كسارات إسرائيل .. المساكن لليهود والغبار للعرب وقصة معاناة أهالي بئر المكسور
عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد
يعيش سكان قرية بئر المكسور في الجليل الاسفل على وقع التفجيرات المتواصلة في كسارة حنتون التي احالت حياتهم الى جحيم منذ انشائها قرب قريتهم قبل نحو ربع قرن.
وليست التفجيرات وحدها ما يثير مخاوف الاهالي، فهناك الغبار التي يؤكدون انه زاد في نسب الاصابات بالامراض الصدرية لدى الاطفال خصوصا.
يقول ياسر حجيرات رئيس مجلس القرية "نحن نتحدث عن عمليات تفجير وحفريات شبه يومية، وعن الغبار الذي يسبب مشاكل صحية في مجرى التنفس للكثير من الأطفال، إضافة لأهالي القرية بشكل عام".
وفي الوقت الذي يؤكد حجيرات ان هناك علاقة بين الكسارة وهذه الامراض، الا انه يقر بانهم لا يملكون دليلا علميا على ذلك بسبب عدم وجود دراسات بهذا الخصوص من قبل الجهات الرسمية.
ويقول "ليس مثبتا بشكل رسمي أن هذه الامراض ناجمة عن غبار الكسارة، لكننا نرى كيف ان الأزمات الصدرية التي يعاني منها الأطفال تتكاثر يوماً بعد يوم، ناهيك عن ضيق التنفس لدى شريحة كبيرة في القرية".
وتقع الكسارة على بعد عشرات الامتار فقط من القرية البالغ عدد سكانها نحو ثمانية الاف. وكما يؤكد حجيرات فان "غبارها يصل لكل الحارات في القرية".
ومنذ انشائها عام 1987 والاهالي يخوضون معارك قضائية ضدها في محاولة لترحيلها، او على الاقل الحد من اضرارها. وهم احيانا ينجحون في ذلك، وفي احيان كثيرة تبوء محاولاتهم بالفشل.
ويضرب حجيرات مثلا على تلك المعارك قائلا "حاولنا منع الكسارة من العمل ليلاً. فاصبحت تتوقف عن ذلك عندما تكون هناك مراقبة، وحين تغيب المراقبة تعود الى سابق عهدها، وبالتالي يعود أهالي القرية للمعاناة من جديد".
ولعل احدث واهم المعارك هي التي تخوضها القرية الان من اجل ابطال قرار بتوسيع الكسارة.
وقد تقدم مجلس القرية بطلب اعتراض على القرار امام المحاكم.
ويقول حجيرات انه "منذ تقديم الطلب والكسارة تعمل بشكل عادي، لكنها حاولت بطريقة أو بأخرى إغراء المجلس بتقديم المواد للقرية أو تحريض العمال على السلطة بادعاء أن رئيس المجلس يحاول إغلاق الكسارة. لكن الأهالي لديهم الإيمان الكافي بأن الكسارة تشكل خطراً على صحتهم ولذلك هم يؤيدون الطلب الذي قُدم للمحكمة".
قضية سياسية بامتياز
واجمالا، فان قرية بئر المكسور ليست سوى واحدة من عشرات القرى والبلدات العربية في الداخل الفلسطيني التي ابتليت بكسارات يذهب بحصها وحجرها ورملها لبناء المساكن في مدن اليهود، ولا ينال العرب منها سوى الغبار.
وقد اظهر تقرير نشرته عام 2006 جمعية الجليل التي تعنى بحقوق فلسطينيي الداخل ان 54% من الذين يسكنون بالقرب من الكسارات في اسرائيل هم مواطنون عرب مع العلم أن نسبة المواطنين العرب في البلاد لا تتجاوز الـ20%.
كذلك أفاد التقرير أن الوضع في لواء الشمال أشد خطراً، حيث أن 74% من الذين يسكنون بالقرب من الكسارات هم مواطنون عرب، مع العلم ان 52% من سكان هذا اللواء هم من العرب.
وكما يوضح تقرير حديث للجمعية فان هناك أكثر من مائة كسارة في اسرائيل يعمل نحو نصفها من دون ترخيص.
وفي الوقت الذي تتموضع الغالبية الساحقة من الكسارات حول التجمعات العربية، الا ان منتجاتها تذهب لبناء مساكن اليهود الذين تفتح لهم افاق التوسع على مصارعها في حين تسد هذه الافاق امام العرب.
وعموما، فان كلا المجتمعين يعانيان من ازمة اسكانية، ولكن لاسباب متناقضة تماما، كما يوضح امطانس شحادة الباحث في مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية.
