"التلقيح الاصطناعي".. يعود لـــ "حظائر غزة " بعد 18 عاماً!

قطاع غزة- رامي رمانة

شكل نجاحُ ولادة أول "عجل" في قطاع غزة، باستخدام خاصية (التلقيح الاصطناعي)، رافعة إضافية لتنمية الثروة الحيوانية المحلية يمكن خلالها إنتاج أجيال جديدة ذات مواصفات جيدة لها مردود مالي واقتصادي كبير.

ويعول أهل الاختصاص، في طَرقِ مزراعي غزة باب (التلقيح)، مجدداً بعد فترة توقف استمرت نحو 18 عاماً، امكانية ولادة أبقار لها قدرة على انتاج الحليب وسد حاجة السكان من اللحوم كما يرون أن من شأن ذلك فتحُ الآفاق مستقبلاً لتطبيقه على بقية الأصناف الحيوانية ذوات الحمل القصير والنسل الأكثر مثل الماعز والخراف.
66% نسبة النجاح

ويُعرف التلقيح الاصطناعي :" بأنه العملية التي بواسطتها يتم التلقيح بصورة لا طبيعية من خلال استخلاص السائل المنوي بطريقة آلية من الذكر ووضعه داخل الجهاز التناسلي للأنثى بعد استحداث عملية التبويض لها اصطناعياً من خلال التنبيه الميكانيكي العصبي أو الهرموني أو الحيوي ، وذلك كي يتم التقاء الحيوانات المنوية بالبويضات المفروزة فتحدث عملية الإخصاب و من ثم الحمل .

ويؤكد مركز (فيتكو) للخدمات البيطرية بغزة الذي شرع بإجراء عمليات التلقيح على نحو 1200بقرة منتصف يناير/كانون اول عام 2012 ، أن نسبة النجاح فاقت التوقعات، اذ شكلت 66%.

وأشار مدير المركز الدكتور سعود الشوا إلى أن نجاح المشروع الممول من المؤسسة الكندية للتنمية والتعاون الدولي (CIDA) بالتعاقد مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو (FAO ) يساهم في تعزيز الأمن الغذائي.

وقال:" يقدر انتاج البقرة المحلية من الحليب يومياً 20 لتراً، فيما البقرات المولودة بالتلقيح الاصطناعي متوقع أن تنتج في المستقبل حوالي40 لتراً من الحليب يومياً"، لافتاً إلى أن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد ولادة المزيد من العجول والأبقار الصغيرة.

وتمكن الطبيب البيطري الشوا من تذليل عدة عقبات واجهت مشروعه، أبرزها غياب المراكز المتخصصة للتلقيح في غزة، تضاؤل فرص الحصول على اللقاح نفسه، التكلفة المادية ، وغياب الوعي الكامل لدى مربي الأبقار بمتطلبات عمليات التلقيح.

وقال:" رفضت الشركات الاسرائيلية المتخصصة في مجال التلقيح الاصطناعي في بادئ الأمر التعامل مع المركز لأنه من غزة، لكن بعد عدة محاولات من الاتصالات الهاتفية والرسائل عبر البريد الإلكتروني تم التجاوب معنا".

وأشار إلى تفضيله شراء مستلزمات التلقيح الاصطناعي من الجانب الإسرائيلي رغم وجودها في دول غربية، وذلك لتشابه الظروف البيئة والمناخية بين اسرائيل وقطاع غزة، وأيضاً لتحقيق المراكز البيطرية الاسرائيلية نجاحات كبيرة في هذا المجال.

ولقطع الطريق على مبررات الجهات المانحة بأن انقطاع التيار الكهرباء المتواصل على غزة تشكل عقبة أساسية في الحفاظ على السائل المنوي مجمداً ، انتقى الطبيب الشوا أفضل ما توصلت له التكنولوجيا في هذا المضار.

حيث يقول :"استوردنا من الجانب الاسرائيلي حاوية حافظة للسائل المنوي تحتوي على "نتروجين سائل" مهمتها خفض درجة الحرارة إلى 196 درجة مئوية تحت الصفر، وهذا يساعد على ابقاء السائل المنوي للحيوان صالح للاستعمال لمدة عشرين عاماً دون الحاجة للكهرباء ".

اجراءات التلقيح

وقبل أن تُجرى عملية التلقيح للأبقار يشترط خلوها من الأمراض، وظهور علامات مدللة على دورة التبويض مثل خروج افرازات من جهازها التناسلي، اصدار اصوات محددة، اعتلاء الأبقار الأخرى. وفق الشوا .

ويضيف :"يتم قذف السائل المنوي المجمد في رحم البقرة بعد تذويبه مدة دقيقة في ماء ساخنة، بواسطة أداة خاصة، ثم يُسجل بُعيد الإفراغ من العملية رقم البقرة ورقم الثور والوقت والتاريخ"

بعد اجراء عملية التلقيح يتم مراقبة البقرة نحو 45 يوماً لمتابعة دورة التبويض الأولى والثانية ، ثم تخضع البقرة لجهاز الموجات فوق الصوتية "الالتراساوند" لفحص احشائها لتأكيد الحمل، وإن ثبت ذلك تعزل البقرة الحامل في الشهر السابع عن بقية الأبقار، ويُجنب حلبها حفاظاً على الجنين.

وحول طرق حفظ السائل المنوي يوضح ذلك الطبيب البيطري د. فايز الحداد بالقول:" يحفظ السائل المنوي للثيران على صورتين ( القشة- الحبوب) في الأولى يوضع السائل المنوي المأخوذ داخل القشة، ومن ثم يحفظ في النيتروجين السائل عند درجة حرارة 198-200 درجة مئوية تحت الصفر.

