عيد غزة .. القطاع من دون فكة ولا رواتب

الرابط المختصر

قطاع غزة – محمود أبو الهنود

"200 شيكل ثمن قميص وبنطال وحذاء العيد لمحمد، ومائة شيكل أخرى ثمن فستان لعبير، أما ياسر فسيكلفني لوحده 300 شيكل على الاقل", هكذا كان يصف أبو محمد موظف من غزة لـ "مضمون جديد" خطته لتوزيع نصف راتبه البالغة 1100 شيكل.

يقول أبو محمد المشكلة أن هذا ليس كل شيء، فهناك 300 شيكل ثمن ملابس للزي المدرسي. المبلغ المتبقي لأبي محمد بعد أن طرح وجمع وضرب هو 300 شيكل.

لا يعرف هذا الموظف كيف يقسيم المبلغ المتبقي على قائمة المطالب العديدة المرجو منه توفيرها لأسرته قبل عدة أيام من حلول عيد الفطر وبدء العام الدراسي الجديد، وهو ما جعله يفضل الصمت والانصراف بسرعة من أمام الصراف الالي الذي حصل منه على راتبه رافعاً يديه وعينيه للسماء قائلاً: "كان الله بالعون" .

ذلك العون لا يرجوه أبو محمد لوحده فهو بالنسبة لموظفين آخرين "في نعمة قد يحسد عليها" بالنظر لعدد أفراد أسرته القليل، فياسر ياسين "أبو أحمد" المعيل لأسرة مكونة من 11 فرداً يقول "أنه دخل في مشكلات مع عدد من الدائنين الذين بادروا للاتصال به بمجرد أن أعلن عن صرف نصف راتب للموظفين مطالبين بديونهم.

يقول: ماذا دهاهم؟ ماذا سأفعل لأسرة عدد أفرادها مكونة من 11 فرداً؟ هل يمكن أن أغطي حجم الديون؟ هذه الديوان التي تثقل كاهل معظم الأسر الفلسطينية نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
لكن ما انتهى اليه أبو أحمد من تساؤلات جعلت الموظف يسري عبد الله يقول: "زهقنا من السياسة، زهقنا انقسام، زهقنا الحصار، نريد حياة كريمة مثل باقي شعوب الأرض.

أمام يسري حلان، فكان بين امرين إما أن تميل كفة نصف راتبه إلى شراء متطلبات العام الدراسي لأبنائه الأربعة، أو كسوتهم للعيد. يسري اختار متطلبات المدرسة، من دون ان ينسى ان يدعو "التجار إلى رحمة العباد، خصوصاً في هذه الفترة بالذات التي تشهد موسم المدارس والعيد، وبحكم الظروف الصعبة التي يمر بها المواطن الفلسطيني".

وبالنسبة إلى بسام زكارنة رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية فإن الموظفين انتظروا صرف راتب واحد على الاقل قبل العيد، ولكنهم تفاجأوا بإن جزء كبير منهم لم يحصل عليه، خاصة ان الحكومة قررت دفع تكمله راتب شهر حزيران الماضي.

وقال في بيان نشر بتاريخ 24/ أغسطس الحالي تعقيبا على قرار الحكومة الفلسطينية بصرف تكملة رواتب حزيران الماضي للموظفين: إن معظم رواتب الموظفين تتراوح بين 2000-1500 شيكل وهو ما يعني ان جزء كبير منهم سوف يحصل على مئة شيكل واخرون 500 شيكل وبذلك يكون الموظفين دخلوا رمضان بلا رواتب والآن يدخلون العيد أيضاً من دونها.

وقال زكارنة إن البنوك الفلسطينية خصمت الشهر الماضي كامل القروض، وكذلك الحكومة خصمت كامل القرض لصالحها، فدخل شهر رمضان بمصاريفه المعروفة والعام الدراسي الجديد والاحتياجات الكثيرة للطلبة من أبناء الموظفين والتسجيل للجامعات فلا يعقل ان يترك الموظف تحت شعار الحكومة عاجزة عن توفير الرواتب.

وطالب الحكومة بتحمل مسؤولياتها وإخراج الموظف والمواطن من حالة القلق على لقمة عيشه بحيث تجعل جميع الشرائح من الشعب الفلسطيني في القطاع الخاص والعام يتحملون مسؤولياتهم من خلال الطلب من شركات الكهرباء وقف سياسة الدفع المسبق وكذلك مصلحة المياه وإعطاء الإيعاز للجامعات لتسجيل ابناء الموظفين دون أقساط لحين صرف الرواتب.

هذا ما جعل الموظف أدهم سالم يعرب عن استيائه نتيجة صرف بقية راتب شهر حزيران الماضي، التي قال إنها لا تعادل قيمة نصف الراتب عند عدد كبير من الموظفين والتي تبلغ قيمة ما استلمه أدهم 950 شيكل، مشيراً إلى أنه يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، وأطفاله بعضهم في المرحلة الدراسية وأخر في المرحلة التمهيدية إضافة إلى طفلته الرضيعة "رغد " التي تحتاج للحليب بشكل مستمر، متسائلاً عن "الطريقة السحرية" التي يمكنه من خلالها إدارة أزمة المبلغ المتبقي له من راتبه بحيث يستطيع الوفاء بالمستلزمات المطلوبة منه.