يقول شحادة في دراسة منشورة ان "ضائقة المسكن لدى المجتمع الفلسطيني تختلف إلى حد بعيد عن مشكلة ارتفاع الاسعار في المدن الإسرائيلية".
ويضف انه "إذا كان العامل الأول في ارتفاع أسعار البيوت في المدن الإسرائيلية هو رغبة الشباب اليهود بالسكن في المركز وشحة العرض هناك، فان أسباب الأزمة في البلدات العربية تعود إلى: غياب مناطق بناء ملائمة؛ عدم إقرار خرائط هيكلية؛ ومسطحات نفوذ؛ عدم وجود بناء عمومي؛ عدم إقامة اي بلدة عربية جديدة منذ العام 1948؛ مصادرة أراض".
ويخلص شحادة الى ان "المسببات هي سياسية بامتياز وتعود لتعامل الدولة مع المواطنين العرب. المواطن العربي يبقى محاصرا داخل البلدات العربية، وفي افضل الحالات يحاول الانتقال الى ما يسمى المدن المختلطة، ويمنع، بواسطة القانون، من محاولة السكن فيما يُسمى بالبلدات الجماهيرية الصغيرة".
ويتابع قائلا ان "تجاهل الدولة لضائقة السكن في البلدات العربية متواصل دون توقف، بل يبدو ان الحكومة الإسرائيلية تبحث عن أساليب لإخراج البلدات العربية من دائرة المستفيدين من اي خطة جدية للتعامل مع ضائقة السكن".
ضرورة التحرك
ومن جانبه، يؤكد المحامي علاء حيدر من جمعية الجليل والتي تُعنى بقضايا البيئة والمحيط، ان فلسطينيي الداخل هم الاشد تضررا من العوامل الملوثة للبيئة ومن بينها الكسارات، ويشدد على ضرورة التحرك من اجل الحد من معاناتهم.
يقول حيدر انه "لا يخفى على أحد أن الفلسطينيين في الداخل يشكلون الجزء الأكبر من الطبقات الفقيرة. وللفقر علاقة مزدوجة مع المشاكل البيئية. بحيث أن الفقراء لا يملكون السبل والوسائل المالية والتقنية لمواجهة المشاكل البيئية".
وفي الوقت الذي يشير فيه الى وجود العديد من القوانين القائمة من أجل تنظيم وإقامة وتفعيل عمل الكسارات، الا انه يؤكد ان هذه القوانين "لا تطبق ولا تنفذ بما فيه الكفاية على أرض الواقع باعتبار أن المتضرر الأساس هو المواطن العربي".
ويقول حيدر انه بالنظر الى نسبة المواطنين العرب الكبيرة المحاذية للكسارات فانه "ليس غريبا أو صدفة عدم وجود أي ممثل عن المواطنين العرب في جميع اللجان المعنية بموضوع التخطيط ووضع السياسات وتنفيذها بشأن الكسارات".
ويضيف ان "هذا يستدعي التحرك، والعمل على جميع المستويات: القانوني (تنفيذ القوانين، تقديم دعاوى وشكاوى في المحاكم) والجماهيري وأيضاً على مستوى السلطات المحلية التي تملك صلاحية إصدار الرخص للكسارات التي تقع داخل منطقه نفوذها".
وحث حيدر فلسطينيي الداخل على عدم الاستسلام للامر الواقع، وعلى الانخراط في الجهود الرامية الى رفع الضرر البيئي عنهم.
وقال "حتى وإن كانت أحياناً وسائل مكافحة الأضرار البيئية والصحية غير مجدية أو سريعة إلا أنه يجب عدم الاستسلام والقول: إننا لن نؤثر، أو لا علاقة لي، لأن العمل الجماعي يبدأ بالفرد والفرد يُشجع الفر الآخر ، خاصة إن كانت قضيته عادلة ووجد من يسانده ويدعمه".
واضاف ان "هناك العديد من الأمثلة محليا وعالمياً، تثبت أن بإمكان النضال الجماهيري والعمل الدؤوب أن يؤدي في النهاية- حتى إلى إغلاق مصانع أو نقلها أو تغيير سياساتها".
وتابع قائلا ان "خير دليل على ذلك هو عدم السماح بنقل مصنع (أي ام سي) للالومنيوم من خليج حيفا إلى أراضي القرى العربية في كفركنا والمشهد وغيرها".
وهذا المصنع المتخصص باذابة الألومنيوم موجود الآن في خليج حيفا وكان من المخطط نقله إلى منطقة محاذية للقرى العربية الا أن المحكمة للشؤون الإدارية في الناصرة وبعد العمل الجماهيري والقانوني، منعت نقله لكونه من المصانع المحظور عليها الدخول إلى مثل هذه المناطق.
إستمع الآن