الاتحادات العمالية الفلسطينية..كلٌّ يدعي وصلاً بليلى!

الضفة الغربية - هيثم الشريف - اعد هذا التقرير لصالح مشروع مضمون جديد للصحفيين

لقمة العمال في الاراضي الفلسطينية ليست مغموسة بالدم وقهر الاحتلال فحسب، بل وبالمرارة أيضا بسبب تشرذم وتصارع الإتحادات العمالية التي تدعي كل منها تمثيلهم، ولسان حالهم يقول انهم منها براء.

ويوجد في الضفة الغربية اربعة اتحادات عمالية و160 نقابة منضوية تحت هذه الاتحادات، لكن نسبة الانتساب اليها من قبل العمال الذين يناهز عددهم المليون، لا تتجاوز 15%.

وتعكس هذه النسبة المتدنية حالة عدم ثقة سائدة في اوساط العمال بهذه الاتحادات والنقابات، والتي يقولون انها اصبحت عبئا عليهم، بدل ان تكون سندا لهم في مواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها حقوقهم علي يد الاحتلال واصحاب العمل على السواء.

ويعاني العمال في الاراضي الفلسطينية من اوضاع سيئة للغاية، حيث تزيد نسبة البطالة بينهم عن 21% وفق الارقام الرسمية، في حين ان مؤسسات أهلية ودولية تؤكد ان النسبة تتخطى 30%.

وقد اسهمت هذه النسبة العالية للبطالة في رفع معدلات الفقر بشكل خطير، وفقا لارقام الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2010 التي اظهرت ان 25.7%  من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددهم اربعة ملايين، يعيشون تحت خط الفقر.

اغراء المساعدات

وبحكم واقع ان الاقتصاد الفلسطيني قائم على المساعدات، وان نسبة كبيرة من الفلسطينيين يعيشون عليها، فقد اصبحت عبارة "مساعدات" تشكل الاداة السحرية في يد بعض الاتحادات خلال معركتها الضارية لاستقطاب العمال واقناعهم بالانتساب اليها.

والاتحادات التي تتنازع تمثيل العمال في الاراضي الفلسطينية هي: الإتحاد العام لعمال فلسطين، والإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، والإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين المهنية، والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين المستقلة.

وتسعى كل من هذه الاتحادات جاهدة لاستقطاب اكبر عدد ممكن من العمال لاثبات دعواها بانها الممثل الشرعي الوحيد لهم.

وهي اذذاك، تحث العمال على التسجيل فيها حتى لا تفوتهم فرصة الحصول على مساعدات تروج بين الحين والاخر انها تلقتها من هيئة عالمية او دولة شقيقة او صديقة.

غير ان الكثير من العمال الذين اغراهم الامل بالحصول على مساعدات بعد الانتساب الى هذا الاتحاد او ذاك، يحدثونك اليوم عن انهم تعرضوا للخديعة، ولم يخرجوا من تجربتهم النقابية القصيرة سوى بقبض الريح.

ومن هؤلاء سلامة، وهو عامل بسيط من بلدة دورا في الخليل جنوب الضفة الغربية، ويعيل زوجتين و14 ابنا.

يقول "سلامة" لـ"مضمون جديد" واصفا اوضاعه الصعبة "عيشتنا الله اعلم فيها. أجرتي لا تكفي حتى لمصروفي الشخصي. ومنذ فترة قطعت الكهرباء عن البيت، ومرض طفلي ولم أستطع الذهاب به للمستشفى، لأني لا أملك المال".

ويضيف "للأسف لا أحد يسأل عنّا كيف نعيش، وكيف نطعم أولادنا، لا وزارة (العمل) ولا النقابات التي سجلت في إحداها على أمل أن يأتيني شيء من المساعدات التي نسمع أنها تصلهم، ولكن دون جدوى".

إسماعيل، عامل آخر من قرى محافظة الخليل، تحدث هو أيضا عن معاناته.

يقول "سجلّت، كما المئات من العمال، لدى الإتحادات، والتي كانت في كل سنة تقول لنا: سجلوا عضويتكم فهناك مساعدات سعودية قادمة. ومنذ أكثر من خمس سنوات، وأنا أجدد عضويتي، ولا أثر لأي مساعدة".

ويتابع اسماعيل لـ"مضمون جديد" قائلا ان "وجود أكثر من إتحاد، أفقد العضوية قيمتها، بعد أن كنّا في الماضي نحلم بالعضوية".

ويضيف ان "العامل البسيط مثلي ماعاد مطلبه الأول تحصيل حقوقه لدى أرباب العمل فقط، وإنما إيجاد عنوان واحد صحيح، ومرجعية واحدة تمثله ويتوجه إليها لتسانده في تحصيل حقوقه".

