في غزة .. يبيعون طفولتهم لانقاذ أسرهم من الجوع

الرابط المختصر

أطفال يتركون المدارس وينزلون للشوارع بحثا عن لقمة العيش «داخلية» حماس تمنع إجراء دراسة مسحية شاملة عن ظاهرة عمالة الأطفال في القطاع حسن دوحان -مضمون جديد/غزة في كراج رفح للسيارات العمومية، اعتاد الطفل عماد كامل (14 عاما) الوقوف يوميا لبيع الركاب بعض القطع من العلكة أو البسكويت من اجل إعالة أسرته المكونة من 7 أفراد بعد وفاة والده مريضاً قبل عدة سنوات. ونتيجة لعدم معرفة عدد كبير من الركاب بوضع الطفل عماد يضطر للاستجداء والتوسل إليهم من اجل شراء بضاعته، لأن بيعها بالنسبة له يعني توفير قوت أسرته اليومي. ويعيش الطفل حياة مختلفة عن حياة الأطفال في سنه، فهو يضطر لترك مدرسته أو الهروب منها والذهاب للعمل في بيع بعض الحلوى للمواطنين والركاب في كراج رفح لتوفير قوت أسرته التي حرمها القدر من معيلها في وقت مبكر. ويقول الطفل عماد «كنت أتمنى ألا اضطر لهذا العمل، (بس من وين هياكلوا إخوتي)، هذا أمر الله ولا بد أن أضحي من اجل أسرتي، كما يضحي الشهداء من اجل الله والوطن». كلمات الطفل عماد على بساطتها إلا أنها بدت عميقة، وكما يقول «لقد تعلمت ذلك من والدي رحمه الله حيث كان يصطحبني معه إلى المسجد، وهناك تعلمت الصبر والإيمان بقضاء الله وقدره، كما أن والدتي وجدتي كثيرا ما تشد من عضدي وتعينني على تحمل تلك المشقات». والأطفال الباعة هم الطبقة الأدنى من طبقة الكادحين الباحثين عن كسب قوت يومهم، وعادة ما تكون بضاعتهم بسيطة ورأس مالهم قليلا، وسقف ربحهم منخفضا. ويعتبر أطفال غزة أكثر الفئات تضررا في القطاع نتيجة تدني مستوى المعيشة وزيادة الفقر والبطالة، وعدم توفر فرص عمل لأرباب الأسر الذين حرموا من عملهم داخل الخط الأخضر. أعمال شاقة ويضطر الكثير من الأطفال لترك المدارس والنزول للشوارع بحثا عن لقمة عيش، أو العمل في الأعمال الشاقة مثل الباطون أو الأنفاق وغيرها من اجل إسناد أسرهم، مثلما حدث مع الطفل «محمد عبد الفتاح» (13 عاما) والذي اضطر للعمل في الأنفاق على الحدود المصرية الفلسطينية جنوب قطاع غزة في نقل الاسمنت والحصمة. ويعمل الطفل عبد الفتاح على مدار 12 ساعة أيام الخميس والجمعة وست ساعات خلال أيام الأسبوع من أجل اللحاق بمدرسته التي تراجع فيها مستواه بشكل كبير في فصله الثالث عشر حيث أصبح مهدداً بإعادة السنة الدراسية إذا لم يتفرغ للدراسة. ويعاني الطفل عبد الفتاح من الإرهاق والتعب الشديد ما يضطره للنوم في الفصل المدرسي، ويعرضه للعقاب من قبل مدرسيه، ويقول «لقد اضطررت للعمل في الأنفاق لأن والدي البالغ من العمر (45 عاما) طردوه من العمل لوزنه الثقيل وعدم قدرته على هذا العمل الشاق، وقد اصطحبت والدي خلال إجازة العام الماضي للاطلاع على كيفية العمل في الأنفاق، ولأنني نحيف قاموا بتشغيلي مقابل 80 شيقلا يومياً، ومع بداية العام الدراسي استغنوا عن خدمات والدي، وعانت أسرتي الويلات والفقر، ما اضطرني للذهاب للعمل في الأنفاق لإنقاذ أسرتي من الجوع». ويبلغ معدل البطالة حسب احصائيات رسمية بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة 23 ٪ (256 ألف عاطل عن العمل)؛ 21 ٪ للذكور و33 ٪ للإناث، بواقع 141 ألفا بالضفة و115 ألف عاطل عن العمل في غزة. ويتمنى الطفل عبد الفتاح أن يجد والده عملا آخر يستطيع من خلاله إعالة أسرته الفقيرة ليتفرغ لدراسته التي تراجع مستواه فيها، معرباً عن أمله أن يتمكن من اجتياز الامتحانات وينجح هذا العام من اجل الانتقال للثاني الإعدادي. يذكر أن عمالة الأطفال في قطاع غزة تشهد ارتفاعا