غابت السلاحف البحرية في بحر غزة فانتشرت قناديله

غزة - بارعة شراب - مضمون جديد

المعادلة البيئية تقول: إذا غابت سلاحف البحر عن الشواطئ انتشرت قناديله. أهالي غزة باتوا يعانون من هذه المعادلة التي تفاعلت في شواطئهم.

بينما تعتبر السلاحف البحرية مسالمة، توصف قناديل البحر بالشراسة فهي حيوانات بحرية هلامية (تشبه الجيلي) تعيش عادة قرب الشواطئ، وتحمي نفسها من الأعداء بواسطة إطلاق خلايا تحمل سموما تلتصق بجلد الإنسان عند ملامسته لها ما يسبب التهاب شديد يبقى لعدة أيام.

وتعتبر قناديل البحر الغذاء الأول للسلاحف البحرية التي فُقدت من بحر القطاع تماما، وبفقدانها اختل التوازن البيئي في شواطئ القطاع.
والسلاحف البحرية من فصيلة الزواحف ويصل عمر الواحدة منها أكثر من 200 مليون سنة وهي كبعض الحيوانات البحرية الغزية استوطنت بحر غزة منذ زمن بعيد وتكيفت مع بيئته.

وتمتاز هذه السلاحف بالمهارة في السباحة إلى جانب أنها تستطيع أن تبقى تحت الماء لمدد طويلة من الزمن، فيما تكتفي الأنثى من الأرض وضعها لبيضها فيها، لتعود بعدها إلى البحر.

وتتغذى السلاحف على الفقاريات التي تعيش في القاع مثل سرطان البحر والرخويات وغيرها من القواقع حيث تقوم بطحنها بفكها القوى، بدأت تلك الرخويات بالظهور في شواطئ غزة.

يقول أستاذ العلوم البيئية بقسم الأحياء بالجامعة الإسلامية الدكتور عبد الفتاح عبد ربه "لـ "مضمون جديد": عدم اهتمام الغزيين حكومة ومواطنين بالسلحفاة ككائن حي مهم بالطبيعة يؤدي إلى اختفائها"، داعيا سلطة جودة البيئة والشرطة البحرية لتطبيق القوانين الخاصة بالحفاظ على الكائنات المهددة بالانقراض.

وتعيش في البحر المتوسط ثلاثة انواع من السلاحف البحرية من أصل ثمانية أنواع منتشرة في بحار ومحيطات العالم.

في الحقيقة لا تعاني غزة وحدها من اقتراب اختفاء هذه السلاحف بحرها. بحسب د. عبد ربه فإن هذه السلاحف باتت مسجلة على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، وهو ما يفرض اسئلة حول البدائل نظرا لما يعنيه ذلك من انتشار ما كانت تقتات عليه هذه السلاحف، من حيوانات بحرية مؤذية كالقناديل البحرية.

ولا توجد في غزة، او في العالم إحصائيات حول أعدادها هذه السلاحف، وهو ما يزيد من خطورة انقراضها نتيجة النشاط البشري على الشواطئ فضلا عن صيدها من قبل الصيادين، اضافة إلى ان تزايد النشاط البشري على الشاطئ منعت السلاحف من وضع بيضها على الرمال المواجهة للبحر.

ولفت إلى إن السلحفاة ضخمة الرأس والمعروفة باسم "كارتيا كارتيا" هي أكثر الأنواع وقوعا في شباك الصيادين الذين يسارعون إلى بيعها.
وزاد" :نحن جزء من العالم ويتوجب علينا حماية التنوع الحيوي بغزة فمعظم دول العالم المتقدم يحافظ على السلاحف ويهيئ لها أماكن" تعشيش"، كما يحميها من الصيد".

وحَول قنديل البحر الذي يتسبب في تعكير ليالي المصطافين على بحر غزة يقول عبد ربه إن القضاء على القنديل أمر صعب لضعف الإمكانيات الموجودة، ناصحا بالوقاية من خلال الحفاظ على السلاحف البحرية وسمكة" المولا مولا" التي تتغذى على القناديل هي الأخرى.

ونصح المواطنين باتباع نصائح البلديات ووزارة الزراعة بعدم النزول إلى المياه عندما تكثر القنايل في البحر وخاصة الأطفال الصغار، مطالبا باتباع الإرشادات الطبية في حال التعرض لـ"لسعة" من القنديل.

ماذا يقول الصيادون؟
بالنسبة إلى الصياد خالد زيدان فإن شباكه لم تعد تلتقط السلاحف كالسابق، موضحا أن آخر مرة اصطاد فيها سلحفاة كانت قبل أربع شهور لكنه أعادها إلى الماء مرة اخرى فلا هو يأكلها ولا يوجد شارٍ لها.

وقال إن بعض زملاء مهنته إذا ما وقعت هذه السلاحف بشباكهم فإنهم يقومون ببيعها لمعارفهم أو يذبحونها لأنفسهم حيث يجدون في لحمها مذاقا خاصا . وبذات المضمون تحدث الصياد زياد اللحام الذي وصف طعمها باللذيذ وفائدتها بالكبيرة، لذلك –ويعترف – هو لا يرميها بالبحر عند صيدها.

لكن الصياد زيدان قال:" كنت بالماضي إذا اصطادت صنارتي سلحفاة أبيعها في حسبة السمك"، ولكنه منذ ان سمعت في وسائل الإعلام أنها تتناقص أصبح يلقيها في البحر، إن هي وقعت في شباكه، حاثا زملاءه اتباع التوجيهات التي تقتضي بعدم اصطياد السلاحف.

