المستوطنون يسخرون "الضجيج" في حربهم على اهل الخليل

الرابط المختصر

الخليل - هيثم الشريف - مضمون جديد

استخدم الجيش الاسرائيلي "الضجيج" كسلاح لكسر ارادة المقاتلين الذين تحصنوا في كنيسة المهد على مدى 39 يوما خلال عملية "السور الواقي" عام 2002، واليوم، يستنسخ المستوطنون الذين احتلوا قلب الخليل ذات السلاح ضد اهلها الفلسطينيين.

يقول عبدالرؤوف المحتسب (53 عاما) ان المستوطنين "نصبوا 25 سماعة ضخمة في ساحة الاستراحة الملاصقة للحرم الابراهيمي، وهي تنغص علينا عيشنا ليل نهار".

ويضيف المحتسب الذي يقيم مع عائلته في منزل مجاور للساحة وله فيها ايضا متجر للخزف، ان المستوطنين "يتعمدون اطلاق العنان لهذه السماعات لبث صلواتهم واحتفالاتهم التي لا تعد ولا تحصى ومعظمها يبدأ بعد منتصف الليل ويستمر لساعات دون توقف".

ويعسكر 400 من غلاة المستوطنين في المدينة البالغ عدد سكانها نحو 600 الف مواطن.

وقد افردت اسرائيل لحماية هؤلاء المستوطنين مئات الجنود الذين اقاموا عشرات الثكنات في المدينة المقسمة الى جزئين يخضع احدهما لسيطرة اسرائيلية كاملة، ويعيش الفلسطينيون فيه حبيسي منازلهم، وعرضة للاعتداءات بشكل مستمر.

وامعانا في التضييق على الفلسطينيين بحجة حماية المستوطنين، فقد اغلقت اسرائيل اسواقا باكملها في المدينة وهجرت مئات المواطنين من متاجرهم فيها، وسدت 11 شارعا حيويا من بينها الشارع الرئيس الذي يربط شمالها بجنوبها.

وكان محصلة هذه الاجراءات ان تحول وسط الخليل الى مدينة اشباح.

وبعد المجزرة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين وقتل خلالها 29 مصليا داخل المسجد الابراهيمي عام 1994، جرى تقسيم الحرم إلى جزئين خصص اكبرهما لليهود.

على ان اليهود منحوا حق الاستحواذ على الجزء المخصص للمسلمين في اعيادهم التي يمتد بعضها اياما، لايسمح للمسلمين خلالها بدخول المسجد او رفعا لاذان الذي يشن المستوطنون حاليا حملة ضارية لمنعه بدعوى انه يزعجهم.

وضع صعب

يقول المحتسب الذي يقيم في منزله مع 23 فردا من عائلته "حين تكون هناك إحتفالات لدى اليهود، يصبح الوضع صعبا للغاية".

ويوضح "تخيلوا كيف سيكون الضجيج الناجم عن كل تلك السماعات الضخمة، وأن تجدوا في الساحة في كل احتفال ليلي بمناسبة الأعياد أو الزواج أو غيرها وما أكثرها، حمولة أكثر من 60 حافلة من اليهود" الذين ياتون للمشاركة من كافة انحاء فلسطين.

ويضيف المحتسب "يكفي أن نخبركم أن الأغاني العبرية خلال احتفالات اليهود تُسمع في جبال الخليل كجبلي التكروري وأبوسنينه الواقعين على بعد عدة كيلومترات الى الجنوب من مدينة الخليل".

ويتابع "لم نعد نستطيع النوم بشكل طبيعي، أصبحنا متوترين على الدوام.

وأكثر مايؤلمني ان الأطفال المحرومين من اللعب خارجا بأمر قوات الإحتلال،اصبحوا يحرمون النوم ليلا بفعل ضجيج سماعات المستوطنين".

هذا بالنسبة للحال في الليل، اما نهارا، وكما يقول المحتسب فان "المستوطنين يطلقون العنان لسماعات متاجرهم وبسطاتهم في الساحة وهي تبث اغاني عنصرية تدعو الى طرد العرب وتطلب من السائحين عدم الشراء منهم لانهم إرهابيون!".

ويضيف "رغم تقديمنا أكثر من شكوى للشرطة الإسرائيلية المقيمة في المنطقة فلا أحد يلتفت لنا..انا وأسرتي لانعيش حياة طبيعية.أعصابنا دائما مشدودة ومتوترة ".

