اللاجئون السوريون بالزرقاء: عمالة ماهرة ورخيصة ولكن..

الرابط المختصر

تقرير: إبراهيم أبو زينة- مضمون جديد هاشم، شاب سوري يعمل في الزرقاء من دون تصريح، لكن السلطات تتغاضى عنه، تماما كما تتغاضى عن استغلال اصحاب العمل له ولعشرات الالاف من مواطنيه ممن لجأوا الى الاردن فرارا من الحرب في بلدهم. كان هاشم (17عاما) القادم من بلدة الحراك في درعا، لا يزال طالبا عندما اندلعت الحرب وانتزعته من مقاعد الدراسة لتقذف به مع اسرته الى المملكة، وتحولهم بين عشية وضحاها الى مجرد ارقام في تعداد اللاجئين. وعندما استقر المقام في الزرقاء، سعى الشاب في شوارع المدينة باحثا عن عمل يوفر له ولاسرته عيشا كريما بعيدا عن طوابير المساعدات التي رأى فيها مساسا بكبريائه، الى ان اهتدى اخيرا الى وظيفة عامل في مخبز. كانت الوظيفة اشبه بطاقة فرج انفتحت واشعرت هاشم برجولة مبكرة، لكن نهاية الشهر حملت معها مفاجأة صاعقة، حيث قبض اجرا يقل بكثير عما اتفق عليه مع صاحب المخبز. حاول الاحتجاج، لكن الرد جاءه حازما بان عليه القبول بهذا المبلغ الهزيل، والا فليترك العمل وسيكون هناك عشرات اخرون غيره مستعدين للعمل بما هو اقل من ذلك. قرر هاشم ترك العمل لان كبرياءه لا تسمح له بان يستمر ضحية استغلال من قبل الاخرين. وطبعا لم يخطر له اللجوء الى القضاء لانصافه، لعلمه ان عمله من دون تصريح يجعله فاقدا لاهلية المطالبة باية حقوق. وبأسى يقول هاشم لـ"مضمون جديد" انه احتسب اجره عندالله، وعاود البحث مجددا عن عمل، وفي نفسه خشية من تكرار تلك التجربة المريرة التي تكاد تتشابه حد التطابق مع تجارب مر بها عشرات اللاجئين السوريين العاملين في الزرقاء. ولا تقف الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون من اللاجئين السوريين عند تدني الاجور، بل تتعداها الى اجبارهم على العمل لساعات طويلة ودون اعطائهم بدلات عن العمل الاضافي، فضلا عن حرمانهم من الاجازات والتامين الصحي. ولا تتوافر احصاءات حول العاملين في الزرقاء من اللاجئين السوريين الذين ناهزت اعدادهم في المملكة نحو نصف مليون، فيما هي تتزايد في كل يوم مع استمرار الحرب التي دخلت عامها الثالث ودونما بوادر على قرب انتهائها. ويقدر مسؤولون عدد العاملين بصورة غير قانونية من اللاجئين السوريين بنحو 160 الفا، يتركزون خصوصا في اربد والمفرق والزرقاء، وذلك بحكم القرب الجغرافي من بلدهم الام سوريا، ومن المخيمات المقامة لايوائهم. وهذه العمالة في غالبيتها غير قانونية، حيث لا يسمح للسوري الذي يدخل الأردن بصفة لاجئ الحصول على تصريح عمل. ويمكن ملاحظة العمال السوريين الزرقاء بكثرة في المطاعم والمخابز ومحال الحلويات، فضلا عن ورش القصارة والتبليط والدهان. وجميع هذه المهن معروف عن السوريين مهارتهم فيها، وهو ما يجعل اصحاب العمل يفضلونهم على العمالة الوافدة من دول اخرى، ناهيك عن العمالة المحلية. والى جانب المهارة، فان رخص يد العمالة السورية تشكل ميزة مغرية لاصحاب العمل الذين يجازفون بتعرضهم للعقوبة في حال اكتشاف امرهم من قبل مفتشي وزارة العمل. وتتراوح اجور العاملين السوريين بين 70 و150 دينارا شهريا، وهو ما يقل بكثير عن الحد الادنى للاجور المقرر للعمالة القانونية، والبالغ 190 دينارا. وفي حين ينص القانون على تسفير العمالة غير القانونية، الا ان السلطات تجد نفسها في مازق عند ضبط العمال السوريين المخالفين، حيث يتعذر اعادتهم الى بلادهم بسبب ظروف الحرب. غير ان هناك انباء تتردد حول امكانية رفع قيمة الغرامات على اصحاب العمل الذين يوظفون العمالة غير المرخصة لتصبح 1000 دينار بدلا من 200 كما هو الحال الان، وذلك في مسعى للحد من تشغيل السوريين اللاجئين. وقد اسهم انخراط السوريين في سوق العمل الاردني في رفع عدد العمالة غير المرخصة في البلاد الى نحو 800 الف. وتزيد هذه الاعداد من التحديات امام السلطات التي تسعى جاهدة لتنظيم سوق العمل حتى تفتح المجال للعمالة المحلية التي تتفاقم البطالة في صفوفها. وتبلغ نسبة البطالة بين الاردنيين 15,3% حسب الارقام الرسمية، لكن منظمات اهلية متخصصة تؤكد ان النسبة تتجاوز 30%. وتغدو مشكلة البطالة في الزرقاء اكثر حدة، حيث ان نسبة العاطلين فيها تبلغ 15,9% كما تذكر الارقام الرسمية، و35% حسب المنظمات المتخصصة، وذلك رغم حقيقة ان المحافظة تضم نحو 52 بالمئة من مصانع المملكة. والى جانب منافسة العمالة السورية اللاجئة لنظيرتيها المحلية والوافدة من دول اخرى، فقد برزت مؤخرا مزاحمة من نوع اخر، وتتعلق هذه المرة باصحاب العمل انفسهم سواء كانوا تجارا ام صناعيين. حيث بدأت تظهر في الزرقاء محال ومنشآت تجارية وصناعية تحمل اسماء علامات سورية شهيرة عالميا، بعدما انتقل بها اصحابها السوريون الى المملكة بسبب الاوضاع الامنية المتردية في بلادهم. ولعل احدث الماركات تلك التي تحمل اسم محل بكداش للبوظة، والذي ظل على مدى سنوات معلما ومقصدا للسياح في سوق الحميدية في دمشق. ولا يخفي الكثير من اصحاب الاعمال الاردنيين قلقهم من تاثر استثماراتهم جراء هذه المنافسة التي تصعب مجاراتها. وبينما يجد بعض اللاجئين ممن تسنى لهم العمل في هذه المحال التي تحمل عبق وطنهم شيئا من السلوى وربما الانصاف في غربتهم، الا ان البقية منهم لا تزال نهبا لانتهاكات اصحاب عمل لا يرون فيهم سوى مصدر للتربح. وكما تؤكد شيرين مازن من مشروع المرصد العمالي الأردني لمضمون جديد, فان المشروع يتلقى باستمرار شكاوى لعمال سوريين حول الانتهاكات والاستغلال الذين يتعرضون لها على يد أصحاب العمل. ولم تقدم مازن ارقاما او احصاءات بشأن الشكاوى، الا انها قالت ان المرصد يصدد إصدار تقرير مفصل سيتضمن توصيات محددة لصاحب القرار.

أضف تعليقك