أين يمكن أن يذهب كيان مثل "اسرائيل" بنفاياته النووية؟

الرابط المختصر

غزة – محمود أبو الهنود - مضمون جديد

أين تدفن إسرائيل نفاياتها النووية؟ وما حقيقة ما جاءت به تقارير حقوقية تتحدث عن تخلص إسرائيل من نفاياتها النووية أو جزء منها بالقرب من حدود غزة؟ هي أسئلة لم تجد لها اجابة منذ عشرات السنين من دون ايجاد اجابة شافية عليها.

في حال تم التأكد من ان وقوع دفن للنفايات في غزة فان ما يعنيه ذلك ان القطاع ليس وحده المتضرر، وليس وحده الذي سيعاني. هناك مصر.

ومنذ بدء الحديث عن الموضوع بقي التداول في معلومات هذا الملف مقتصراً على الجانب النظري من دون إجراء فحوصات وإثباتات علمية دقيقة.

وبإستثناء بعض الفحوصات التي أجرتها مؤسسات فلسطينية، إلا أن مسألة توفر الأجهزة المطلوبة للقيام بتلك المهمة بقيت عائقاً أمام جهود تلك المؤسسات، خصوصاً وأن الامر يحتاج إلى جهات دولية تمتلك أجهزة باستطاعتها الوصول لنتائج ملموسة لتلك القضية.

وخضع قطاع غزة للاحتلال الاسرائيلي بعد حرب عام 1967 بعد أن كان خاضعا لسلطة مصر، ومنذ اتفاقية أوسلو وتطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا سيطرت السلطة الفلسطينية على مدن ومخيمات القطاع، في حين بقيت المستوطنات تعزز من بقاء الاحتلال الاسرائيلي وسيطرته على القطاع.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ارئيل شارون قد طرح في 2 فبراير 2004 طرح خطة للانفصال عن قطاع غزة، تشمل إخلاء المستوطنات الإسرائيلية فيها.

وبالفعل تم ذلك بعد عام تقريبا، ففي 16/فبراير 2005 أقر الكنيست الإسرائيلي "خطة الانفصال" فانتهى الوجود الاستيطاني الإسرائيلي في قطاع غزة في 12/سبتمبر /2005م.

وأعلنت الحكومة الإسرائيلية في حينه إنهاء الحكم العسكري في قطاع غزة وتعاملت مع الخط الفاصل بينها وبين القطاع كخط حدود دولي، رغم أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يراقب أجواء القطاع وشواطئه،

ويقوم بعمليات عسكرية برية داخل القطاع من حين لآخر. كذلك ما تزال إسرائيل تسيطر بشكل كامل على معابر القطاع مع إسرائيل، أما المعبر بين القطاع ومصر فيخضع لسيطرة فلسطينية مصرية مشتركة، فيما ما زالت إسرائيل المزودة لغزة بالمياه الشرب، والوقود والكهرباء حتى بعد انسحابها من القطاع.

بالقرب من الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ودولة الاحتلال، وتحديداً شرق خان يونس حيث خربة "خُزاعة" التي تبعد 10 كيلو مترات عن الحدود المصرية، وقفت أم نائل يحذوها الأمل بغدٍ أفضل تشير بيدها إلى مكان ليس بعيدا عن منزلها.

الصهاينة قتلوا لأم نائل أثنين من أبنائها قبل أن تراهما عينيها. هكذا تقول وهي تشرح كيف كان يولد بعض اطفالها اجنة مشوهين ليموتوا سريعا.

تقول لـ "مضمون جديد" حتى الاجنة في بطون امهاتهم لم يسلموا من اسلحة الاحتلال القذرة.
العشرات من حالات تشوه وموت أجنة في منطقة خزاعة يجري الكشف عنها دوريا كان من بينهم ابني "أم نائل".

وهو ما دفع مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان الاشارة الى هذه الظاهرة بقلق. فقالت في تقرير صدر عنها بتاريخ 28/10/2008 هناك تداعيات بيئة وصحية قاتلة تخلفها ممارسات سلطات الإحتلال في المناطق الحدودية، وذلك جراء خطر ارتفاع نسب الإشعاع النووي المنبعثة من المفاعلات النووية الصهيونية جراء دفن المخلفات النووية الناتجة عن بعض المصانع الصهيونية على طول الحدود مع قطاع غزة.

