سموم اسرائيل تخنق جسر الزرقاء "جوهرة الشاطئ الفلسطيني"

الرابط المختصر

عرب 48 - روزين عودة - مضمون جديد

عاما بعد اخر، تتراجع كمية الاسماك ومعها اعداد الصيادين في بلدة جسر الزرقاء جنوب حيفا، او "جوهرة الشاطئ الفلسطيني" كما يطلق عليها، والتي تمثل الثغر العربي الوحيد المتبقي في اسرائيل على تخوم البحر المتوسط.

وفي البلدة التي هي ربما الوحيدة في العالم التي لا يمكن وصولها برا الا عبر نفق ضيق او جسر علوي، ينفث الصياد العتيق خليل جربان، زفرة مريرة قبل ان يقول وهو يشير الى البحر "انه يختنق، ونحن ايضا".

قبل عام 1948، كانت البلدة التي تقع على بعد 30 كلم جنوب حيفا، واحدة من الجنان التي تنفتح على البحر وعلى رحابة فلسطين، ولكنها اليوم محاصرة بمستوطنات قضمت معظم اراضيها، وبشاطئ ترتفع فيه مستويات التلوث بشكل خطير.

وتشكل محطة لتوليد الطاقة انشأتها اسرائيل في ستينيات القرن الماضي، احد اهم عوامل تلويث مياه الشاطئ، خصوصا انها تعمل بالفحم الحجري.

وتاتي في المرتبة التالية المناطق الصناعية التي تصب ملوثاتها في نهر جسر الزرقاء الذي يحملها بدوره الى مياه البحر القريبة من جسر الزرقاء.

يقول الصياد جربان "منذ أنشأت الدولة محطة توليد الطاقة والتأثيرات السلبية والأضرار تتراكم ولا أحد يحرك ساكنا".

ويقيم جربان الذي يعمل في الصيد منذ 50 عاما وورث المهنة عن ابيه وجده، في واحد من الاكواخ الصغيرة المطلة على البحر في ما يعرف بقرية الصيادين في جسر الزرقاء، والتي تضم نحوا من 30 عائلة تعتاش من البحر.

ويبلغ عدد سكان البلدة حاليا نحو 12 الفا.

ويؤكد الصياد الذي يزين كوخه بمخلوقات بحرية محنطة تشهد على ولعه بالصيد منذ كان في الثانية عشرة من عمره، ان "رماد الفحم الحجري الذي يتطاير من المحطة إلى البحر بكميات هائلة يقضي على الأسماك".

ويقول "كان البحر قبل انشاء المحطة غنيا بأنواع كثيرة من الاسماك، لكنه اليوم يفتقد لنبضها".

ويضيف "في كل سنة تقوم سفينة كبيرة بعملية تنظيف للشاطئ، حيث تقوم بالقاء الرمال الملوثة التي تجرفها على الصخور فتدمر وتردم الكهوف الصغيرة فيها والتي تشكل موطنا لعدة أنواع من الاسماك، ما يتسبب في هجرتها إلى أماكن أخرى".

كما يشير جربان الى عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في قعر البحر والتي يقول ان تاثيراتها البيئية الملوثة لا تقل عن تلك الصادرة من محطة توليد الطاقة.

ويردف "صحيح ان كمية الاسماك في البحر تراجعت بشكل عام، لكن تحديداً في منطقتنا فالمشكلة اشد وطأة ونحن نعاني، علماً أن الصيد هو المعيل الأول لعشرات العائلات في القرية".

ويقول جربان "اضافة الى التلوث الخطير الذي يُبعد الأسماك، هناك أيضاً من يحاول ابعادنا عن البحر، ففد جرى في الآونة الأخيرة حظر الصيد علينا في عدة مناطق، بالرغم من أن فيها سمكا وفيرا، وكل من يحاول الصيد فيها فانه يسجن".

ويؤكد الرجل بقنوط "أصبحنا نعيش بقلق وخوف من هذه الحدود".

مافيا البحر

والى جانب مشكلة التلوث، هناك الصيد الجائر الذي تمارسه بعض الشركات التي ترسل سفنا كبيرة للصيد في المياه القريبة من جسر الزرقاء.

ويقول جربان ان "هذه السفن تستخدم شباكا بعيون صغيرة فتصطاد الأسماك الكبيرة والصغيرة على حد سواء، ولا تبقي لنا شيئا".

ويضيف "ليتها تأخذ الأسماك التي تصطادها وتستفيد منها، لكن ما يحصل هو انها تحتفظ بالاسماك الكبيرة، اما الصغيرة فانها تلقيها في البحر بعد ان تكون قد نفقت".

ويقول جربان ان هذه السفن "تجرف معها شباكنا التي ننصبها ليلا على عمق 20 أو 30 متراً، وعدة مرات كنا نلحق بها حتى ميناء حيفا، لكنها وفي إبحارها إلى هناك كانت ترفع سلالها وتاخذ الأسماك، اما شباكنا فترميها في البحر".

وبحسب ما يؤكده، فقد "طلب صيادو القرية من دائرة الأسماك أن تراقب هذه السفن، وقد وعدت بمتابعة الامر، وللان نحن ننتظر، ولكن لدي معلومات من عدة أطراف تؤكد أن هذه السفن يمتلكها رجال المافيا ولن تستطيع دائرة الأسماك وضع حد لها".

