بلدية نابلس تزرع منطقة صناعية في أخصب سهول المدينة!

الرابط المختصر

 

الضفة الغربية - قيس أبو سمرة- أعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد

يبدي خبراء بيئة امتعاضهم من استمرار مسلسل الزحف العمراني والصناعي على الاراضي الزراعية في الضفة الغربية، والذي يبدو انه لا القانون ولا الاعتراضات ولا حتى الفتاوى الدينية قادرة على لجمه.

وقد جاءت احدث حلقات هذا المسلسل مع اعلان بلدية نابلس نيتها اقامة منطقة صناعية وحرفية في سهل روجيب شرق المدينة، والذي يعد من اخصب سهول فلسطين.

وستقضم هذه المنطقة في مرحلتها الاولى 120 دونما من اراضي السهل الذي لا تزال تنتصب فيه اشجار الزيتون العتيقة التي تحكي قصة عطاء لم ينقطع منذ عشرات السنين.

وبحسب ما هو مخطط، فسوف يحل مكان هذه الاشجار نحو 850 منشأة صناعية وحرفية.

وبعد اكتمال المرحلة الاولى، سيصار الى البدء في مرحلة ثانية ستقضم مساحة جديدة، وقد تتبعها مراحل اخرى لا تبقي من السهل شبرا صالحا للزراعة.

ومسالة الاراضي الزراعية في الضفة الغربية لها حساسيتها بسبب تراجع مساحاتها بشكل خطير على مدى السنوات لاسباب من اهمها الاحتلال والزحف العمراني والصناعي.

وتبلغ المساحة الاجمالية للاراضي الزراعية في الضفة الغربية ما يعادل مليونا و650 الف دونم.

ومع تقلص الرقعة الزراعية، تراجع قطاع الزراعة بشكل حاد، فبعد أن كان يساهم بنسبة تزيد عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1993 و ما قبل ، أصبح اليوم لا يتجاوز في مساهمته 10.8% فقط .

ومساحة الضفة عموما هي 8655 كيلومتر مربع، وتسيطر اسرائيل على نحو نصف هذه المساحة.

واقع الاحتلال

رئيس بلدية نابلس عدلي يعيش، ساق سببين لتبرير اختيار منطقة سهل روجيب لاقامة مشروع المنطقة الصناعية والحرفية، اولهما ملكية البلدية للأرض، والثاني وقوعها في المنطقة المصنفة "أ" حسب اتفاقات اوسلو.

وقسمت اتفاقات أوسلو الضفة الغربية الى مناطق ثلاثة هي "أ" وتخضع لسيطرة فسلطينية كاملة، و"ب" وتخضع اداريا للسلطة الفلسطينية وامنيا لاسرائيل، و"ج" التي تخضع لسيطرة اسرائيلية كاملة.

ويشكو الفلسطينيون من العراقيل التي تضعها اسرائيل امام المشاريع والتوسع العمراني في مناطق "ب" و"ج"، حيث تنص الاتفاقات على الزامية موافقتها على اي خطوات فلسطينية تتم ضمن هاتين المنطقتين.

وكما يؤكد يعيش، فان اقامة المشروع في منطقة "ب" هو امر صعب في ظل العراقيل والوقائع التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي.

واوضح رئيس بلدية نابلس ان المشروع يتضمن منطقة حرفية وصناعية وتجارية، وسيكون من شأنه ان يحل مشكلة آلاف الرخص الممنوحة من قبل البلدية بشكل مؤقت والمعلقة على شرط توفر المكان المناسب.

وتبلغ كلفة المشروع نحو 25 مليون دولار بحسب اتفاقية شراكة ابرمتها البلدية مع صندوق الاستثمار الفلسطيني عام 2008.

وبحسب ما يؤكده اهالي قرية روجيب فان بلدية نابلس قامت بتوسيع حدودها على حساب سهلهم وصنفته الى مناطق صناعية وتجارية وسكنية دون الرجوع إليهم.

وتحتضن منطقة نابلس ما نسبته 56.90 بالمئة من المنشآت الصناعية في الضفة الغربية.

ومن جانبه، فقد ابدى الناشط في قضايا الإغاثة الزراعية خالد منصور استغرابه لقرار البلدية اختيار سهل زراعي لاقامة تجمع صناعي وحرفي، معتبرا ان الاولى كان اقامته في موقع غير زراعي في منطقة "ب" او "ج" لتكريس الحق الفلسطيني.

