فلسطينيات يصنعن من بقايا الموائد أجود السماد

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

لا يوجد شئ لا لزوم له او لا يمكن الاستفادة منه. فحتى بقايا موائد الاسرة تجمعها ربة البيت الفحماوية امينة اغبارية لتصنع منها اجود السماد لحديقتها.

قشور البيض والفواكه والخضروات وما يتبقى من اطعمة غير مطبوخة وحتى كرتون تغليف بعض الاطعمة، كل هذا وغيره يجد طريقه الى وعائين وضعتهما امينة قرب حديقة منزلها.
وبين الحين والاخر تقوم بسكب القليل من الماء في الوعائين وتقلب محتوياتهما لتسرع من عملية التخمر.

وبعد مرور ثلاثة اشهر يصبح الخليط سمادا عضويا يعد من افضل انواع الاسمدة في العالم، ويجد طريقه الى الحديقة الصغيرة التي باتت تغني اسرة هذه المراة عن شراء معظم احتياجاتها من الخضار والفواكه.

وفي بعض الاحيان يتم الاستعانة بنوع خاص من الديدان التي تستطيع أن تأكل نصف وزنها من الطعام يومياً و تحوله الى سماد.

تقول امينة "على الأقل أعرف أنني أتناول وعائلتي ما زرعت وجنت يداي، البندورة، البامية، التين، ورق الدوالي، الملوخية، الرمان، اللوز والحامض".

امينة ليست المراة الوحيدة في ام الفحم التي تقوم بصنع السماد العضوي من بقايا الموائد، ولكنها كانت من الرواد في هذا المضمار ولها الفضل في نشر هذه التقنية والتعريف بها في اوساط الكثير من نساء ام الفحم.

الكومبوست

الاسم الدارج لهذه التقنية هو "الكومبوست" الذي يعني السماد بالعربية، وخصوصا السماد ذو الجودة العالية.

وتحدثنا امينة عن بداياتها مع هذه التقنية قائلة "تعرفت إلى الكومبوست قبل عشر سنوات، عندما كانت ابنتي في الصف السادس، حيث وزعت على المدارس حينها اوعية إنتاج السماد، فكنت أساعد ابنتي في جمع بقايا الخضار والطعام".

وتضيف "من يومها دخلت الفكرة الى رأسي خاصة انني بطبيعتي أحب الزراعة ولدي اهتمام كبير جداً بهذه الأمور حيث أعتبرها من أسس الحياة الصحية، على الأقل على صعيد العائلة".
وكما تؤكد الدراسات الحديثة، فان للسماد الكيماوي تاثيرات خطيرة على الصحة خصوصا في حال الاسراف في استخدامه كما يجري حاليا.

وتتذكر أمينة تجربتها الاولى مع الكومبوست، قائلة انها اشترت وعائين لصناعة السماد، وراحت تجمع القشور وبقايا الطعام وأوراق الأشجار المتساقطة، ولكنها عانت من خروج روائح كريهة من الوعائين خلال عملية التخمير.
المدن الخضراء

وللاستزادة حول الكومبوست ومن اجل ان تتقن صناعته، فقد انضمت امينة الى دورة بيئة متخصصة في مدرسة ابنتها نظمها "المنتدى النسائي" في أم الفحم ولاحقاً انضمت الى مشروع "المدن الخضراء" الذي يجري تنفيذه بدعم من الاتحاد الاوروبي.

وقد مُنح هذا المشروع لست بلديات عربية في كل من اراضي 48 والضفة الغربية، وهي سخنين وشفاعمرو وأم الفحم ورام الله ونابلس والقدس الشرقية.
وخلال الدورة تعرفت امينة ومجموعة من النساء إلى الكومبست بشكل أعمق، اضافة الى انهن تزودن بمعلومات حول الوسائل الفضلى للعناية بالنباتات والحفاظ على محيط بيئي صحي.

وعقب الدورة، استطاعت أن تسد كل الثغرات بالنسبة للكومبوست مما جعلها تتأهل لأن تدير حلقات بيتية للنساء حول تصنيع السماد الطبيعي.
وجرى تقسيم ام الفحم في اطار مشروع المدن الخضراء الى ثماني حارات, تم تدريب ما بين 35 - 50 امراة في كل حارة, وقامت هؤلاء النسوة بدورهن بعقد حلقات بيتية لنقل التجربة الى اخريات.

نفايات وبيئة

المواد العضوية تخرج من التراب وتعود الى التراب، كما تقول امينة التي تشدد على أنه لا يجب أن نهمل المواد العضوية ونلقيها في القمامة.