ويضيف ان هناك مشكلة اخرى يتسبب بها مربو الاسماك في الكيبوتسات الاسرائيلية، والذين يحصدون البيوض من اجل تنميتها في بركهم، ما يؤدي الى القضاء على فرصة تكاثرها في البحر واستفادة الصيادين منها.

ويتابع قائلا بأسى "نحن نعيش تحت رحمة ربنا، موسم الصيد سيبدأ بعد شهرين، ولا نعلم ماذا ينتظرنا".

ويؤكد ان "هناك نحو 30 عائلة كبيرة في جسر الزرقاء تعيش من البحر، ونحن نتحدث عن عائلات فيها 12 فرداً في المعدل، ولا يوجد أي إمكانية للمعيلين أن يتركوا البحر ويعملوا في أي مهنة أخرى..نحن خلقنا للبحر والصيد، والبحر يسري في عروقنا. واليوم نحن نختنق من كل جانب".

ويقول جربان في اشارة الى قرية الفريديس القريبة التي يعتاش بعض سكانها من صيد السمك ومن الزراعة في نفس الوقت، إن هؤلاء "يستطيعون هجرة البحر لأن لديهم أراض زراعية يمكنهم العيش مما توفره من محصول، بينما نحن لا نملك حتى ارضا للسكن بعدما صادرت الدولة اراضينا واصبحت ملكا لها".

وتعتاش الغالبية الساحقة من السكان من العمل في المناطق الصناعية في المدن القريبة منها باجر يومي وشهري متدن ويعتمد قطاع أخر من السكان على العمل في الحرف والمهن الحرة وصيد الأسماك أيضا.

وتبلغ مساحة منطقة نفوذ المجلس المحلي لجسر الزرقاء 1500 دونم فقط، ويضطر بعض سكانها إلى مغادرتها والسكن في القرى العربية القريبة منها مثل باقة الغربية وعرعرة وكفر قرع وذلك بسبب قلة الأراضي المخصصة للبناء وعدم توفر المشاريع السكنية فيها.

تمييز وعنصرية

من جانبه، يلقي سامي العلي رئيس اللجنة الشعبية من اجل جسر الزرقاء، مزيدا من الضوء على الطريقة التي تلوث بها محطة الطاقة مياه الشاطئ، لافتا في السياق الى عامل اخر يسهم في التلوث وهو التدريبات العسكرية الاسرائيلية.

ويقول العلي انه "يجري سحب وضخ المياه لأجل تبريد المعدات في المحطة، ولاحقاً يتم التخلص من المياه في وادي الخضيرة الذي يصب في البحر".

ولا يقتصر الامر على مخلفات المحطة كما يقول العلي، فهناك "المياه الملوثة بالمخلفات الصناعية من اماكن مختلفة، والتي تنجرف مع مياه الاودية إلى البحر، وهي في غالبيتها ملوثات من مصانع كيماوية كمصانع المبيدات والأسمدة وغيرها".

ويضيف ان "هذا خلق عدم توازن بيئي في المنطقة، وأيضا خلق بيئة دافئة وحارة جداً للأسماك التي تعيش هناك مما أدى إلى هروبها، ناهيك عن التلوث البيئي من ناحية أخرى".

ويتابع العلي قائلا ان "من المخلفات أيضاً الرماد الذي يتسرب إلى البحر، حيث أن المحطة لا تستطيع السيطرة على كل الرماد الناتج عن حرق الفحم الحجري، فتتطاير نسبة كبيرة منه إلى البحر، علماً أن نسبة 30% منه هي مواد إسمنتية".

وحسب ما يوضح العلي، فقد بوشر مؤخرا في اضافة مدخنة رابعة للمحطة التي يبدو ان اعمالها اخذة في التوسع.

ويقول مسؤول اللجنة الشعبية في البلدة ان هناك عامل تلوث اخر لا يقل خطورة عما سبق، وهو التدريبات العسكرية التي تجريها البحرية الاسرائيلية في البحر.

ويقول ان التدريبات تجري "على عمق كيلومترات في البحر وتستعمل خلالها المتفجرات بأنواعها المختلفة، وتكون النتيجة هي هروب الأسماك وقتلها وتلويث مياه البحر، وأيضاً الحاق الضرر بشباك الصيادين".

ويضيف العلي انه "عندما تمر البوارج والسفن الضخمة التابعة للبحرية، فإنها تمر كما الملوك، لا تحسب حساب أحد، فتقطع الشباك أو تجرها معها، أو تصدم القوارب الصغيرة هنا وهناك".

ويقول انه "منذ بداية سنوات التسعينيات بدأنا نشهد هجرة سلبية للصيادين، الذين اضطروا لترك مهنة الصيد، بسبب شح الأسماك وتردي وتراجع المهنة والأوضاع الصعبة التي يمرون بها".

ويضيف ان "هناك مخططا موجودا منذ بداية التسعينيات لتطوير الشريط الساحلي في جسر الزرقاء من كافة الجوانب، البيئية والزراعية والسياحية وغيرها، لكن مع الأسف دائماً هناك عراقيل تقف أمام تنفيذه".

وكما يؤكد العلي، فان هذه العراقيل مفتعلة "واساسها عنصري ضد القومية العربية"، وتبين ان المسؤولين في اسرائيل "غير مهتمين بتطوير الشاطئ في قرية عربية كجسر الزرقاء".