"يلنجي الجامعة" مشاريع صغيرة لإعانة جامعيين لإكمال دراستهم

الرابط المختصر

لا تبدو الحياة الجامعية للكثير من الطلبة الجامعيين في الأردن مرحلةً وردية أو طريقًا مُمهدًا بالتسهيلات والدروب السالكة، فهناك جهود كبيرة يبذلها طلبةٌ يستقطعون من أوقات دراستهم لإنشاء مشاريع صغيرة أو الالتحاق بأعمال بعد الدوام الجامعي يستطيعون بها إعالة أنفسهم والتخفيف من الأعباء المادية التي تثقل بها المصاريف الجامعية كاهلهم.

 

طالبة التربية الخاصة في الجامعة الأردنية، دانا البركات إحدى طالبات السكنات الجامعية، افتتحت رفقة صديقتها نور الرواضيه مشروعًا خاصًا بالأكلات الخفيفة باسم "يلنجي الجامعة" لتبدأ رحلة تسويق هذه الأكلات تلبيةً للاحتياجات المادية المتزايدة واتباعًا لشغفها في صناعة المأكولات.

تشرح البركات تجربتها لافتتاح هذا المشروع "تجربة السكن تزيد على الطالب مصاريفه اليومية من حاجيات لمنزله الجديد إضافة للمصروف الشخصي والمواصلات، ما يجعل العبء أكبر على عائلاتنا لتعليمنا، وما شجعني أكثر إلى جانب ذلك أن لدي شغفًا في الطبخ أردت استثماره فكانت فكرة بدء مشروع صغير أنطلق منه الفكرة الأنسب".

وتتابع أن الانطلاق في مشروع "يلنجي الجامعة" ساعدها على تطوير شخصيتها لتحمل الضغط والتعرف على الطلبة وتكوين علاقات جيدة في المجتمع الجامعي، كما ساهم في تغطية جزء من مصروفاتها، مضيفةً أن المشروع انطلق منذ شهر أيار وتأمل أن يتطور ويعينها بشكل أفضل خلال سنوات دراستها.

 

 

 

طالب تخصص المحاسبة في كلية البلقاء وصاحب مشروع مراسيل للطباعة، يحيى الحفناوي يذكر أن شغفه واهتمامه بالتكنولوجيا دفعه للالتحاق بتخصص إنتاج الوسائل الإعلامية عام 2020 وبدأ التعرف على عالم التصميم والطباعة أكثر والبحث عن آفاق هذا المجال، لافتًا إلى أنه ركّز على الطباعة اليدوية لكونها أقل تكلفة لطالبٍ يريد أن يدخل هذا المجال ويعتمد على نفسه ماديًّا.

يذكر أنه بدأ تجهيز مشغل صغير في البيت بشراء قطع يدوية للطباعة وبدأ بالعمل بشكل خفيف في هذا المجال وبعد فترة استطاع فتح محل خاص بالطباعة، يقول "ساعدني المشروع بشكل كبير وكان مصدر دخل لي، دفعت من عائداته رسوم تسجيلي في الكلية وما أحتاجه من مصروف وهذا خفف عني وعن العائلة تكاليف مادية جيدة"

 

اتخاذ القرار ووضع قدم في طريق مشروع جديد لا يعد أمرًا بسيطًا أمام انعدام التمويل والتسويق ما يجعل الخطوة أثقل على الطالب الجامعي ويحتاج جهدًا مضاعفًا في التجربة لخلق أفكار إبداعية للمنتجات وتسويقها بطريقة جذابة.

طالبة التغذية في جامعة البلقاء التطبيقية، فرح حمدان بدأت مشروعها في عالم الأزياء بأربع قطع أخذتها للخياطة للقيام بتعديلات وإضافات عليها لعرضها على صفحة "انستقرام" خصصتها لذلك وشاركتها مع الأصدقاء والأقارب لتلقى صدىً واسعًا على هذه القطع، تقول "من أربع موديلات صممتها وعدلت على القطع التي اخترتها بدأت المشروع ومن بداية عرضي للقطع بعت قطعتين منهم وهذا حفزني إني أكمل بهذا المجال وأتوسع فيه بما أنه هذه التصاميم أعجبت كل من عرضتهم عليهم والآن متجر "فرح ستور" عنده جمهور واسع وموديلات عديدة"

متجر فرح لم يكن فكرة فقط جُسدت لموقع إلكتروني يوفر قطعًا مميزة بأسعار مناسبة، فبعد جهودها المتواصلة للاستمرار في مشروعها وإنجاحه بمختلف الطرق استطاعت أن تدفع من أرباحه القسط الجامعي لآخر فصل دراسي كما كان مصدر مصروف لها خلال رحلتها الجامعية.

 

 

 

*العمل.. مسؤولية قبل المادية*

 

على صعيد آخر ترى نور حسن صاحبة مشروع "قرمز" للأشغال اليدوية أن الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية أمر نشأ معها ووفرته لها البيئة التي تربت فيها ما جعل منها رياديةً وتقدم تدريبات مع فريقها للشباب في المجتمع للبدء بمشاريعهم، موضحةً أن هذا المشروع ليس الأول بالنسبة لها فقد عملت على مشروع لصناعة الهدايا كذلك خلال مشوارها الجامعي.

وتتابع أن استغلال الجوانب الإبداعية وتنميتها لتجسيدها على أرض الواقع كان دافعها الأول دومًا للانطلاق في أي مشروع قبل الظروف المادية.

