غزة: 700 مصنع خياطة توقف عن العمل وآلاف العمال انضموا لصفوف البطالة

الرابط المختصر

L_a6203710a3340758غزة - "مضمون جديد" - محمود رمضان أبو الهنود: يحرص أبو محمد (43 عامًا) على متابعة الإعلانات الصادرة عن وكالة الغوث الدولية الخاصة بتشغيل العاطلين عن العمل على بند البطالة المؤقتة، بعد أن فقد عمله في مهنة الخياطة منذ سنوات. لم يعد أمام أبو محمد سوى أن يتصفح باستمرار بعض الصحف ومواقع الإنترنت، بالاضافة الى مراجعة موظفي مكتب العمل القريب من منطقة سكناه في حي التفاح بغزة؛ على أمل ايجاد فرصة عمل يستطيع من خلالها توفير المستلزمات المعيشية لافراد أسرته المكونة من ستة أفراد. يقول "كنت أتلقى خلال عملي في مهنة الخياطة أجرا جيدا، الا انني ومنذ سنوات لم أعد حتى أجد مكانا يمكنني العمل فيه" فالمصنع الذي عمل به أبو محمد أغلق أبوابه، واضطر جميع العاملين الذين غادروه للبحث عن مصادر رزق جديدة. حازم (36 عامًا) باع مصاغ زوجته من أجل شراء سيارة قديمة الصنع من نوع "رينو"، يقوم من خلالها بتوزيع بعض أنواع المعلبات والشيبس على المحال التجارية، خلال عمله في مهنة الخياطة على مدار أكثر من عشرة أعوام استطاع حازم توفير مستلزمات الزواج، وتشطيب شقته، ومساعدة شقيقته على اكمال تعليمها الجامعي. يقول: بالكاد استطيع الآن من عملي الجديد توفير جزء من ثمن السيارة، والجزء الآخر يذهب لنفقات الاسرة. كيف بدأت المشكلة؟ مشكلة أبو محمد وحازم، جزء من أخرى أكبر أصابت قطاع الخياطة في غزة بشكل عام، وفي هذا يقدّر محمد أبو شنب رئيس اتحاد صناعة الملابس والنسيج في قطاع غزة عدد المصانع التي توقفت عن العمل بأكثر من 700 مصنع، مشيرا إلى أن المصانع التي كانت تعمل في السابق وصل عددها قرابة 928 مصنع، كانت تشغل قرابة الـ 35 الف عامل. يضيف أبو شنب: منذ أكثر من 10 أعوام وتحديدا بعد الـ 2000، بدأ قطاع الخياطة بالتراجع بشكل واضح، حيث أدى الحصار الاسرائيلي الذي أتبعه اغلاق المعابر بين الحين والاخر الى تعطل دخول جزء كبير من الانتاج الاسرائيلي من الملابس، الذي كانت تعتمد عليه مصانع القطاع في تشغيل عدد كبير من العمالة الفلسطينية، حيث توجه معظم هذا الانتاج الى مصانع أخرى في الصين وتركيا، ما أدى الى انخفاض نسبة العمالة في قطاع الخياطة، حتى وصل عام 2005 حوالي 20 الف عامل، ومنذ تلك الفترة بدأت بعض المصانع بالتوقف عن العمل بشكل تدريجي، واستغنى بعضها عن عدد كبير من العاملين في تلك المهنة. وقال إنه خلال الفترة الحالية تحولت الكثير من المصانع الكبيرة أمام هذا الواقع الصعب الى مشاغل صغيرة لا يتجاوز عدد العاملين في أكبرها حجما عن 30 عاملا، بعدما كانت تشغل في السابق بين (250- 300) عامل. الملابس الصينية يقول عادل حمودة وهو صاحب مصنع خياطة، إنه اضطر للاستغناء عن عدد كبير من العاملين لديه في المصنع، بسبب الوضع الصعب الذي يمر به قطاع الخياطة نتيجة الاغلاقات الاسرائيلية للمعابر، وغزو البضائع الصينية لاسواق القطاع، بعض من كانوا يعملون في المصنع عملوا في مجال البناء، والبعض الآخر كسائقين، بينما لم يجد آخرون فرصة عمل، فراحوا يبحثون عن وظائف والعمل ضمن عقود البطالة. وأشار إلى تأثر قطاع إنتاج الملابس في غزة، باستيراد الملابس الصينية، بسبب رخص تلك الملابس مقارنة بالصناعة المحلية، لافتًا أن المشكلة تكمن في "ارتفاع تكلفة انتاج قطع الملابس المحلية، بفعل ارتفاع أسعار المواد الخام، وتميز المنتج المحلي بجودة تصنيع عالية، لكن الكثير من التجار برأيه يبحثون عن أسعار مخفضة دون الاهتمام للجودة". عبد الرزاق حسن تحدث الينا بينما كان يحيك قطعة ملابس لاحد زبائنه في محله الواقع في حي النصر بغزة، ثلاث ماكينات أصبح يمتلك عبد الرازق بعدما قام والده ببيع معظم ماكينات الخياطة بخسارة كبيرة، حيث كان يستفيد