فلسطين هي الضحية الأولى .. الزلزال يقترب وكابوسُ انهيار البنايات أيضاً

الرابط المختصر

بيت لحم - هبة لاما - مضمون جديد

التفَتَتْ إلى التلفاز المهمل في غرفة الجلوس، على مذيعة في إحدى النشرات الإخبارية وهي تقول: "زلزال محتمل سيضرب الأراضي الفلسطينية قريباً وسيسبب أضراراً جسيمة في المباني والأرواح".

فكَّرَتْ سحر عبدالله: هل من المفترض أن تصاب بالهلع؟ ولما ذلك، والخوف لا يغير شيئاً مما سيكون، ففي النهاية إن الإصابة جراء حادثٍ طبيعي، أفضل من الإصابة برصاصةِ احتلالٍ على حاجز ما، أو غارة جوية مفاجئة، أو سخط جندي قرر إطلاق النار دون أي سبب واضح.

هكذا تأتي الأخبار المتعلقة بالزلازل وهكذا تذهب؛ اهتمام لثوان معدودة ثم نسيان كلي، وتحويل التفكير لأخبار أخرى، سياسية في الغالب؛ خاصة مع ازدحام نشرات الأخبار بكوارث انسانية؛ قصف إسرائيلي وسقوط عدد من الشهداء، اعتقالات في مناطق أخرى، وإغلاقٌ وحصارٌ في مناطق ثالثة... وبين كل هذه الأخبار يضيع الاهتمام بزلزال "محتمل" الحدوث، على اعتبار أن ما هو قائم أهم مما "قد" يكون.

ولكن ماذا إذا وقع؟
رغم عدم الاهتمام الجماهيري الكبير بالكوارث الطبيعية، إلا أن الجهات المختصة بدأت تدق ناقوس الخطر؛ فزلزال بقوة 6 أو 7 درجات بحسب مقياس ريختر يعد مدمراً في فلسطين، "ففلسطين هي الحلقة الأضعف" -يقول الدكتور جلال الدبيك مدير مركز علوم الارض والزلازل في حديثه ل PNN- مفسراً ذلك بان "غالبية مبانيها غير مجهزة لأدنى متطلبات مقاومة الزلازل، كما تحتوي على أخطاء هندسية جسيمة قد تؤدي إلى انهيارها كلياً أو جزئياً جراء زلزال متوسط القوة".

"ربع هذه المباني سيتضرر بشكل طفيف" -يوضح الدبيك- "أما البقية فهي معرضة للانهيار والتصعد، مما يشكل خطراً كبيراً على من في داخلها."أما المخيمات فلها حديث آخر" -يقول المهندس عيسى مرة- "فطريقة البناء وجودته شبه سيئة مع عدم وجود تصاميم مناسبة، إضافة إلى أن البيوت متراصة على بعضها البعض، مما يجعل عملية الفرار والنجاة صعبة نوعاً ما".

7 بؤر زلزالية نشطة
مركز علوم الأرض ليس الجهة الوحيدة التي تبحث في هذا الموضوع وتتخوف منه؛ إذ اضطلعت جهات أخرى بدراسات وأبحاث متخصصة بينت أن الفترات الزمنية القادمة ستشهد زلازلاً في أكثر من منطقة؛ منها منطقة شمال وجنوب البحر الميت، ومنطقة وادي عربة وغور الأردن ومنطقة بيسان وأصبع الجليل ومنطقة البحر المتوسط ومنطقة الفارعة "الكرمل".

ووفق ما تتحدث عنه هذه الدراسات فإن كل بؤرة زلزالية نشطة ستشهد زلزالاً تترواح قوته بين 6 إلى 7 درجات على مقياس ريخيتر مما يعد مدمراً، خاصة في المناطق تحت السيطرة الفلسطينية والتي تفتقر إلى التجهيزات اللازمة لتفادي الأضرار الناجمة عن الزلازل، إضافة إلى كون هذه البؤر سطحية وقليلة العمق مما يجعلها أكثر تأثيراً.

استنادا الى الدبيك، فإن ما يزيد من المأساة الفلسطينية فضلاً عن المباني الضعيفة، فإن فلسطين ليس لديها مؤسسات دولة كالجيش والطائرات وأغراض الانقاذ والرافعات وأغراض الطوارىء الأخرى والملاجىء، كما أن الاتصالات ستنهار كلياً من دون أي بديل لاسلكي وهذا ما يجعل الأمر في غاية الصعوبة والحساسية، وآخر ما يمكن توقعه مساعدة اسرائيلية.

الوفيات بالآلاف
وبحسب الدبيك، فإن الدراسات الفلسطينية تشير إلى عدد وفيات يترواح بين 5 إلى 8 آلاف فرد بينما تشير نظيرتها الإسرائيلية إلى وصول عدد الوفيات إلى 10 آلاف فرد، ناهيك عن الإصابات الأخرى والأضرار الجسيمة والخسائر الفادحة.