حقوق ضائعة

ومن جهته، اعتبر العامل شريف، وهو ايضا من الخليل، أن تشرذم العمل النقابي ووجود أكثر من إتحاد يدعي تمثيل للعمال، قد أضاع أبسط حقوقهم.

وتعطي قصة عامل اخر هو ياسر، مثالا على بعض الحقوق الضائعة، حيث يقول لـ"مضمون جديد" انه ترك مؤخرا عمله في أحد المصانع بعد أن إختلف مع صاحبه على حقوق نهاية خدمته التي بلغت  15عاما.

ياسر توجه إلى وزارة العمل، علها تساعده في شيء، لكنها لم تفعل شيئا كما يقول، واكتفت بأن نصحته بأن ينهي الخلاف بالتراضي مع صاحب المصنع.

وبالفعل، رضخ هذا العامل الى الامر الواقع، وحل القضية بالتراضي مع صاحب المصنع، ولكنه كان حلا فرضه هذا الاخير.

ويؤكد ياسر انه لم يبادر بالمطلق للتوجه لأيّ من الإتحادات أو النقابات العمالية، لما يعرفه عن إنشغالها بالصراعات فيما بينها.

أما عامل المصنع عدلي، فهو يقول ان "المصانع تؤخر الرواتب، وتستغني عن العمال وخدماتهم دون انذار او تعويضات، مما يزيد في ديوننا التي تتراكم يوما بعد يوم".

ويضيف قائلا لـ"مضمون جديد" ان "مشكلتنا ليست مع أصحاب وأرباب العمل فقط، بل مع غياب رقابة فاعلة على المنشآت الصناعية والإقتصادية من قبل الوزارة، وفي ذات الوقت لا توجد إتحادات عماليه موحدة ترعى مصالحنا. لقد تشتتنا، وأصبحنا ضائعين".

تسييس وغياب استقلالية

يقر عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين محمد العطاونة لـ"مضمون جديد" بان حالة التشرذم والصراع بين الاتحادات على تمثيل العمال قد انعكست سلبا على العامل الفلسطيني وزادت من معاناته.

وقد عزا العطاونة هذه الحالة لعدة أسباب من ابرزها "وجود أزمة مصالح وشخوص وقيادات، إلى جانب طغيان التمثيل السياسي على النقابي".

واوضح قائلا "بسبب أن العوامل التاريخية والسياسية التي رافقت نشوء وتطور التنظيم النقابي الفلسطيني حكمتها الحالة الفلسطينية، بالجمع بين النضال الوطني والاجتماعي، فإن ذلك أدى إلى تسييس العمل النقابي، وغياب استقلاليته، بحيث ان النقابات أصبحت تتشكل وفق أسس كفاحية وطنية أكثر منها مهنية".

واردف قائلا انه "من هنا أصبحت النقابات ضعيفة، ولا تؤثر في القرار الإقتصادي والإجتماعي وبالتالي السياسي، ولا توفر كذلك الحماية الإجتماعية للعمال وأُسرهم، والتي تُعد من أهم الأهداف لأي تنظيم نقابي".

ودعا العطاونة إلى "تفعيل العمل النقابي، من خلال إعادة بناء النقابات على أسس مهنية وديمقراطية، كإحترام إرادة أعضائها في الاختيار الحر لممثليهم في مواقع العمل، وفي الهيئات النقابية المختلفة، وكذلك إحلال التعددية الإيجابية بدلا للتعددية السلبية القائمة في الحركة النقابية".

تنازع شرعية

الكل مجمع، سواء العمال او قادة الاتحادات على ان المخرج من فوضى تنازع التمثيل العمالي، هو في وجود جسم نقابي واحد يتحدث باسم هذا القطاع ويدافع عن حقوقه.

ولكن ايا من قادة هذه الاتحادات لا يقدم اي تنازل، ويصر على ان اتحاده هو الشرعي والاحق بان يكون هو الممثل الوحيد للعمال، وان على الاخرين ان يقروا بهذه الحقيقة ويقدموا هم بدورهم التنازل، ويقبلوا بالانضواء تحت لوائه.

فمن جهته، يؤكد أمين عام الإتحاد العام لعمال فلسطين حيدر إبراهيم  أن "إتحادنا هو الإتحاد القانوني، وعدد المنتسبين لإتحادنا أكثر من 60 ألف عامل، ونحن الذين نمثل الحركة العمالية".

ويضيف "إتحادنا عضو في الإتحاد الدولي لنقابات عمال العرب، ومنظمة العمل الدولية، وبصفتي الأمين العام، فأنا أيضا نائب رئيس إتحاد النقابات العالمي، إضافة إلى أنني عضو مجلس مركزي في منظمة التحرير، كما أن الإتحاد له 20 عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني..ولدينا 12 فرعا في الخارج، إضافة إلى فروع الإتحاد المنتشرة في كافة محافظات الوطن".

