السماء تمد جنوب الخليل بالكهرباء

الرابط المختصر

الخليل - ثائر فقوسة - مضمون جديد

لم تكن تعلم بنت التاسعة الطفلة "سارة" أن حلمها في امتلاك جهاز حاسوب سيتحقق، لقد كانت تسمع به، وقرأت عنه في كتب المدرسة. فكيف تحقق الحلم وهي التي تسكن في خيمة لا ماء فيها ولا كهرباء؟

الإرهاب الإسرائيلي تجاه البدو المقيمين في عشر تجمعات سكانية صغيرة في منطقة المسافر قرب مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، لا يتوقف عند حد بل ويأخذ أبعادا مختلفة منها حرمانهم من إقامة شبكات كهرباء. مما دفع المواطنين أخيرا للجوء إلى السماء، طلبا للعيش أو مدّهم بوسائل العيش.
اليوم امتلكت الطفلة البدوية حاسوبا، بل وباتت كما أقرانها تنسجم في أحاديث جانبية مع زميلاتها في الصف عن برامج وألعاب حاسوبية، كما لم تكن تندمج في الحديث سابقا.

المكان: الأراضي المحتلة وتحديدا منطقة المسافر شرق بلدة يطا جنوب الضفة الغربية، أما الزمان "فاليوم". فيما الحبكة فتلك التي شغلت العالم بأسره من دون أن يسمح بايجاد حل لها، "القضية الفلسطينية".

تبدأ الحكايا خلال ملاحقة الاحتلال لخيم المسافر، بهدف تهجير أهلها منها. خلال ذلك منعت عن البدو حتى الضوء وضيقت على معيشتهم كما لم يضيق احتلال على محتلين.
ما لا يرغب الاحتلال في التفكير به هو: إلى أين يذهب أهل المنطقة فهذه هي أرضهم وهذا هو وطنهم، وذاك السابح في فضائهم هو الهواء نفسه الذي تنفّسه أجدادهم.
ولكن آخر همّ يمكن أن يكون للمحتلين هو البحث عن حل للشعب المحتل؟ كيف يبحث وهو المشكلة.

عموما، هذا لن يكون تحديا مستحيلا للفلسطينيين، ومنهم سكان خربة سوسيا، فقد وجدوا الحل بعد أن تكفلت حركة التعايش الدولية والأهالي معا بالمسألة حين تبرعت الحركة بشراء الخلايا الشمسية وتكاليف تركيبها، وتكفل الاهالي بدفع ثمن الأسلاك والمصابيح الكهربائية التي زينت الخيام.
اليوم تحقق حلم مئات البدو الذين يسكون بالقرب من حدود عام 1967 م المحاذي لمنطقة بئر السبع في صحراء النقب وبالقرب من بلدتي يطا والسموع جنوب محافظة الخليل.

السماء وحدها من ترحم شعب فلسطين، تلك التي وفرت لهم مصادرها لتوليد الكهرباء، من أجل تبديد ظلمة الصحراء الموحشة. هي ظلمة أنارة عتمتها الشمس وحركت سكونها الرياح.

يقول المهندس عصام الجودي إن مناخ المنطقة ساعد على استغلال طاقة الشمس في توليد الكهرباء، اذ أن الشمس تظهر معظم شهور السنة لتسقط أشعتها على صفائح تقوم محولاتها الخاصة بتحويل إلى تيار كهربائي يغذي "اللمبات" الملحقة ويشحن البطاريات التي تضيء ليلا.

ويحتاج تركيبها الى تحديد حركة الشمس وتسليط وجهة الصفيحة نحو الجهة التي تتركز فيها أشعتها ساعات الظهيرة، مع مراعاة طول الأسلاك بين الصفائح والمكان المنوي إضاءته؛ إذ كلما كان طول الأسلاك أقصر كانت الإضاءة أقوى.

من يزور المكان يعجب لتناثر الصفائح والألواح الزجاجية (الخلايا الشمسية) بين الخيام البسيطة، والأسلاك المتناثرة هنا وهناك ممتدة لبضعة أمتار.
كل ذلك بعد أن وجد الأهالي طريقة للاحتفاظ بأشعة الشمس واطلاقها في الليل لتنير لهم حياتهم، التي حرموا منها منذ 30 عاما.
هنا، لا يقتصر حرمان الاحتلال على إقامة شبكات كهرباء، ومن حفر آبار المياه، وبناء المنازل، وشق الطرق وزراعة الأراضي.

وفي المقابل ينعم على مقربة من خرب ومضارب البدو المستوطنون بشتى مظاهر الرفاهية من بيوت فارهة وكهرباء ومياه وخطوط هاتف، رغم أنهم يقيمون على أراضي المواطنين ممن يسكنون الخيام اليوم.
أما المبرر فهو في ان إسرائيل تهدف الى المحافظة على أمنها باعتبارها مناطق حدودية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية ولا يحق للفلسطينيين الإقامة هناك".