وبما أن فلسطين تعتبر دائماً في حالة طوارىء فإن كوادرها معتادة على مثل تلك الأزمات التي تحتاج إلى تحركات سريعة، ولكن تبقى المشكلة في الأعداد الهائلة التي يمكن أن تحتاج إلى اسعاف وعلاج إذ يقول الدكتور نعيم صبرا مدير عام المستشفيات: "إن التجهيزات الطبية في فلسطين تحسنت خلال الثلاث سنوات الماضية، كما وضعنا خطة لتفريغ بعض المستشفيات من المرضى، لكننا لن نستطيع أن نسيطر على آلاف الإصابات دفعة واحدة وهنا تكمن المشكلة مضيفاً: "أعتقد أننا سنواجه إشكالية في محافظة نابلس على وجه الخصوص نظراً لعدم وجود مستشفيات أو خدمات في المنطقة الشرقية للمدينة وتركزها في المنطقة الغربية".

أما الدبيك فيؤكد أن "فلسطين ستكون الأكثر تضرراً"؛ فالأردن واسرائيل لديهما تجهيزات للطوارىء ومواصفات زلزالية ستمكنهما من تفادي الأزمة في حال وقوعها، أما فلسطين فستغرق في الوحل من دون أن ينتبه إليها أحد.

"نحن تحت الاحتلال ومطلوب منا فجأة أن نتصرف كدولة بينما لدينا معيقات خارجية وداخلية، لا يوجد لدينا مطارات لنستقبل المساعدات، كما لا يوجد بنى تحتية مخصصة بين المدن ولا يوجد شوارع سريعة مهيئة... كل شيء معدوم!" يقول مدير عام المستشفيات لشبكة فلسطين الاخبارية PNN.

هل فات الأوان؟
لهذا كله فقد بدأت المؤسسات الحكومية بالتحرك؛ فها هي وزارة الحكم المحلي ووزارة الأشغال ونقابة المهندسين ومركز علوم الأرض وهندسة الزلازل قد وقعت مذكرة حديثاً تتضمن عدة إجراءات كاعتماد الكود الأردني في البناء (المواصفات الأردنية في التصميم والتنفيذ الزلزالي) بحيث سيتم التنفيذ قريباً كما سيتم وضع خطة واستراتيجية حكومية للبدء في معالجة البنايات القديمة إضافة إلى تأهيل المهندسين في التصميم الزلزالي.

Imageورغم أن هذه الخطوات تعدّ جيدة، إلا أنها قد تكون متأخرة، يؤكد الدبيك: "البنايات القديمة لا يمكن معالجتها بين ليلة وضحاها كما أن ذلك يحتاج إلى وقت وتمويل كبيرين". لكنه في المقابل يشير: "على الأقل البنايات الجديدة ستكون آمنة ومحصنة ضد حدوث الزلازل".

ويضيف الدبيك: "كان يجب الانتباه لهذه الأمور التقنية والهندسية في السابق وعدم تركها لتسوء؛ فإن التصميم الزلزالي العادي (للبيوت والعمارات غير المستشفيات والمرافق العامة) يكلف من 3 إلى 5 بالمئة إضافية من تكاليف البناء كحد أقصى، لذلك فإن هذا لن يقسم ظهر أي مواطن أو جهة تريد البناء".

ويحتوي هذا الكود الزلزالي – بحسب المهندس عيسى مرة- على الحد الأدنى من المتطلبات اللازم تحققها في المبنى ليكون مقاوماً للزلزال، وهو يختلف من مبنى إلى آخر بحسب موقع المبنى وأهميته واستخداماته وارتفاعه ونوع التربة التي سيبنى عليها، وهذا يتحكم بشكل المبنى وخواص المواد المستخدمة فيه وتوزيع العناصر الإنشائية المقاومة.

ويرى مرة أن هذا الكود يجب أن يدخل في تصميم كل مبنى من دون استثناء لتفادي أية أخطار أو خسائر في المباني والأرواح.

للوقاية
ولأن وقت التغيير قد تأخر بينما يقترب وقت الكارثة، يبقى على المواطنين أن يتنبهوا إلى بعض الأمور الوقائية التي تخفف من شدة الإصابات عبر تثقيفهم توعويا خلال وقوع الزلزال ومنها: الابتعاد عن المنازل ومآذن المساجد والمباني المرتفعة والممرات المزدحمة والضيقة والأشجار الكبيرة وأعمدة النور والهاتف وأبراج الكهرباء وعدم الوقوف اسفل "البلكونات" واسفل واجهات المحال التجارية والابتعاد عن الواجهات الزجاجية وإلزام أرصفة المشاة وعدم المرور تحت الأسلاك الكهربائية واللجوء فوراً تحت القناطر أو المداخل، وعدم دخول الأبنية والاقتراب من مراكز الخطر والأشياء المهتزة، ويجب الوقوف عند الزوايا في حال التواجد داخل المنزل.