وخلص ابراهيم الى القول "لذا فنحن لا نعترف لا من قريب ولا من بعيد بأي جهة تدعي أنها الجهة النقابية المطالبة بحقوق العمال، لأنها كانت في الأصل منضوية تحت مظلة الإتحاد العام لعمال فلسطين".

بدوره، قال الأمين العام للإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد ان "إتحادنا هو من يمثل أكبر قاعدة عمالية موجودة في فلسطين، حيث هناك 300 ألف منتسب للإتحاد.. كما أن لنا عربيا وإقليميا علاقات مع 78 إتحاد في العالم".

واكد ان "الإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، هو الإتحاد العربي الوحيد الذي تربطه علاقات عربية وإقليمية مع هذا العدد من الإتحادات في العالم".

وأضاف" كذلك، فإن الإتحاد الوحيد الذي يُقرر من يُمثّل من الإتحادات القائمة في كل دولة، ليكون عضوا في داخله، هوالإتحاد الدولي لنقابات العمال في العالم..والذي أشغل منصب نائب الرئيس فيه، علما أن في عضويته، منظمة التجارة العالمية، والأمم المتحدة، وأوروبا، والدول الصناعية العظمى، ومنظمة العمل العربية والدولية".

وعلى صعيده، إعتبر الأمين العام لاتحاد النقابات المستقلة عبد الحكيم عليان أن اتحاده الذي تأسس عام 2007، هو الأحق بتمثيل فئة العمال.

وقال عليان "نحن نعتبر إن نور التغيير الحقيقي في واقع الحركة النقابية في فلسطين، قد بزغ فعليا منذ تأسيس إتحاد وتكتل لـ15 منظمة نقابية حقيقية وطنية ديمقراطية مستقلة عن الحكومة والأحزاب السياسية وأصحاب العمل".

واضاف "إتحادنا هو من يُمثل العمال، وهو من يجري مفاوضات للتأثير في السياسات العمالية، بإعتماده على مبدأ الديمقراطية والاستقلالية في العمل، وليس كالنقابات الكلاسيكية والتي ليس لها أي دور".

وبحسب ما يؤكده عليان فان اتحاده يضم 19 نقابة فرعية، وفيه أكثر من 37 ألف منتسب.

وزارة العمل

من جانبها أقرّت وزارة العمل وعلى لسان مديرها العام لعلاقات العمل بلال ذوابة، بالعجز بخصوص التنظيم النقابي، وبأنها تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية تجاه ملف النقابات العمالية.

وقال ذوابة "المسؤولية  تقع على جميع الأطراف ذات الصلة التي تشاركنا مسؤولية التقصير تجاه هذا الموضوع ..وبصراحة نشعر بالعجز، لكون أن الأطراف المعنية، وللأسف ليس لديها إراده من اجل التوافق فيما بينها، للخروج من المأزق".

وقال ان "العامل لم يعد لديه ثقة بهذه النقابات، بدليل أن نسبة المسجلين في كل الحركة النقابية بحسب سجلاتنا لا تتعدى الـ15%، وبالتالي، فإنه من المهم الإشارة إلى أن كل ما يٌقال عن عدد المسجلين في الإتحادات هو أرقام وهمية".

واوضح ذوابة انه "ضمن السياسة الجديدة لوزارة العمل، فهي تعتمد على أن النقابات تمثل أعضاءها، ولا تمثل قطاعاتها، بحيث يوجد هناك نقابات موازية ينتمي أعضاؤها لنفس المهنة، وفعاليتها تعتمد على نشاط الأعضاء المنتسبين اليها".

والى ذلك، فقد اعترف المسؤول في وزارة العمل بان من اهم الأسباب التي أدت إلى إستمرار الشرذمة هو عدم إقرار قانون تنظيم العمل النقابي.

وقال "منذ العام 2003 ومشروع قانون تنظيم العمل النقابي مطروح أمام المجلس التشريعي، لكن (حال دون اقراره) الأزمة  السياسية الداخلية، وتعطل عمل المجلس التشريعي، إلى جانب وجود أزمة شخوص وقيادات ومصالح في الحركة النقابية العمالية، وعدم توفر إراده لدى الإتحادات النقابية في وجود قانون ينظم عملها بدعوى أن القانون يخالف الحريات النقابية".

واضاف ان عدم اقرار مشروع القانون "حال دون تمكننا من ممارسة صلاحياتنا على هذه الإتحادات، وفتح المجال أمامها للإجتهاد بطريقة غير قانونية، وقاد بالتالي الى استمرار التفتت النقابي القائم".

أضف تعليقك