وبحسب المركز فإن إسرائيل دفنت نفايات مستنفدة من مفاعل ديمونة بالقرب من قطاع غزة، مستنداً في تقريره إلى العثور على 29 برميلا لنفايات خطرة في منطقة خزاعة بخان يونس.

وهو ما أكده التلفزيون الإسرائيلي من أن سلطات الاحتلال تدفن نفاياتها النووية في منطقة "حالوتسا" بجوار قطاع غزة منذ عقود، وأن هناك نحو 52% من النفايات غير محدد مكان دفنها. ورجح التقرير أن تكون إسرائيل قد دفنت تلك النفايات في القطاع خلال فترة احتلالها له.

"كلمل قديح" من سكان منطقة خزاعة في خانيونس يعمل في الزراعة وتربية المواشي قال هو الآخر أنه تفاجأ قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وتحديداً في أكتوبر 2008 " فوجئ بإحدى " نعجاته في مزرعته تلد خروفاً من دون رأس.

واضاف أن النعجة الام كانت طبيعية ولم يسبق أن حصل معها ذلك من قبل، مشيرا الى أن سكان المنطقة يستنشقون بشكل مستمر روائح كريهة جداً تزداد حدتها خلال الليل. يقول قديح: "الروائح قادمة من جهة الحدود".

هذا ما تعرضت له أيضا المواطنة (أ.ق) من القرية نفسها حيث فقدت جنينين بعد أن ولدوا بحالات تشوه. تقول: أنها ونساء المنطقة أصبحن يفكرن في الفترة الأخيرة بالتوقف عن الإنجاب خوفاً على أبنائهم من خطر التشوه الناتج باعتقادهم من الشكوك حول دفن النفايات النووية الإسرائيلية في مناطق قريبة من القطاع على طول الحدود. فهل هذا ما تريده اسرائيل؟

أما المواطنة (س.ي) فأنجبت بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعدة أشهر مولوداً مشوه الرأس، توفي بعد انجابه على الفور.

وهي تقول أنها وزوجها كانا ينتظران مولودهما الثاني بشغف وحب كبيرين، خصوصاً بعد فترة تأخر عن الحمل، إلا أن الاحتلال الذي اعتاد على قتل ومحاربة الإنسان الفلسطيني بكل الوسائل لا يريد للشعب الفلسطيني ان يتكاثر.

ويقول كمال النجار رئيس بلدية خزاعة لـ "مضمون جديد" أن البلدية تتابع معلومات ازدياد حالات السرطان في القرية وحالات وفاة وتشوه أجنة إضافة الى حالات إجهاض بين النساء، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة.

واشار إلى أنه من الوارد وجود مجمع نفايات قريب من القرية، ولكن لا يمكن الجزم بذلك ويحتاج الامر إلى إجراء فحوصات علمية دقيقة لاثبات مدى صحة ذلك، مشيرا الى رصد (15) حالة سرطان في القرية، و5 حالات تشوه في البهائم والدجاج.

واوضح وجود روائح كريهة في المنطقة، لكنه أشار إلى أن منطقة خزاعة منطقة زراعية يتم فيها إتلاف أشجار وتجميع أكوام من الخضار المتعفنة والاسمدة فقد تكون الروائح ناتجة عن هذه العوامل أو أسباب أخرى تحتاج لاجراء فحوصات علمية دقيقة.

وبحسب دراسة إسرائيلية صدرت يوم 18/5/ 2005 عن معهد الشؤون العامة لمحاربة الانتهاكات في المناطق الفلسطينية بعنوان "نفايات في المناطق الفلسطينية فإن السلطات الإسرائيلية دفنت نحو ثمانين طنا من النفايات النووية والكيماوية شديدة الخطورة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وخاصة قرب المدن الكبرى مثل نابلس والخليل وغزة.

أكدت الدراسة التي وضعها عدد من كبار خبراء البيئة الإسرائيليين ان التجارب النووية التي أجرتها اسرائيل تحت الارض في صحراء النقب قبل عدة سنوات ربما تكون وراء الزلازل التي ضربت الأراضي المصرية وشمال المملكة العربية السعودية في السنوات الماضية.

وأنذرت دراسات برنامج الأمم المتحدة للبيئة من تفاقم الكارثة البيئية والصحية الناجمة عن مخلفات النشاطات العسكرية والحروب في فلسطين والعراق ومناطق أخرى.