وقال منصور ان "الأولى ببلدية نابلس أن تتجه نحو منطقة أخرى لتوسيع المنطقة الجغرافية المحيطة وإحياء مناطق جديدة غير قابلة للزراعة".

واكد على ضرورة "إنشاء المنطقة بمناطق غير مصنفة "أ" لخلق وقائع جديدة على الأرض لفتحها معركة بقاء مع الاحتلال كون الأرض كلها ارض فلسطينية بغض النظر عن التصنيفات التي أفرزتها اتفاقيات أوسلو".

ودعا وزارة الحكم المحلي ووزارة الزراعة للتدخل ووقف "سلب الأراضي الزراعية".

تدمير للبيئة

وعلى صعيده، فقد اكد الخبير بقضايا البيئة وليد الباشا ان "استمرار الزحف العمراني والصناعي على الأراضي الزراعية وخاصة السهلية يدمر البيئة ويسلبها جمالها، كما انه يساعد في التلوث البيئي ويقلص الغطاء النباتي على الأرض".

وأضاف أن "المشاريع التي تقام على أراض زراعية لا تأخذ بعين الاعتبار سوى البعد الاقتصادي والربحي دون الرجوع إلى دراسة كاملة تشمل البعد البيئي للمشروع بالإضافة إلى اشتراطات الجهات الداعمة".

ويلاحظ في البيئة الفلسطينية بين فترة وأخرى تحول منطقة حرجية أو زراعية إلى منطقة للسكن أو للمصانع.

من جانبه وصف أستاذ الإنتاج الزراعي في كلية الزراعة بجامعة النجاح الوطنية فيصل شريم مشروع المنطقة الصناعية والحرفية في سهل روجيب بانه "إعدام حقيقي لارض سهلية خصبة تعد من أهم مناطق الزراعة في نابلس".

وشدد على ان "التوسع العمراني والصناعي هو العدو للأرض، في الوقت الذي لا يوجد هناك حماة حقيقيون للأرض والغطاء النباتي".

ودعا شريم الحكومة الفلسطينية الى تفعيل القوانين التي تمنع التعدي على الأراضي الزراعية والغابات.

ويحظر قانون الزراعة الفلسطيني إنشاء أية مبان عامة أو خاصة أو منشآت صناعية أو تجارية أو حرفية في الأراضي الزراعية.

لكن القانون يستثني حالات من بينها الاراضي "التي تقيم عليها الدولة مشروعات ذات نفع عام أو تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني".

وعلى ما يبدو، فان هذا البند في القانون هو ما تتكئ عليه بلدية نابلس في قرارها المضي في مشروعها في سهل روجيب باعتبار ان المشروع مقام يحمل صفة النفع العام.

فتوى شرعية

وبما ان القوانين ودعوات الناشطين وشكاوى الناس قد فشلت في لجم شهية السلطات المحلية في التهام الاراضي الزراعية، فقد انبرى رجال الدين لمواجهة هذه الظاهرة بفتاوى كان ابرزها فتوى اصدرها مفتي جنين عام 2008 واكدت على حرمة البناء على الاراضي الزراعية.

وجاءت الفتوى في سياق رسالة وجهها مفتي جنين الشرعي الشيخ محمد سعيد صلاح الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكانت بخصوص التوسع العمراني والصناعي على اراضي سهل مرج ابن عامر.

وهي وان كانت تخص مرج ابن عامر، الا انه يمكن تعميمها في ما يتعلق بالوضع الفلسطيني خصوصا، حيث انها كانت تتحدث عن الاراضي الزراعية وحرمة البناء عليها استنادا الى ادلة واسانيد شرعية.

وجاء في رسالة المفتي التي حملت عنوان "تدمير السلة الغذائية في مرج ابن عامر" ما نصه " أعلم فخامتكم أن وزارة الحكم المحلي بالتعاون مع المختصين من بلدية جنين أعدت هيكلية جديدة للمدينة تقضم خلالها مساحة واسعة من مرج ابن عامر"سلة الغذاء الفلسطيني"، بالإضافة إلى اعتداءات عشرات المواطنين على هذا المرج بالبناء."

وتابعت الرسالة "اناشد فخامتكم التدخل الفوري والسريع لإيقاف هذه الاعتداءات الآثمة فالجبال فارغة والسهل يتدفق إليه الناس ومنعهم بيدكم .. والبناء بالسهل بناء على وضعنا الزراعي حرام وإثم وجريمة لن يغفرها التاريخ ولا الأجيال القادمة".