وعلى بعد نحو كيلومتر هوائي من الحرم، لا يبدو ان المشكلة تقل حدتها، كما يؤكد الفنان التشكيلي عيسى اعبيدو الذي يدير مركز الفنون التشكيلية في الخليل، ويضطر كثيرا للنوم فيه لحراسته.

يقول اعبيدو الذي سبق ان امضى 12 عاما في السجون الاسرائيلية "لا استطيع النوم بسبب ضجيج سماعات المستوطنين، وقد حاولت احيانا ان ادس القطن في اذني عسى ذلك يساعدني ولو قليلا، الا ان هذا لم يفلح".

ويشير اعبيدو الى ان الامر لا يقتصر على اصوات الصلوات واغاني الاحتفالات "التي تتخللها الشتائم والاهانات للعرب، بل يتعداه الى قيام المستوطنين ببث أصوات يقلدون فيها اصوات الحمير والكلاب والدجاج" بقصد السخرية من السكان الفلسطينيين.

ويضيف انهم يتعمدون ايضا "اطلاق اصوات حادة تشبه الصرير واخرى تشبه صوت احتكاك المعدن، وذلك بشكل مفاجئ يتسبب باجفال السكان وتوتيرهم".

يزعجهم الاذان

وزيادة في التضييق على الفلسطينيين، فان سلطات الاحتلال تقيد شعائرهم وصلواتهم في المسجد الابراهيمي، ومن ذلك بخاصة منعها رفع الاذان في اوقات كثيرة بدعوى ان ذلك يزعج المصلين اليهود.

وعن ذلك يقول امجد الجعبري، وهو أحد سدنة الحرم الإبراهيمي الشريف "أذان المغرب يمنع رفعه بتاتا وحتى إشعار آخر بأمر من قوات الإحتلال، فهو بحسبهم مزعج لصلاة اليهود والتي توافق ذلك الوقت من كل يوم، أما أيام السبت فصوت سماعات الأذان الخاصة بالحرم الإبراهيمي ممنوعة كليّا، وكذلك في كل أيام أعياد المستوطنين واليهود".

ويضيف "وفي المقابل، وخاصة وقت دخول موعد صلاة المغرب أو صلاة الصبح تُسمع بشكل كبير أصوات سماعات اليهود الضخمة الثابتة الملاصقة للحرم أثناء احتفالاتهم المتكررة بسبب وبدون سبب، الأمر الذي يشوش على المصلين من المسلمين".

ويؤكد الجعبري ان "المسلمين لا يتمكنون من اداء صلواتهم وشعائرهم الدينية، بسب الضجيج الذي يطال كل من هم في المنطقة بلا إستثناء".

ويشير الى أن "ضجيج الإحتفالات الصاخبة لا يصدر فقط من البؤرة الإستيطانية الملاصقة للحرم خلال الإحتفال بالأعياد اليهودية أو الزواج أو الطهور أو غيرها من المناسبات التي لا حصر لها وبعضها مفتعل لأسباب معروفة، وإنما يمتد لأبعد من ذلك، بحيث يشمل كافة مناطق البلدة القديمة بسبب وجود تجمعات يهودية في أماكن كثيرة إستولوا عليها".

وحسب مدير مكتب وزارة الاوقاف في محافظة الخليل زيد الجعبري، فان سلطات الاحتلال "تمنع الأذان في الحرم بمعدل55 مرة شهريا على مدار العام بدعوى انه يؤثر ويضر بالجنس البشري" في حين اننا "نشعر ان الاسفلت تحتنا يهتز من شدة الضجيج الذي يبثونه في المنطقة".

وكما يؤكد رئيس لجنة إعمار الخليل الدكتور علي القواسمي وزير المواصلات الأسبق فان "الهدف من كل ذلك هو النيل من صبر المسلمين، ومحاولة تطفيشهم، لكننا نقول لهم أنه سيأتي اليوم الذي يخرج المستوطنون فيه من أرضنا، و أننا باقون في بلدنا ووطننا".

وينظر مستوطنو الخليل الى انفسهم بوصفهم مقاتلين في مهمة مقدسة هدفها تحرير المدينة من العرب وطردهم منها.

اثار مدمرة

وفقا للخبراء فان الضوضاء، واحد اشكالها ضجيج سماعات المستوطنين في الخليل، لها مخاطر لا يستهان بها على صحة الانسان، ويشمل ذلك ارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب كاضطراب النبض والاضطرابات الوعائية والتوتر العصبي واضطرابات النوم والقلق والإرهاق والصداع وفقد الشهية والتركيز.