منها أكثر من 40 عاملا. وقال ان "انخفاض سعر ماكينات الخياطة بشكل كبير جراء التراجع الذي شهده هذا القطاع الهام والذي كان سابقا كما يذكر عبد الرازق تستفيد منه عدد كبير من الاسر الفلسطينية لدرجة أنه يمكن القول أنك نادرا ما كنت تجد منزلا في غزة لا يوجد به ماكينة خياطة، بالاضافة الى انخفاض أجور العاملين في هذا المجال بشكل كبير، حيث كانت تصل يومية بعض هؤلاء الى 100 شيقل، وهو مبلغ كبير في نظر الكثيرين منهم، الذين أصبحوا يعملون في الفترة الحالية مقابل أجر يومي لا يتعدى غالبا الـ 40 شيقل. خلال جولة قمنا بها لعدد من مصانع الخياطة التي كانت تشغل خطوط انتاجية عديدة، وجدنا أن بعض هذه المصانع لم يبق منه سوى "اليافطة" التي تشير الى عنوان المصنع سابقا، بينما تحولت أخرى الى مشاغل صغيرة تعمل على تصليح الملابس القديمة، ولا يتعدى عدد العاملين فيها الثلاثة، احدى هذه المصانع اصطحبنا مالكها الى سدة عالية في محله، وبدا واضحا حجم الغبار الذي تراكم على بعض الماكينات، رغم قيامه بتغطية بعضها بالنايلون، ناهيك عن المساحة الكبيرة التي تركت خالية في المصنع بعدما كان لا يوجد متسع لاضافة ماكينات خياطة جديدة في المصنع. فارس العرودي صاحب مصنع خياطة، يعتبر أن قطاع انتاج الملابس في غزة يمكنه أن يشهد انطلاقة جديدة، في حال تم منع استيراد الملابس الصينية، أو فرض ضرائب بنسبة معينة تسمح للمنتج المحلي بالمنافسة، واكتساب الثقة من جديد لدى المشترين، موضحا أن قطاع انتاج الملابس في غزة قادر على النهوض لكنه بحاجة الى فتح الاسواق أمامه، ودعمه من قبل المشترين المحليين. أما طارق العشي وهو صاحب محل للملابس في سوق الشيخ رضوان يقول: بعض المشترين أصبح لديهم صورة خاطئة عن الملابس المنتجة محليا، حيث يعتقد البعض منهم أن جودة الملابس المحلية لا تضاهي الملابس المستوردة، لكنه وجود الكثير من الملابس المصنعة محليا التي تتميز بجودة عالية تفوق البضائع المستوردة. ام وائل (37 عاما) كانت تقف قرب احد محال بيع الملابس في شارع عمر المختار، تقول "انا مستعدة للتوقف عن شراء الملابس المستوردة في سبيل دعم المنتج المحلي" لكنها اشترطت مضاهاة الملابس المحلية للمستوردة في الجودة والسعر، مشيرة الى أن نسبة عرض الملابس المصنعة محليا قليلة، ما يجعل الكثير من المتسوقين لا يميزونها عن المستوردة. بدوره، قال مدير الادارة العامة للصناعة بوزارة الاقتصاد الوطني التابعة للحكومة المقالة بغزة، عبد الفتاح أبو موسى إن "الوزارة تسعى جاهدة للنهوض بقطاع الخياطة بغزة من جديد ، حيث اتخذت في سبيل تحقيق ذلك عدة خطوات مهمة، مثل سياسة إحلال الواردات التي بدأت الوزارة باتباعها عبر العمل على تقنين دخول بعض السلع المستوردة التي لها بديل محلي". وفي هذا الصدد، قال أبو شنب، إن الوزارة اتخذت قرارا بمنع دخول "الزي المدرسي في المراحل الدنيا (المريول والجينز) بهدف تشجيع مصانع الخياطة العاملة في هذا المجال، كما أصدرت عفوا جمركيا ( ضريبيا) لمصانع الخياطة عن السنوات السابقة بما فيها العام الحالي 2013، اضافة الى اقامة المعارض بهدف تشجيع المنتج المحلي وتوعية المواطن الفلسطيني بدعم هذا المنتج". وبيّن أن المصانع التي ما زالت تعمل، توظف نسبة 25% من طاقتها الانتاجية، ويمكن أن "نلمس خلال الفترة القادمة تحسنا ملحوظا على هذا القطاع خصوصا بعد تلك القرارات". وتابع ابو شنب: يجب تفعيل دور المواصفات والمقاييس، والا يتم ادخال أي ملابس على الاسواق لا تحمل العلامة التجارية، حيث تدخل الى القطاع الكثير من الملابس ليس فيها أي جودة، وفيها ضرر على صحة المواطنين، والكثير من تلك الملابس يصنع من (البوليستر) وليس من القطن كما يعتقد البعض، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود لإنقاذ قطاع الخياطة، والنهوض به من جديد.