ليست نور وحدها من استفادت من هذه المشاريع خلال دراستها، فأختها نوال طالبة إنتاج الزهور وتنسيق المواقع في الجامعة الأردنية تشاركها في صناعة القطع الفنية من الاكسسوارات في مشروع قرمز، وبفضل علاقاتها في الجامعة استطاع المشروع أن يلقى رواجًا بين الطلبة، تقول نور "في البداية كانت الاكسسوارات من مادتين فقط والآن بعنا أكثر من 500 قطعة مصنوعة بتفانٍ وصبر وشغف رغم عدم تفرغنا، وقد عُرض علينا أن نصنع كميةً لبيعها في أسواق خارج الأردن إلا أن المواد مكلفة وتأخذ كل قطعة وقتًا لصنعها بشكل متقن".

وتضيف أن أرباح مشروع قرمز -رغم محدوديتها- تساهم في مصروفها وأختها وتساعدهما في اقتناء حاجياتهما خلال دراستهما.

تتفق رؤى جوهر، طالبة التربية الخاصة في الجامعة الأردنية صاحبة مشروع "الآنسة براونيز" وهو مشروع لصناعة الحلويات، مع وجهة نظر نور فالسعي الدائم ليكون الإنسان نسخة أفضل منه وتحقيق طموحاته يأتي على رأس الأولويات، وبداية مشروع خلال المرحلة الجامعية هي فرصة للتنظيم واستغلال الوقت فيما يفيد عوضًا من تأجيل الأحلام لبعد التخرج "فلا يجب أن يوقف الطالب حياته لأنه منشغل فقط بالجامعة".

تبيِّن رؤى أن المشروع كان هوايةً لها وحلمًا ولم تختره إلا بعد خطط ودراسة مسبقة له "بدأت من حيث فشلت في مشروع سابق، وكان ذلك بعد استخارة وتفكير كبيرين دافعًا للانطلاق خطوة للأمام وربنا بعدها رتَّب الخطوات أمامي، ساعدتني الجامعة كثيرًا ومع انطلاقي أعجب الطلاب بفكرتي ومنتجاتي ودعموني وهذا طوَّر المشروع وكبَّره والآن أصبح لدي 17 ألف متابع على صفحة متجري الإلكتروني وبدل المنتج الذي بدأت به صار عندي قائمة منتجات وكل مدة بضيف منتجات للقائمة"

 

*العمل مع الدوام الجامعي.. ثنائية فرضتها الظروف المعيشية*

 

 يعتبر جزء آخر من الطلبة البحث عن فرصة عمل جزئي في أيام العطل أو بعد الدوام الجامعي خيارًا هو الأنسب مع طبيعة دراستهم والحل الأنجع لتدبر أمورهم المالية ودفع المستحقات الجامعية، بينما يؤجل طلبة فصولهم الدراسية لضعف قدرة أهلهم المادية وعدم توفر فرص عمل ملائمة للطالب تعينه على تحمل الأعباء المالية الجامعية.

طالب الأحياء الدقيقة التطبيقية في جامعة البلقاء التطبيقية، ليث البسيوني اضطر خلال سنوات دراسته للبحث عن عمل إلى جانب دوامه في الجامعة ليخفف عن والده تكاليف الدراسة، يقول "عندما أصبحنا ثلاثة إخوة في الجامعة في نفس الوقت زاد الضغط على والدي لتدريسنا جميعًا، ما جعلني أبحث عن فرصة عمل في مطعم بدوام مسائي بعد انتهاء دوامي الجامعي للمساعدة في دفع رسوم التسجيل في الجامعة والاعتماد بشكل كبير على المصروف من راتب العمل"

ويذكر أن الأمر صعبٌ ومرهق للتركيز في المحاضرات ثم التركيز مع العمل، مبيِّنًا أنه يستغل أيام العطل أو أوقات الراحة في العمل لمراجعة بعض المواد الدراسية، "هذا فيه ضغط كبير لكنه ليس مستحيلًا"

ويلفت إلى أن العمل إلى جانب الدراسة يبعث في الشخصية القوة والثقة، ويجعلك تعرف قيمة الوقت وتحسن استغلاله، كما يجعل الطالب يخرج من منطقة الراحة التي اعتادها.

 

طالبة التمريض في جامعة الزيتونة، نوار ماجد وصفت تجربتها بالمتعبة على الصعيد النفسي والجسدي، فقد اضطرت بعد إنهائها دبلوم التمريض للعمل سنةً كاملة لتستطيع التسجيل في الجامعة، وكان الضغط هائلًا عند اجتماع العمل مع أيام الدوام الجامعي، تقول "كنت أداوم في مستشفى دوام ليلي 8 ساعات وأحيانًا 16 ساعة وأتوجه صباحًا للجامعة دون نوم أو استراحة ويكون لدي دوام جامعي طويل للسادسة مساءً وأعود لبيتي ساعتين ثم أتوجه للعمل في دوام ليلي آخر، وهذا كان يسببلي تعب كبير وانعدام استفادة من الجامعة لقلة التركيز"

وتضيف عندما يكون دوام العمل في الفترة الصباحية فإنها تفوِّت محاضراتها الجامعية باستمرار ما جعلها عرضةً للتهديد بالحرمان من النجاح أكثر من مرة، وفي فترات الدوام المسائي كانت تصل للعمل متأخرةً بعد يوم من المحاضرات فيطالها الخصم على الراتب بسبب تأخيرها، "في كل الأحوال هناك معيق وهناك خسارة فالأمر يستلزم تضحيات للموازنة بين الدوامين"

وتذكر نوار أن عملها كان المعيل الأول لدفع رسومها الجامعية كل فصل، ومساعدًا لها في مصروفاتها بين الجامعة والعمل الأمر الذي كان يلزمها على الاستمرار في عملها مرغمةً رغم الضغط النفسي الذي تشعر به.