واستنادا الى الوثائق فان المواطنين الذين يزيد عددهم في تلك المناطق عن الـ  1500 نسمة، تواجدوا فيها قبل عام 1948م. وتنحدر أصولهم من عائلات بلدتي يطا والسموع مثل "الهريني والنواجعة والجندي وابو سمرة"، اضافة الى بعض العائلات التي هجرت من صحراء النقب عام 1948م مثل عشيرة العزازمة والهذلين، وتعتبر تربية الأغنام و الزارعة مصدرا الرزق الوحيد لهذه العائلات.

يقول المواطن "محمد نواجعة" وهو يجلس أمام الشاشة الصغيرة في خيمته المضاءة بالطاقة الشمسية: "كانت مشاهدة التلفاز أو امتلاك جهاز حاسوب أو ثلاجة أشبه بعجيبة من عجائب الدنيا السبع، ولكن انظر، ها أنا اتابع الدنيا من خيمتي".

يجلس نواجعة بعد فترة المساء كما يفعل الرجال لمتابعة هو واسرته الاخباره وما يدور حوله من أحداث.
وحدها هيئته التي تشي بأنه يملك الدنيا وما فيها ستخبرك بالنشوة التي يشعر بها نواجعة. يقول: "لا غاز ولا كاز بعد اليوم.. السماء تمدنا بكل ما يلزم".
في السابق كان أهالي المنطقة يستخدمون الغاز والكاز للإنارة عبر المحولات والتي كانت تثقل كاهل أكثر من 200 أسرة لارتفاع أسعارها.

ويؤكد هذا ما سيعزز صمودنا في هذه المناطق النائية يقلل من هجرة الشباب الى المدن المجاورة بحثا عن الحياة المفقودة.

ولكن ماذا عن الشتاء واحتجاب الشمس في فصله. فرق التعايش وجدوا الحل أيضا. فقد نفذوا وبمساعدة المواطنين على تجربة توليد الكهرباء من الرياح، فعائلة "أحمد الهريني" المقيمة في خربة "واد سحيق" والتي تعيش على الزراعة ورعي الأغنام، أصبحت تملك اليوم تلفزيونا وثلاجة وسخانا كهربائيا كلها تعمل بالطاقة الكهربائية المتولدة من مروحة هوائية مقامة على برج بجوار خيمتهم.
يقول أحمد أيضا إن حياة الأسرة تغيرت وأصبح فيها شيء جديد، بفعل توفر النور وتشغيل  الأجهزة على مدار العام.

أما الحاجة أم عساف من خربة "التواني فلم تعد تخشى على تلف الحليب تقول: "زمان كنا نسرع في بيع منتجات ألبان أغنامنا بأقل الأسعار خوفا من فسادها، ولكن هذه الماكنة – وتقصد الثلاجة ساعدتنا في التريث فلم تعد مأكولاتنا تتلف كما في السابق.
اليوم عائلة إم عساف تبيع على مهل كل ما ترغب في بيعه من دون ان يستغلها التجار الذين يعرفون حاجتها لسرعة البيع.
تقول الحاجة العجوز: "أصبحنا ننتظر السعر الاعلى" تقول ذلك وهي تبتسم فحفظ اللبن والحليب والزبدة لم يعد مستحيلا الى حين انتظار فرصة البيع السانحة.

لم نستطع الا ان نبتسم للاطفال الذين تجمعوا حول الحاجة ام عساف ليسألوها اذا ما ستظهر على الجزيرة اليوم. وكاستعراض لطيف بدأ احد الاطفال يعدد القنوات التي يمكن ان تظهر بها "الخالة ام عساف". ولكن الاجابة كانت انه تقرير مكتوب وليس مصور.

هي مسؤولية مشتركة حكومية وتطوعية: حركة التعايش الدولية وفرقها، والصليب الاحمر ووزارة الزراعة الفلسطينية التي اعتادت على تزويد مربي الأغنام بالاعلاف وتعوضهم ماليا أثناء حرق محاصيلهم من قبل المستوطنين، كما يتخذ بعض المتضامنين الاجانب تلك المناطق سكن لهم من أجل حماية السكان وتوثيق اعتداءات الاحتلال ضدهم، كما يحدث في خربة "أم الخير".

يقول الاهالي: إن استخدام الطاقة البديلة من أشعة والشمس والرياح الصديقة للبيئة في توليد الكهرباء ساهمت في تغير حياة هؤلاء البدو المتناثرة خيامهم على مساحات شاسعة في جنوب الخليل، كما ساهمت في تخلصهم من أصوات ودخان المولدات الكهربائية الضارة بالبيئة والإنسان، ووفرت على المواطنين البسطاء تكلفة المحروقات من غاز وكاز. وهي أكثر من كل ذلك باتت وسيلة صمود لمئات العائلات في أراضيها المهددة بالاستيطان.
اليوم باتت السماء تمد جنوب الخليل بالكهرباء شمسا وريحا.. فمتى سيرحمهم أهل الأرض؟