ويبلغ عدد موظفي السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة: وفق أحدث دراسة أجرتها النقابة الوطنية العامة للموظفين الحكوميين نشرت بتاريخ 1/ديسمبر/ 2010 حوالي 81000 منهم في الضفة الغربية حوالي 50,000 موظف يشكلون ما نسبته 61% ، ويصل اجمالي عدد موظفي قطاع غزة حوالي 31,000 ويشكلون 39%. .

أما ياسر مكرم صاحب محل للملابس في منطقة الرمال بغزة فقال إن نشاط الحركة الشرائية في الأسواق يعتمد بشكل أساسي على قطاع الموظفين الحكوميين.

ويراقب التجار موعد تسلم الموظفين لرواتبهم بحرص، مؤكدا بأن حصول الموظفين على نصف رواتبهم فقط أثر كثيراً على حركة السوق، فالكثير منهم اكتفوا بشراء الملابس الخاصة بالمدارس وليس العيد.

وتعاني السلطة الفلسطينية منذ عدة شهور من أزمة مالية خانقة لم تتمكن خلالها من الانتظام في دفع رواتب موظفي القطاع العام، وعن ذلك أكد د. سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني في مقابلة أجرتها معه " قناة العربية " بتاريخ 20/ يوليو /2011 بأن الوضع المالي للسلطة الوطنية صعب وازداد صعوبة مع تأخير وصول العائدات.

وبلغ عجز السلطة التمويلي بقيمة 100 مليون دولار عام 2011 هي من تراكمات العام الماضي، كما أن هناك عجزا شهريا بقيمة 30 مليون دولار تقريبا، وما وصل ميزانية السلطة من مساعدات هذا العام بلغ 209 مليون دولار فقط".

موازنة السلطة تمويل خارجي

وعن الأزمة المالية قال فياض إن السبب الرئيسي، لهذه الأزمة نقص التمويل الخارجي المخصص لدعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية، فمنذ ثمانية أو سبعة أشهر والسلطة تواجه نقصاً في التمويل الخارجي المخصص لدعم الموازنة بما معدله 30 مليون دولار شهريا، وهو يعد مبلغ كبير يــُنقل ويحمل من شهر إلى الشهر الذي يليه.

وحاولت الحكومة - والحديث لفياض - التعامل مع هذا الواقع كما كانت تعمل في السابق عبر الاقتراض الإضافي من القطاع المصرفي، حتى وصل الامر أوائل الشهر الحالي إلى نقطة لم يعد بمقدور السلطة أن تقترض المزيد، مؤكداً في نفس الوقت على أن السلطة الفلسطينية مستمرة في انتهاج سياسة تخفيض عجز الموازنة، متوقعاً الاستغناء عن المساعدات الخارجية المخصصة لدعم الموازنة بحلول أواخر عام 2013م.

القطاع من دون فكة

وإلى جانب أزمة الرواتب تعاني غزة من أزمة في "توفر الفكة". يقول د. ماهر الطباع مسؤول العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة في بيان له بتاريخ 27/ أغسطس الحالي أن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها التجار وأصحاب المحلات والمواطنين هي اختفاء الفكة من الأسواق قبل مواسم الأعياد, ويتسبب النقص الحاد في الفكة بخسائر مادية جسيمة للتجار الصغار لفشل العديد من عمليات البيع بسبب نقص الفكه،

مشيراً إلى أن النقص الحاد في الفكه في قطاع غزة يتسبب بأزمة حادة في المواصلات وهو ما دفع بالكثير من الركاب إلى المشي على الأقدام للوصول إلى محطاتهم المختلفة أو الحد من التنقل.
وتفرض إسرائيل منذ أكثر من خمس قيود مشددة على نقل الأموال من وإلى قطاع غزة، مما يتسبب بأزمة السيولة وفقدان العملات المختلفة واختفاء الفكة وعدم استقرار أسعار صرف العملات وتداول العملات المهترئة في الأسواق.

ومن المتوقع أن تنهي أزمة الفكة في قطاع غزة بعد ظهيرة اليوم الأول من أيام العيد، وذلك بعد إفراج المواطنين عن الفكه المتواجدة معهم في المعايدات.

من جهته قال الخبير الاقتصادي عبد الحكيم الطلاع لـ "مضمون جديد" إن الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية نتجت عن عدة عوامل من ضمنها الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية،

واستخدام إسرائيل لإيرادات المقاصة الضريبية كورقة ضغط على السلطة، إضافة للتسربات الضريبية، والتهرب الضريبي الداخلي، مشيراً إلى أن أزمة السلطة المالية أدت إلى عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي عند الموظفين نتيجة عدم انتظام الرواتب في بداية كل شهر وهذا بدوره يؤثر على نفقات قطاع الموظفين، وسيعمل على ازدياد الديون المترتبة عليهم.

وحول دور البنوك في المساهمة بتخفيف أزمة الموظفين أوضح الطلاع أن دورها قد يكون محدود وذلك بسبب قانون إدارة الدين العام الذي صدر عام 2005 والذي ينص على أن سقف الدين العام بحيث لا يزيد على 40% من الناتج المحلى الاجمالى، وقد بلغ اجمالى الدين العام للسلطة الوطنية في نهاية عام 2010 مقدار 1883 مليون دولار. ولكنه قال: يمكن للبنوك زيادة الائتمان للمستثمرين مما يؤدي إلى نمو اقتصادي مما يترتب علية زيادة عوائد السلطة من الضرائب وهذا يساعد في حل أزمة السلطة المالية.

أضف تعليقك