ويقول عماد الاطرش، وهو خبير في مجال التوعية البيئية ان الضوضاء "تشكل أحد مصادر تلوث البيئة لأنها تفسد طبيعة الهواء وتحوله من هواء هادئ مفيدإلى هواء مزعج ضار لما لها من أخطار مرضيه نفسية وجسمانية تصيب الإنسان".

ويوضح الاطرش الذي يشغل مديرا تنفيذيا لجمعية الحياة البرية في فلسطين أن "الموجات الصوتية تتفاوت في حدتها وشدتها بين الصوت الخافت الذي لا يكاد يسمع، والصوت المرتفع جداً الذي قد يصل إلى درجة الإزعاج المؤلم أو القاتل".

ويضيف ان "الضوضاء تقاس بوحدة قياسية خاصة تسمى ديسبل،ويكون الصوت مقبولا وامنا اذا كانت شدته أقل من 75 ديسيبل، أما إذا زاد عن ذلك فانه يصبح خطرا".

ويؤكد الاطرش ان "الموسيقى الصاخبة والضوضاء الناجمة عن السماعات الضخمة للمستوطنين في الخليل تتراوح شدتها بين 115 و125دسيبل ، الأمر الذي يبين مدى خطورتها".

ويقول ان من شأن هذه الضوضاء ان تتسبب باضرار صحية عديدة للانسان، وليس اقلها انها "تؤدي الى تلف واضح في قدرته على السمع من خلال تأثير الموجات الصوتية على خلايا قوقعة الإذن الداخليه التي تصاب بالضعف، وإذا ما زادت شدة الصوت فقد تتعرض هذه الخلايا للتهتك ويحدث الصمم الكامل للإنسان".

الاشد تضررا

من جانبه، يؤكد مسؤول مركز الصحة النفسية في الخليل اياد العزة ان للضوضاء تاثيرات مباشرة على الانسان خاصة اذا "تعرض لدرجة عالية وحادة من الضجيج والإزعاج المستمر، وفي أوقات غير مناسبة كفترة الليل التي يفترض أن تكون فترة راحة وطمأنينة وسكينة".

وقال العزة، وهو اخصائي في مجالي امراض الدماغ والاعصاب والطب النفسي والاعصاب للاطفال انه في هذه الحالة "يصبح من البديهي ظهور بعض علامات التأثر النفسي كإضطرابات النوم والإرهاق المزمن دون ظهور أسباب عضوية فسيولوجية بالضرورة، إلى جانب أن يصبح الشخص عصبيا أو عدوانيا، كما قد يعاني إضطرابات في الأكل، وعدم إستقرار في الحالة المزاجية".

وأضاف العزة انه "إذا ترافقت الضوضاء مع وجود هشاشة على المستوى النفسي العاطفي، بمعنى إذا ما كان الشخص مهيأ منذ بداية ولادته للتأثر بالأمور النفسية نتيجة ظروف بيئية ضاغطة أو ظروف بيولوجية، وكانت الضوضاء حادة، كحال أهلنا في البلدة القديمة من الخليل، فيكون أثر هذه الضوضاء أعمق وأشد أثرا".

وقال ان نسبة كبيرة من الاطفال والمراهقين الذين يستقبلهم مركز الصحة النفسية في الخليل "تاتي من البلدة القديمة، وهؤلاء يعانون إضطرابات سلوكية كالعصبية الزائدة وعدم تحملهم للدراسة أو لزملاء المدرسة أو لأخوتهم في المنزل، إلى جانب عدم نومهم بشكل مستقر، وتبول بعضهم بشكل لا إرادي".

وقال ان كل هذه الحالات هي "نتيجة نومهم المضطرب ليلا وكذلك بسبب الظروف المعيشية والبيئية المحيطة والتي لا يوجد فيها أمان أو استقرار، ومن أسبابها الضوضاء التي لا تعطي الطفل بالذات شعورا بالأمان".

الشعور بالاستقرار والامان هو ما يسعى المستوطنون الى ضربه في نفوس فلسطينيي الخليل، وهم يستحضرون لاجل ذلك تجربة الجيش الاسرائيلي في تسخير الضجيج كسلاح لكسر ارادة الصمود لدى المقاتلين الذين تحصنوا في كنيسة المهد.

أضف تعليقك