وتضيف قائلة ان "صناعة السماد تساهم في تقليل نسبة النفايات، وعبر استغلال العضوي منها نكون قدر اصبنا عصفورين بحجر واحد، أي اننا نوفر على أنفسنا وعلى البلدية، وأيضاً نستفيد باننا نحصل على خضار وفواكه صحية".

وبحسب سليم الحلمي مدير قسم الصحة في بلدية ام الفحم، فان كمية النفايات التي تتعامل معها البلدية سنويا تبلغ 24.000 طن، وترواح نسبة المواد العضوية فيها بين 85% الى 90%.
ويرجع حلمي ارتفاع نسبة المواد العضوية في النفايات الى حقيقة ان "وزارة البيئة الاسرائيلية لا تخصص ميزانيات للوسط العربي لغايات فرز النفايات كما تفعل مع الوسط اليهودي".
مشروع مستقبلي
في الوقت الذي ينحصر انتاج سيدات ام الفحم للسماد العضوي على الاستخدامات المنزلية، الا ان هناك في اسرائيل شركات متخصصة في انتاج وتسويق هذه المادة التي تدر ارباحا كبيرة.
وكما تخبرنا امينة، فهي تفكر في ان تستثمر خبرتها وتطورها الى مشروع تجاري كبير.
وتقول "أفكر في أن أطور المشروع المنزلي الصغير لمصلحة كبيرة، وطموحي أن أنتج السماد العضوي وأسوقه وأبيعه، علماً أن هذه العملية التي تكلفني عدة أشهر ولا تكلف إلاّ القليل جداً من المال، ستدر عليّ مبالغ طائلة مستقبلا".

وتضيف "أنصح كل ربة منزل أن تقوم بإنتاج السماد لأنها ستشعر بالأرباح المعنوية والاقتصادية والبيئية، رغم أنني أعلم أن غالبية ربات المنازل يتكاسلن في متابعة هذه الأمور نتيجة ظروف عملهن ومشاغل الحياة، إلا أنني فعلاً أنصحهن بذلك".

وتتابع قائلة ان "إنتاج السماد لا يحتاج إلا القليل من الجهد. ناهيك عن أن المزروعات والخضار في أرجاء المنزل تشعرنا براحة نفسية كبيرة خصوصاً إذا أنتجنا لأجل زراعتها ورعايتها السماد العضوي".
منافع متعددة

وكما تؤكد ميّ أسدي منسقة مشروع "المدن الخضراء" في مدينة أم الفحم، فان لعملية تدوير النفايات العضوية وتحويلها الى سماد منافع متعددة تعود على الافراد وعلى مجتمعاتهم المحلية.
وتقول ان الهدف الرئيسي "هو التقليل من كميات النفايات. وبما أن الجميع ينتج النفايات ويُساهم في ازديادها، فلماذا لا يساهم في تخفيفها، ويتحقق ذلك من خلال فعاليات وورش عمل ونشاطات مختلفة تتلاءم مع كل فئة".

وتوضح إن من شان تقليل كمية النفايات "ان يساعد البلديات كثيراً، حيث أن المواد العضوية تشكل النسبة الاكبر منها، وهي تدفع مبالغ طائلة مقابل عمليات نقل وطمر هذه النفايات".
وتتابع ان "المشروع يعطي حلولاً بديلة أكثر نجاعة بأسلوب بيئي صحي وحيوي، فإن وضعت البلديات حاويات المواد العضوية ستكون خطوة نحو الاقتصاد".
وتضيف اسدي انه "على الصعيد الشخصي قد تفكر المرأة التي شاركت في المشروع في أن تبدأ بعمليات تدوير بقايا الأغذية في منزلها".

وتقول ان ذلك سيساعدها حتى "تعتاد على أسلوب حياة جديد، ناهيك عن فائدته الاقتصادية فيمكنها أن تستحدث المواد العضوية لإنتاج السماد العضوي بجودة عالية وبيعه، ويمكنها مستقبلاً توسيع دائرة عملها لتصنع من تدوير بقايا الغذاء مصلحة شخصية".

ومن ناحية أخرى تقول أسدي "إن للثقافة البيئة علاقة مباشرة مع الاستهلاك في الحياة اليومية، حيث أن للنساء فرصة أن تكون الواحدة منهن ذكية اقتصادياً، وتشجع عملية تدوير الغذاء لإنتاج السماد العضوي على الزراعة البيتية، وبالتالي تحصل على زراعة محلية تغنيها عن شراء الخضراوات والفاكهة من الحوانيت في الخارج".

أضف تعليقك