيجة لاشتعال النيران بين الحين والأخر.

هنا البعض يخشى الموت اختناقا، وآخرون يخشون المرض، فيما تتوجس فئة ثالثة من انهيار المخزون المائي الجوفي من خلال المياه العادمة المتسربة للخزان.

يدرك المواطنون المخاطر جيدا. وهم يخشون من تكدس النفايات في المحطة والاشتعال اليومي للحرائق فيه والروائح الكريهة الضارة.
ما يثير خوفهم أكثر كارثة بيئية محدقة ستؤدي لانتشار الأمراض والأوبئة. وهذا ما جعلهم يجدون في مطالبة الجهات المختصة بحل الأزمة وحماية البيئة.

وكانت بلديات قطاع غزة قد أنشأت بعد اندلاع انتفاضة الأقصى محطات ترحيل للنفايات بديلة عن المكبات الثلاث الرئيسية الواقعة بالقرب من المناطق الحدودية لصعوبة الوضع الأمني هناك، أولا لعدم تمكن آلياتها من الوصول لهذه المكبات، إذ يوجد في قطاع غزة ثلاث مكبات رئيسية واحد في الجنوب واثنان في الوسطى والشمال.

وانتهى العمر الزمني للمكبات في القطاع منذ سنوات طويلة، وهي بحاجة لإعادة بناء وتصميم, فيما أدى تزايد أعدادها إلى انتشار الأمراض في السكان المحيطين بها, إضافة إلى إلحاق الضرر الجسيم في البيئة المحيطة وتهديد أمن الخزان الجوفي والأراضي الزراعية.

وتعد محطة ترحيل النفايات في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع من أخطر محطات الترحيل على الإنسان والبيئة المحيطة في القطاع, حيث تبلغ مساحتها 50 دونماً مقامة فوق الكثبان الرملية التي تعتبر من أهم مصادر المياه الجوفية, وبالقرب من أكثر الأراضي الزراعية خصوبة.

وحسب دراسات أعدها مختصون بالشأن البيئي، فإن الوضع البيئي في بلدة بيت لاهيا يتجه إلى الانهيار في ظل تفاقم أزمة التخلص من النفايات.

وتهدد محطة ترحيل النفايات الصلبة حياة الآلاف من المواطنين القاطنين في شمال قطاع غزة, وهو ما جعل بلدية بيت لاهيا تقر بالخطورة البيئية لمحطة الترحيل على الإنسان والبيئة, ولكن ضعف الإمكانيات المتاحة لديها هي السبب وفق مسئوليها, إضافة إلى تهالك المعدات والسيارات التي انتهى عمرها الزمنى وحاجتها للإصلاحات فهي تقوم بأقل من نصف أدائها.

يقول باسم المصري رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية بيت لاهيا لـ "مضمون جديد" إن محطة ترحيل نفايات البلدة أنشئت استثنائياً نتيجة للاغلاقات المتكررة لقطاع غزة إبان انتفاضة الأقصى, ومنع الاحتلال لآليات البلدية وجرافتها من الوصول لمكب النفايات الواقع في منطقة جحر الديك بجوار الشريط الحدود لدواع أمنية.

ولكن بعد الحصار الإسرائيلي على غزة – والقول للمصري – بدأت معاناة المؤسسات تظهر من خلال تعطل الآليات والشاحنات, فهي قديمة ومتهالكة والاحتلال يمنع دخول شاحنات جديدة لغزة من المعابر وبالتالي فان البلدية تعجز عن أداء مهامها"

وأوضح، "أصبحنا نستخدم عربات الكارو في نقل وترحيل النفايات إلى محطات الترحيل, كما أننا وبسبب تهالك آلياتنا نطرح عطاءات للشركات الخاصة لترحيل القمامة إلى مكب النفايات الحدودي في جحر الديك, الأمر الذي يعد مكلف مادياً بالنسبة للبلدية".

ما يثير الرعب أن البلدية تدرك المخاطر الجسيمة التي نتجت عن المحطة من رائحة وحشرات وتكاثر للجرذان والكلاب الضالة، من دون أن تجد حلا نهائيا لذلك.

يقول: وجود محطة الترحيل ضرورية لاستمرار الحياة الإنسانية, ولا يوجد حلاً بديلاً عن ذلك, محاولين قدر الإمكان إنشاء مكب نفايات بعيداً عن التجمعات السكنية وفي نفس الوقت يبعد عن المناطق الحدودية لضمان حماية البيئة.
وبهذا لا يرى المصري أي قصور في دور البلدية خاصة مع الوضع المالي أولا، وتأخر المواطنين في سداد المستحقات المتراكمة عليهم للبلدية بسبب الوضع الاقتصادي الذي يعيشونه في غزة ثانيا.