ملحوظا، خصوصا في الأعمال الشاقة، كالأنفاق والمصانع، والبيع، وغيرها من الأعمال. وكانت دراسة أصدرتها مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان كشفت عن وفاة 42 طفلا في غزة جراء العمل بالأنفاق تعرض بعضهم للاختناق فيما كان انهيار بعض الأنفاق سبب وفاة آخرين. كوب من الشاي وفي منطقة الجندي المجهول بمدينة غزة، اعتاد الطفل وسام حسام (10 سنوات) أن يجهر بصوته الرقيق باحثاً عن مشترين للشاي الذي يعده ويبيعه وقت العصر، ويقف وسام على ناصية الطريق ويتلفت يمينا ويسارا عله يجد من يشتري منه «كوب من الشاي» لإنقاذ عائلته من المرض والفقر والجوع. يقول وسام «أعاني وعائلتي ظروفا اقتصادية صعبة للغاية، حيث ان والدي يعاني من أمراض عدة، بالإضافة إلى أن عائلتنا كبيرة، وأنا المعيل الوحيد لها». ورغم ظروفه المأساوية، إلا أن وسام يحافظ على التزامه بمدرسته وواجباته تجاه عائلته بنفس الوقت، حيث يخرج في تمام الساعة السابعة من كل يوم، ومن ثم بعد المدرسة يتوجه مباشرة إلى ميدان الجندي المجهول ليبدأ رحلة العمل لتوفير القوت اليومي لعائلته. ويقول وسام الذي بدت عليه ملامح الحزن والألم «في اليوم الذي لا اخرج فيه للبيع لا يكون هناك أي مصدر رزق للعائلة وربما لا يكون هناك طعام». ويتمنى وسام «أن يكون لي مسكن نظيف، وان أرتاح من معاناة تلك المهنة المرهقة، وأريد أن أصبح مهندسا». وذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في احصائية له عام 2011 أن 4.9 ٪ من الأطفال في سن (10-17) في الأرض الفلسطينية يعملون، وقال ان عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية بلغ 242 ألف شخص في الأرض الفلسطينية في ذات الفترة، منهم 144 ألف في الضفة و98 ألف في قطاع غزة، فيما سجل معدل البطالة في قطاع غزة 28,0 ٪، مقابل 19,7 ٪ في الضفة. ويعتبر عمل الأطفال مخالفا لحقوق الطفل التي نص عليها إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924، وإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة، ولقوانين العمل الفلسطينية والإقليمية. انتشار الظاهرة ولا توجد في قطاع غزة احصائيات حول الأعداد الحقيقية للأطفال العاملين نظرا لمنع حكومة غزة مراكز حقوق الطفل من إجراء أي دراسات مسحية حول تلك الظاهرة، مكتفية بتوجيههم لإجراء دراسات وصفية كما حدث مع مركز الديمقراطية وحقوق العاملين كما يؤكد مديره في غزة نضال غبن. ويقول غبن «لقد منعتنا وزارة الداخلية في حكومة غزة من إجراء دراسة مسحية حول الأطفال العاملين ما اضطرنا لتحويلها لدراسة وصفية». وكانت الدراسة التطبيقية حول عمل الأطفال في قطاع غزة التي أعدها مركز الديمقراطية وحقوق العاملين عام 2012 وأجريت على (683) طفل/ة، تمثل نسبة (5,2) ٪ من عدد الأطفال العاملين بقطاع غزة، أكدت انتشار ظاهرة عمل الأطفال بقطاع غزة، دون تحديد عدد الأطفال العاملين لعدم قيام وزارة العمل بإجراء مسوح حول الأطفال العاملين، واستنادها على معيار تسجيل الأطفال العاملين وفقا للشروط المحددة في قانون العمل (العاملون بأجر- والأطفال في الفئة العمرية من 15-18 سنة) فقط، واعتماد الجهاز المركزي للإحصاء على معايير غير محددة المعايير، حيث تستند الأرقام الصادرة عنها على الفئة العمرية من (10- 17) سنة، وفي أحيان أخرى تحدد عدد الأطفال العاملين دون الخامسة عشرة، وبالتالي لا تستند لمفهوم الطفولة( من هم أقل من 18 سنة). وتوضح الدراسة التي حصلت «مضمون جديد» على نسخة منها أن ظاهرة عمل الأطفال في قطاع غزة منتشرة في الفئة العمرية المحظور عملها قانونيا (الأطفال ما دون 15 سنة ) وبلغت