بدوره أكد نزار عياش نقيب الصيادين بغزة أن الناس لم تعد تقبل على السلاحف كالسابق، مشيرا إلى أن أعدادها قلت عن السنوات الماضية ونادرا ما تقع سلحفاة في شباك الصيادين.

ولفت إلى أن المواطنين منقسمون على قسمين فجزء منهم يُعرض عنها والأخر يبحث عنها لذبحها، منوها إلى أن الصياد لا يتعمد ايقاع السلحفاة في شباكه ولكنه إذا وجدها قد يعيدها أو يبيعها أو يذبحها لنفسه.

قانون الزراعة الفلسطيني

ويمنع قانون الزراعة الفلسطيني صيد بعض الأسماك والحيوانات من البحر ومن ضمنها السلاحف، لضمان وجودها في البيئة الفلسطينية على شاطئ بحر غزة والحفاظ على التوازن البيئي، لئلا تنتشر القناديل.

وهذا تماما ما تحاول القيام به الإدارة العامة لحماية الثروة السمكية . يقول م. جهاد صلاح المسؤول في هذه المؤسسة الرسمية "نقوم بدور توعوي ورقابي، من خلال الحديث مع الصيادين"، اض افة إلى الدور الرقابي الذي يشمل ضمان سير إجراءات القانون بالشكل المطلوب في حال وقوع مخالفة ما..

وتابع: "في الآونة الأخيرة لم تحدث سوى حالة واحدة اكتشفناها بحسبة السمك، حيث تم ضبطهم بالمكان وأحضرنا الشرطة البحرية لإثبات الحالة وعقاب الصياد، وتم إرجاع السلحفاة إلى البحر".

وأكد صلاح أن القانون واضح لكن الإدارة العامة لا تستطيع منع المخالفين من صيد السلاحف وإنما تستطيع مراقبتهم بعد ذلك.
واعتبر أن الصيد ليس السبب الوحيد في انقراض السلاحف، مشيرا إلى ان الكثافة السكانية تلعب دورا كبيرا في اختفائها من شواطئ غزة.

ومن الاسباب ايضا وفق المسؤول الغزي "التغيرات المناخية التي حدثت على البحر المتوسط، فضلا عن المجاري التي تصب في البحر والملوثات الكيميائية في البحر قد تكون أسباب في إحداث خلل بيئي أدى إلى زيادة أعداد القناديل وقلة أعداد السلاحف "بحسب قوله.

ولكنه عاد وأكد أن السبب الرئيس لاختفاء السلاحف هو العمران البشري الذي وصل إلى الساحل فضلا عن الاستراحات السياحية الموجودة هناك.

ولفت إلى أن الجهات المسؤولة تناقش إمكانية إخلاء جزء من الشاطئ للحفاظ على تواجد السلاحف، موضحا أن ضيق مساحة غزة وصغر طول الشاطئ منعا تطبيق هذه الإمكانية.

"حراس الطبيعة"
وفسر الدكتور عبد الله الأشقر مدير عام المصادر البيئية بسلطة جودة البيئة السبب في لسع قنديل البحر للمصطافين رغم موتها على الشاطئ بالقول: "هناك مادة سامة تبقى فعاليتها رغم موت القنديل على المجسات الخارجية لها فتلسع كل ما يلامسها".

وطالب الأشقر بتكثيف التوعية للصيادين الذين لا يلتزمون بأدنى المعايير الخاصة بالصيد، مما يتسبب بتدمير الثروة السمكية المهددة بالانقراض على شاطئ غزة" الضيق".

وبيّن أن سلطته طالبت مرارا وتكرارا بتوفير ضابطة بيئية أو ما يُعرف بـ"حراس الطبيعة" ليراقب فريق من المتخصصين الساحل والصيادين وكل ما يتعلق بالحفاظ على التوزان البيئي.

وذكر انهم تقدموا بورقة تشرح مهام الضابطة وعدد الفريق التي تتكون منه إلى المجلس التشريعي ومجلس رئاسة الوزراء منذ سنتين بدون الحصول على أي رد حول هذا الأمر.

متحف!!
وتعي جمعيات حماية البيئة مدى خطورة الأمر فحاولت معالجة المشكلة من خلال البرامج التوعوية للحفاظ على البيئة بشكل عام، فقامت جمعية فلسطين التربوية لحماية البيئة بدور لا شك يساهم في تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة.

وفي ذلك تقول المهندسة ديانا كحيل لـ "مضمون جديد": نحن نقوم بحملات توعية بشكل واسع ومستمر على مدار العام وهذه الحملات ذات بعد بيئي صحي"، موضحة أنهم قاموا بحملات تنظيف الشواطئ وغيرها من المشاريع.

وأضافت، إن أبرز المشاريع التي نعمل عليها للحفاظ على الكائنات الحية في البيئة هو مشروع متحف الزواحف والبرمائيات والذي سيري النور خلال العام القادم".

واعتبرت أن المشروع ذا بعد إنساني وتنموي للبيئة، حيث سيتم جمع عدد من الزواحف والبرمائيات التي توشك على الاختفاء، كما سيتم توفير الغذاء والرعاية الجيدة لها.

وأشارت إلى انهم سيجمعون هذه الكائنات من غزة وخارجها ويفرون البيئة المناسبة لها ليراها طلاب العلم الذين اعتادوا على رؤيتها في كتب العلوم فقط.

أضف تعليقك