وأضاف" في الصورة الثانية يتم التعامل مع السائل المنوي بإجراءات خاصة بحيث يأخذ شكل حبة الحبوب يتم حفظها بالنيتروجين السائل عند نفس درجة الحرارة السابقة الذكر.

وأشار الحداد إلى أن "القشة" تستخدم في معظم دول العالم خاصة العربية، والحبوب يكثر استخدامها في الأراضي الفلسطينية ومناطق 48.

ومن الأسباب التي تفشل التلقيح الاصطناعي، وجود التهابات تناسلية عند البقرة، ضعف سلالتها، عدم توفر البيئة المناسبة والتغذية السليمة.

ويرى مدير مركز (فتيكو) الشوا في اعتماد قطاع غزة على التلقيح الاصطناعي تحسين للثروة الحيوانية أجمع وليس عند الأبقار وحسب ، خاصة عند الحيوانات التي تنجب أكثر من 5 في البطن الواحد وتكون مدة الحمل عندها قصيرة كالأغنام والماعز.

ولفت إلى أن هذين الصنفين الأنفي الذكر من الحيوانات، يتم فيهما تحفيز دورة "الشبق" والتحكم بها بحقنهما هرمونات معينة بخلاف الأبقار التي تحتاج الى مراقبة حدوث تلك الدورة، كما أن فترة الحمل عند الأبقار تسعة شهور وتنجب واحد ونادراً توأم.

من جهتها أكدت وزارة الزراعة في قطاع غزة على سعيها الحثيث من أجل تنمية الثروة الحيوانية في غزة بشتى السبل وفق الامكانيات المتاحة خاصة وأن سكان القطاع يعتمدون على المصادر البروتونية بكثرة في غذائهم اليومي.

وجدد مدير عام الخدمات البيطرية بالوزارة د. زكريا الكفارنة على وقوف وزارته بجانب جهود المؤسسات والمراكز الرسمية والخاصة التي تعمل في مجال التقليح الاصطناعي، مثمناً في ذات الوقت دور مركز "فيتكو" في اعادة احياء "التقليح".

وأوضح الكفارنة أن الوزارة ستقدم كافة الإمكانيات لا نجاح هذه الخاصية وستذلل العقبات ما استطاعت اليه سبيلاً، مشيراً إلى تطلع الوزارة مستقبلاً لإنشاء محطة خاصة بالتلقيح الاصطناعي يستفيد منها كافة مربى الأبقار بغزة، ومحطات أخرى للحيوانات التي يجد عندها التلقيح الاصطناعي نفعاً.

سبعينات القرن الماضي

وفي نبذة تاريخية نسلط خلالها الضوء على تاريخ "التلقيح الاصطناعي" نجد أن قطاع غزة عرف هذه الخاصية مطلع سبعينات القرن الماضي " زمن الاحتلال الإسرائيلي" كان يقوم بهذه المهمة مساعد طبيب بيطري اسمه أحمد نصار.

ولتوسيع العمل في " التقليح الاصطناعي" أرسلت الجمعية التعاونية لمربي الابقار عام 1991 اثنين من أطباء البيطرية من غزة الى كلية "الطب البيطري" في بيت دجن داخل اراضي 48 المحتلة، لحضور دورة تدريبية مدة عام كامل.

وبعد عودة المتدربين إلى القطاع، سُمح لهم بممارسة "التلقيح الاصطناعي" ثلاث سنوات قبل أن يتوقف العمل لعدة أسباب يقول مدير الدائرة الطبية للجمعية التعاونية فؤاد الجماصي آنذاك.
وأوضح أن الأسباب متعلقة بصعوبة الحصول على حبوب السائل المنوي للثيران من داخل أراضي 48، و تعذر الحصول على النيتروجين السائل والحافظات المخصصة.

ويشر الجماصي الذي يشغل الآن مدير دائرة صحة البيئة بوزارة الزراعة إلى إجراء اطباء الجمعية التعاونية لمربي الثروة الحيوانية أكثر من1000 حالة تلقيح في انحاء قطاع غزه في الفترة الممتدة بين عامين( 1992-1994) ، اثمرت عن ولادات ذات مدلول جيد كان بينها توائم.

ويعلق الدكتور نائل موسى المحاضر في كلية الاقتصاد والعلوم الادارية بجامعة النجاح في نابلس على الموضوع من منظار اقتصادي بالقول:" إن التلقيح الاصطناعي اثبت جدواه في الدول العربية والغربية في إنتاج أجيال جديدة ذات مواصفات جيدة لها مردود مالي كبير وفائدة لمربي الثروة الحيوانية.

وأضاف:" لقد ساهم ذلك في تحسين مردودها الاقتصادي كون التلقيح حسن السلالات المحلية وساعد على تصدير الفائض الى الخارج،" مشيراً إلى أن التلقيح وفر على الدول مهمة استيراد الثيران من دول خارجية بأسعار مرتفعة.

ويوجد في قطاع غزة- وفق وزارة الزارعة- ثمانية أطباء بيطريين لديهم دورات تدريبية مكثفة في عملية التلقيح الاصطناعي للأبقار، كما دربت منظمة الأغذية والزراعة من خلال مكتبها في مدينة غزه عدد من الأطباء البيطريين والمهندسين الزراعيين ولكنهم لم يلاحظ اجراءهم أي عملية تلقيح.

أضف تعليقك