نسبتهم (45.8 ٪) حسب الدراسة، ويتوزعون حسب الجنس (37,3 ٪) ذكور، و (8,5 ٪) إناث. وتشير الدراسة إلى أن عمل الأطفال قبل بلوغهم السن القانونية يدلل على هشاشة وغياب الحماية القانونية، وضعف دور الجهات الرقابية. وترجع الدراسة أسباب ظاهرة عمالة الأطفال وما يرافقها من انتهاكات إلى استمرار العدوان المتواصل وما خلفه من تدمير للبني الاقتصادية بقطاع غزة بكافة مكوناتها، بالإضافة إلى الحصار، وانتشار البطالة والفقر التي يعاني منهما أولياء الأمور، حيث بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة (32 ٪) ونسبة الفقر (60 ٪)، وبلغت نسبة البطالة لدى الأطفال أولياء أمور الأطفال العاملين (40 ٪)، كما أن دخل هذه الأسر تحت خط الفقر المدقع، إضافة إلى الأسباب الأسرية المتمثلة في زيادة عدد أفراد الأسرة، خاصة الأطفال ما دون (18 سنة)، وزيادة عدد الأفراد المعالين، وتعدد الزوجات، ووفاة أحد الوالدين، والانفصال بين الأبوين، ومرض الأب أو كبر سنة، وتدني المستوى التعليمي للأبوين، إضافة إلى عوامل مدرسية مثل صعوبة المناهج، والعنف المدرسي، وغياب التشريعات والسياسات الحامية للأسر الفقيرة، فما زال الفقراء والعاطلون عن العمل محرومين من تشريعات توفر لهم الحماية، كما أن السياسات المتبعة من السلطة التنفيذية لا تستند لخطة وطنية لحل مشاكل الفقر والبطالة ومعالجة عمل الأطفال المبكر. يبيع السجائر ويعد الطفل تامر عصام (11 عاماً) احد مئات الباعة الأطفال المتجولين في غزة الذين اضطرتهم الظروف لبيع السجائر للمساهمة في تخفيف وطأة الفقر عن أسرته المعدمة، ويقول «أبيع السجائر منذ نحو العام، فقد أخرجني والدي من المدرسة منذ الصف الثالث الابتدائي كي أعمل بحجة أنني غير فالح في الدراسة، ولذلك اخرج للعمل منذ الصباح الباكر، حيث أبيع السجائر على الطرقات للسائقين والركاب وبعض المارة». ويوضح عصام أن والده يأخذ ما يتمكن من تحصيله لشراء الطعام لأسرته، ويضيف «أنا مضطر للبيع بالطرقات والسير عبر الشوارع لأكثر من ثماني ساعات يوميا، لالتقط رزقي ورزق إخوتي وأسرتي». وتتكون أسرة الطفل عصام من خمسة اخوة ووالده ووالدته. تجريم عمل الأطفال ويؤكد مدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين نضال غبن لـ «مضمون جديد» أن ما يزيد على ثلثي أسر الأطفال العاملين، لا يحصلون على مساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى هشاشة الرقابة على الأطفال العاملين من مفتشي العمل. ودعا إلى تجريم عمل الأطفال قبل بلوغهم 15 سنة، والنص على عقوبة مشددة لها، تتضمن الغرامة والحبس، والعمل على إدماج الأطفال العاملين مع أسرهم والعاملين في مجال الخدمة المنزلية في إطار الفئات التي ينطبق عليها أحكام الفصل الخاص بتشغيل الأطفال، وسن قانون للحماية من الفقر والبطالة، واتخاذ إجراءات فورية للقضاء على عمالة الأطفال ما دون 15 سنة، وعلى عمل الأطفال في الأعمال الخطرة والضارة بالصحة، وتطبيق التعليم الإلزامي من قبل وزارة التربية والتعليم وتعزيز التعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية في هذا المجال. ودعا غبن إلى ملاحقة ومتابعة ظاهرة تسول الأطفال، وزيادة المساعدات المقدمة للأسر المعوزة، وربطها بالتعليم الإلزامي (الأكاديمي-المهني) لأسر الأطفال المستفيدة منها، ورصد وتوثيق ونشر الانتهاكات بحقوق الأطفال في أماكن العمل، وتنظيم حملات مناصرة وضغط للقضاء على عمل الأطفال ما دون 15 سنة. ويحمل غبن أصحاب العمل والأطفال أنفسهم وعائلاتهم والحكومة والمؤسسات المجتمعية المسؤولية عن انتشار ظاهرة عمل الأطفال.