وذهبت الدراسات الى ان هذه المخاطر تتجاوز البلدان التي تقع العمليات الحربية على أرضها وفي أجوائها ومياهها إلى مجتمعات وأراضي ومياه وأجواء البلدان المجاورة، وبلدان بعيدة كذلك أحيانا.
وأكدت هذه الدراسات انه لم يتم اتخاذ اجراءات جدية من قبل حكومات الشرق الاوسط للتصدي لآثار هذا التلوث البيئي الخطر.
زواج اقارب؟

وزارة صحة المقالة بغزة كانت قد شكلت بتاريخ 22/10/2008 لجنة متابعة، وخصصت يوماً طبياً مجانياً لفحص جميع السيدات الحوامل في منطقة خزاعة يوم الأحد 26/10/2008 فكانت نتائج الفحص بعدم وجود حالات تشوه للأجنة ضمن السيدات اللواتي تم فحصهن في منطقة خزاعة عدا عن بعض الحالات التي تم اكتشافهم سابقاً.

ورجحت الوزارة أن يكون التشوه في الأجنة ناتج عن زواج الأقارب او سوء التغذية أو فقر الدم".
كما شكلت وزارة الصحة وسلطة جودة البيئة وسلطة الطاقة في قطاع غزة لجنة خاصة لمتابعة الوضع.

ونقل المهندس عوني نعيم من سلطة الطاقة لمؤسسة الضمير ان اللجنة أجرت بتاريخ 22/10/2008 ولعدة أيام مسحاً ميدانياً لعشرات النقاط في المنطقة وذلك وفق الإمكانات المتاحة لسلطة الطاقة من معدات واجهزة فنية وكانت النتيجة سلبية بعدم وجود أية اشعاعات نووية في الهواء.

لكن نعيم اكد في المقابل أنه لا يستطيع أن ينفي امكانية دفن اسرائيل للنفايات الخطرة وغير المعروفة على حدود قطاع غزة، الامر الذي من شأنه أن يؤثر على المياهو التربة ويسبب الضرر الصحي والبيئي، داعياً لمتابعة الفحوصات والدراسات لكل من التربة والهواء بعد النتيجة السلبية بعدم وجود اشعاع نووي التي توصلت لها سلطة الطاقة في غزة، وضرورة متابعة البحث بإمكانيات ومعدات فنية متطورة اكثر تكشف اذا ما كان هنالك تلوثاً في الماء او التربة، وجلب فرق دولية لتتابع الأمور و الفحص".

وقالت ذكرى عجور منسقة برنامج الحق في بيئة سليمة ومستدامة في مركز الضمير لحقوق الانسان لـ "مضمون جديد": هناك شكوك مدعومة بمعطيات تتعلق بقيام حكومة الاحتلال بدفن مخلفات نووية في الأراضي الفلسطينية، مشيرا الى الزيادة غير الطبيعية في حالات الإصابة بالسرطانات في قطاع غزة، وأمراض غريبة لدرجة أنه يصعب تشخيصها في كثير من الأحيان، والارتفاعات في نسبة الإجهاض لدى السيدات الحوامل.

وقال: نطالب بتحقيق دولي للتأكد من صحة هذه الادعاءات، خاصة وأن قطاع غزة يعيش تحت حصار، وأن إمكانيات مؤسساته متواضعة وغير قادرة على كشف حقيقة وجود إشعاعات تضر بصحة المواطنين والسكان والبيئة من عدمه.

من جهته قال الخبير البيئي د. عاطف أبو جيش لـ "مضمون جديد" إن المشاكل البيئية تتطلب دراسة تفصيلية متأنية للتربة وللمياه الجوفية وللهواء وللاشعاع في تلك المنطقة باستخدام اجهزة متطورة من اجل الحصول على نتائج موثوقة.

واقترح أبو جيش بقيام مراكز البحث في جامعات قطاع غزة بما تمتلك من قدرات علمية وفنية لا يستهان بها، حيث يساعد في ذلك الدور المحوري لسلطة جودة البيئة، التي كان الهدف الرئيسي لانشائها هو الحفاظ على البيئة الفلسطينية.

وطالب السلطة بدور رقابي لنوعية التربة والماء والهواء وغيرها من عناصر البيئة، مشيراً إلى أن المشاكل البيئية المذكورة في التقرير لا يحلها الحديث حولها من قبل غير المختصين وانما بالتثبت من مصادر ومسببات هذه المشاكل بالأسلوب العلمي المعتمد على الفحوص المخبرية والدراسات المتعمقة.