يقول: "سنبقى مقصرين, لكننا نسير حسب الإمكانيات الموجودة، فعملية الترحيل مكلفة، وهو ما يجعلنا نرحل النفايات كل أسبوعين، إضافة إلى الأعطال التي أصابت آلات الرفع والنقل, والأوضاع الأمنية فأي تصعيد إسرائيلي يعني توقف عملية ترحيل النفايات وتتراكم في المكب.

مشاريع مستقبلية
ويشير المصري أن محطة ترحيل نفايات بيت لاهيا مؤقتة لحين تحسن الوضع الأمني والاقتصادي في قطاع غزة. ولكنه في المقابل ينفي تعرض المياه الجوفية في المنطقة للتلوث بفعل المكب, رغم اعترافه بسطوة البعوض والذباب والحشرات التي أدت لخلل في نمو الأشجار والمزروعات.

وأوضح أن البلدية ترش باستمرار مبيدات حشرية للقضاء على الذباب والبعوض, وأن الجرافات تنظف يومياً المكب لكمر الغازات وتجميعها على بعضها.

وتتطلع بلدية بيت لاهيا مستقبلاً لإنشاء محطة ترحيل حديثة مبنية من الباطون المسلح ومغطية بالاسبست قدر المصري تكلفتها بأربعمائة مليون دولار في انتظار جهات مانحة تقدم الدعم الكامل للمشروع, فقد أثبتت الدراسات أن مكب الشمال حل مشكلة النفايات إلا أنه سيسبب مشكلات أكبر على المدى البعيد.

غازات سامة
وأُنشأت بلدة بيت لاهيا استجابة للوضع البيئي السيئ فيها مجلسا يعنى بمشكلات النفايات تحت مسمى مجلس إدارة النفايات الصلبة.

ويقول رئيس المجلس الحالي المهندس يونس أبو غالي لـ "مضمون جديد" إن محطة ترحيل النفايات تشكل خطراً بيئياً جسيماً على المنطقة, وان انتشار النفايات دون التخلص منها وإتلافها يؤدي إلى تفشي الأمراض.

وأضاف إن النفايات المكشوفة بيئة جيدة لتكاثر الحشرات والذباب التي تعتبر وسيلة فعالة لنقل الأمراض الجلدية والطفيليات وأمراض العيون, كما أنها مأوى لتكاثر الجرذان والحيوانات الضارة, إضافة لأن اشتعال النيران في النفايات يؤدي لتصاعد الأدخنة والغبار التي تؤدي لمشكلات صحية وصدرية.

وأشار إلى احتواء النفايات عادة على سائل مائي هو عبارة عن عصارتها قد يؤدي تسربه للمياه الجوفية إلى تلوثها, كما أن تكاثر الحشرات والذباب الذي يعد وسيلة لنقل الأمراض الجلدية والطفيليات من أكثر المخاطر المحدقة بالبيئة".
وتابع: "تتأكسد المواد العضوية الموجودة في القمامة لا هوائيا مما يؤدي لتصاعد كبريتيد الهيدروجين وغاز الميثان القابل للاشتعال مما يؤدي لكبر الحريق وتؤدي هذه الغازات إلى التسبب في الأزمات الصدرية والقلبية وأمراض الربو", موضحاً أنه في الآونة الأخيرة انتشرت ثلاث أنواع من الديدان المستوطنة في محافظة الشمال,وأن80 % من المواطنين مصابين بأمراض الأمعاء والرئة.

ونوه أبو غالي إلى أن المكب يستقبل يومياً ما يعادل من 60 إلى 70 طن من النفايات الصلبة الناتجة عن مخلفات المنازل بنسبة 80%, ومخلفات المصانع بنسبة 20%, ترحل كل أسبوعين لمكب النفايات الرئيسي في جحر الديك من خلال الشركات الخاصة.
وتشكل محطة الترحيل خطراً بيئياً وصحياً على بلدة بيت لاهيا, فالبلدية لديها نظامين في الجمع من بيت لبيت وهو جمع بدائي للمناطق المزدحمة , والنظام الثانوي بوضع الحاويات في المناطق غير المزدحمة وهذا النظام يعاني من نقص في الحاويات واهترائها.

ويوضح أبو غالي أن الهدف الأهم لحل المشكلة في بلديات الشمال عامة مشروع إنشاء محطة متوسطية للتخلص من النفايات الصلبة, تتسع ل250 طن يومياً وضغطها في ترلات وترحيلها يومياً للمكب, ووضع سياسة قصيرة الأمد للتعامل مع الوضع القائم من أجل التقليل من حجم المشكلات الناجمة عن النفايات.

وتتمثل السياسية المعتمدة في إصلاح الآليات المعطلة، وزيادة عدد عمال النظافة ورفع الوعي البيئي والصحي لدى المواطنين من أجل التأثير على سلوكهم في هذا المجال، وأخذ الدعم اللازم من أصحاب القرار على المستويات المختلفة؛ من أجل توفير الموازنات اللازمة لقطاع النفايات الصلبة.

القانون يمنع
وحسب القانون الفلسطيني والمواد ( 7-8-9-10—23) في قانون 7 للعام 1999م, وبناءا على التعليمات الصادرة من سلطة جودة البيئة سنة 2004 بشأن إدارة وتداول النفايات الصلبة لابد من موافقة السلطة لإنشاء محطة ترحيل أو مكبات النفايات.

وتنص المواد عل تخصيص كل حفرة لردم فئة محدد من النفايات, وأن يكون حجمه كافياً للاستعمال لمدة لا تقل عن عشر سنوات, تكفي لإدارتها المستدامة, كما يشترط القانون أن يكون موقع تجمع النفايات بعيداً عن المناطق السكنية ومحاط بمادة عازلة لحماية المياه الجوفية, ووجود نظام لمعالجة العصارة, وأن يكون عكس اتجاه الريح إلا أن هذه الشروط غير متوفرة في مكب الشمال.

وتلعب سلطة جودة البيئة في قطاع غزة دوراً رقابياً على كل المؤسسات العاملة في المجال البيئي وفيما يخص صحة الإنسان, حيث تعاين المشكلات من خلال شكاوي المواطنين, غير معتمدة على أي دراسات أو أبحاث مرجعة السبب للوضع السياسي والاقتصادي السيئ في غزة.

فقد أكد الدكتور عبد الله الأشقر مدير عام في سلطة جودة البيئة, أن مكبات النفايات في قطاع غزة وبشكل خاص مكب الشمال يعاني من ضعف شديد وتهالك في عمله, الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية وشيكة, تؤدي لانتشار الأمراض ودمار الأراضي الزراعية وتلوث المياه الجوفية في المنطقة.

وقال د. الأشقر: بناءاً على شكاوي المواطنين توجهت سلطة البيئة بكتاب رسمي شديد اللهجة لرئيس بلدية بيت لاهيا للعمل على إيجاد حل فوري وعاجل للمشكلة, مشيراً أن الحلول خارج نطاق عمل السلطة, وأن الحصار الإسرائيلي أثر كثيراً على عمل البلديات, فهو لا يسمح بإدخال شاحنات جديدة, ويعيق وصولها للمكبات الرئيسية المتواجدة على الشريط الحدودي.

وبين أن المكب (محطة الترحيل) لا بد وأن تتمتع بشروط محددة أهمها ملائمة الموقع وبعدة عن التجمعات السكنية والمصادر الطبيعية, كما أن إدارة المكان لها شروط تتناسب والحفاظ على البيئة المحيطة, الأمر الذي تتجاهله البلدية.
وأضاف، "لابد للمكب أن يكون له محطة إعادة تدوير, تكون مصدر اقتصادي وللصحة البيئية", مشيراً إلى "وجود شركات تبحث في التعاطي اقتصادياً مع النفايات الصلبة".

وتابع، "المكان الذي بني عليه المكب غير ملائم ويشكل خطراً على البيئة المحيطة, لكن الظروف القاهرة دفعت البلدية لذلك, والاحتلال لعب دوراً أساسيا في هذه الأزمة فهو يغلق المكبات الرئيسية في بعض الأحيان ويمنع دخول الشاحنات الثقيلة للعمل فيها".

ولا تخضع المكبات أو محطات الترحيل لدراسات بيئية قبل إنشائها, ويصفها د. الأشقر بالحل الطارئ لحين إيجاد البدائل وتحسن الوضع الأمني والاقتصادي في غزة. يقول: حينها سيتسنى للبلديات إنشاء محطات إعادة تدوير النفايات إلى جانب المكبات".

حلول وبدائل
وعن الحلول والبدائل التي تدرس سلطة البيئة إيجادها أشار مدير عام في سلطة جودة البيئة أنه لا بد من إنشاء مكب يستوعب المنطقة الشمالية, وتطوير مكب محافظة غزة وإلحاقه بمحطة تدوير للتخلص والاستفادة منها, مبيناً أن دور البلدية يتمثل في ترحيل النفايات يومياً من مناطقها, موضحاً أن سلطة البيئة لا يمكن لها إجبار البلدية على إزالة المحطة في ظل ضعف الإمكانيات والضعف المادي لقطاعاتها.

وأشار إلى أن المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة وضعت برنامجاً خاصاً بالتخلص من النفايات الصلبة, سيتم تنفيذه بالتعاون مع سلطة البيئة في حال توفر تمويله فهو يكلف عشرة ملايين دولار, إلى جانب أن السلطة تبحث عن بدائل أخرى للمحطات.